... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
هاتف الجنابي خطوة الى الامام خطوتان الى الخلف

سعد البغدادي

تاريخ النشر       04/11/2007 06:00 AM


لا موتَ بلا حياة

لكن،أعَلى الحياة أن تموت؟

الحياة،

هي الأمل الوحيد المتبقي

للموت

في خروجه من المعتقل بكفالة المنفى حاول المبدع المغترب هاتف الجنابي ان يستذكر فترة من حياته, لكنه في النهاية لم يستطع الخروج من معتقله, ظل اسيرا لذلك التاريخ والى تلك المدن والخرائب المتشابهة في طيبتها فاذا هو يستذكر لنا قريته الوادعة ذات الخضرة الطيبة والتي تقع في اعالي الفرات على الرغم من خروجه هاربا متخفيا , ان حنينه اكبر من الكلمات التي سطرها اما النجف(( بيت وأزقة تزورها الوحشة واليرابيع والعقارب والصراصير أحيانا ويرقص فيها الغبار، فضاء ترقبك فيه النجوم والطيور والحيوانات وحكايات الجن والطناطل والمياه وأنت جزء منها مقابل أزقة ماكرة وبيوت محكمة الغلق وأسواق يمخرها الغرباء من زوّار العتبات المقدسة. مدينة غامضة غموض الشعر الحديث، ملمومة كقنفذ، مفتوحة على الصحراء من ثلاثة اتجاهات، وعلى نهر الفرات ونخيل الكوفة من جهة الشرق. الجهة الشمالية مشرعة على المقبرة. بالإمكان الوصول إليها خلل بعض السراديب. طبعا، عليّ ألا أنسى الموتى السائرين ليلا في الطرقات. أغلب السكان المجاورين للمقبرة يعتقدون أن ثمت من يراقبهم نهارا ويسير خلفهم ليلا!

تشعر وأنت في ذلك الجو بأن الجميع يرونك، أنت الغريب الطاريء، يلاحقونك بنظراتهم، يتفحصونك ويتلصصون عليك ثم يرمونك نهبا للمجهول وأنت لاتراهم وإن رأيتهم فلا تجرؤ على السؤال عن سر مثل هذا الشعور. ثمت مقبرة، كان الموتى يحلمون بها، أصبحت جارة دائمية لنا نحن الأحياء

و بغداد فهي لدى هاتف عشتُ ودرستُ وكتبتُ وصادقتُ طيلة أربع سنوات، وسكنت في أحياء متفرقة ومتباعدة منها: في الأعظمية، وراغبة خاتون والبتاوين في غرفة لدى عائلة مسيحية(كانت تعاملني كأحد أبنائها). تحولت العاصمة بعدها إلى مكان أعود إليه بمثابة عابر سبيل. لاعلاقة مباشرة لي بتجمعاتها الأدبية والسياسية. كنتُ ومازلتُ أعمل ك(سولو-solo)- على طريقة العزف المنفرد، متوجسا من التجمعات وكثرة العلاقات التي قد تمتص طاقتي ووقتي فيما لا نفع فيه. لكنني ألحقت بنفسي ضررا مؤقتا، لأن حالتي المذكورة قد ساهمتْ في تأخر نشر كتبي. وكركوكُ ليستْ نخلةً

لكنها أكثرُ خضرةً من الأحلام

أسمى من المفاتن،

كركوكُ مبتغى الرياح والنشور"

في كركوك الملونة، بسهولها ومرتفعاتها وشعلتها الدائمة وموزائيكيتها الاجتماعية والثقافية وعبقها الخاص، توثقت علاقتي بالأقليات الدينية والأثنية التي اغتنيتُ بفضلها روحيا وصرتُ أدافع عن كينونتها. هذه المدينة العصية على غير أهلها حاضرة فيّ بين الفينة والأخرى. بفضل كركوك أخذت أعود إلى أحضان الطبيعة التي افتقدتها لسنوات.

هذا هو هاتف الجنابي احساس فريد وشاعر طريد تطارده ذكرى مدن واشباح وطناطل وتلاحقه رائحة ذلك النبيذ الذي لم يتذوق مثله ابدا منذ ان شربه في كركوك شاعر ظل وفيا لذكرياته وايامه في اصعب ايامه العجيب ان تلك الاهات التي كتبها المبدع هاتف ابتدءت ربما بغير تخيطط مسبق بامه تلك الام التي لازمت شاعرنا حين خباته في زريبة البقر

تعلمت من أمّي الشعرَ حيث كانت تحفظ وتنشد على مسمعي الكثير من مقطوعات وأناشيد الشعر الملحون العراقي، ومن أبي التسامح والانفتاح على الآخر بقليل من الأمل وببعض الشك في العالم، إنقاذا للنفس من الطناطل المتربصة بها. هذه الفسحة بيني وبين الآخر تدربتُ عليها في صغري بحكم التربية العائلية، لكنْ، نظرا لاختلاطها بفكرة احترام الآخرين والانفتاح عليهم والوقوف معهم عند الشدائد، جعلها تتعرض لبعض المُنغّصات، على أساس أن الاختلاط يجلب المنفعة بقدر ما يجلب النحسَ. ويمضي وفي المشهد الاخير من معتقله يبكي هاتف فيبكينا معه حينما يختم مذكراته بامه التي لم يرها

كانت أمي، بعد موت أخي الأكبر في مهده (لا اسم له)، وأختي الصغرى(أمل)، وأخي الرضيع (عادل)، وأخي (محمد) المضرج بدمه على الرصيف، قد دأبتْ على تعليق ثلاث صور في البيت: للمسيح، ومريم العذراء والإمام علي. وَلدَى تساؤل الفضوليين، كانت تجيب: درْءا لغفلة الحياة! سمعتُ أنها قد أضافتْ إليها صورة ابنها الذي لم يَعُدْ من غيبته*

ما هي أخبارك أيها المنفى الخرافي؟ ألمْ نكنْ نديمينِ وخصمينِ معا في في أربع قارات: في العراق وبولندا والجزائر وأميركا؟مقاربة ذلك في الفصول اللاحقة.

· لقد سقط هذا الهرم الحياتي بموتها في 31 تموز 2007.

في القسم الثالث تحدث عن خطوة وخطوتان(لكنني كلما مضيتُ فيها خطوة إلى الأمام تراجع اسمي خطوة في بلادي من حيث التعتيم وانعدام النشر حتى اصبحت في عداد الأدباء المفقودين! كتبت وبحثت وترجمت ونشرت وكُرّمتْ، وتعرفتُ على أسماء شعرية وأدبية بارزة بولندية وعالمية. وحينما دخل اسمي في قواميس الكتاب وأنثولوجيات الشعراء أصبحتُ أكثر غربة من ذي قبل وخوفا من نفسي. شكلت سنوات الثمانينيات البولندية تجربة ودرسا بليغين لي.)لكن هل حقا ما قاله هاتف الجنابي

وخلفنا:

دخانٌ يمخرُ الفضاءَ

هالةٌ لطائر يترنح فوق قشة

كأس على النصف،

قبلةٌ عابرة

بيتٌ مغلق خلفَ غابة.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سعد البغدادي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni