... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
نخب الكلاب

علاء اللامي

تاريخ النشر       11/01/2007 06:00 AM


الإهــداء
 

لذكرى شقيقي

الشهيد كاظم اللامي ،

أحد ضحايا تلك الحرب القذرة  موضوع هذا 

 النص .

                                                                      ع. اللامي

الشخصيات حسب الظهور على الركح:

1- الجندي العراقي الأول.

2- الجندي العراقي الثاني.

3- الجندي العراقي الثالث وهو نفسه المعتقل في المشهد الثاني والعاشق في المشهد الرابع.

4- الجلاد.

5- مساعد الجلاد 1.

6- مساعد الجلاد 2.

7- العاشقة.

8- مقاتل إيراني  بالزي المدني  وهو نفسه الأب الذي يفقد زوجته وابنه خلال القصف الجوي.

9- رجل دين 1.

10- رجل دين 2.

11- رجل، عابر سبيل.

12- امرأة 1.

13- الأم.

14- شقيق الأم.

15- الشرطي.

16- صحفيان.

17- جثة الضابط القتيل.

18- ثلاث جثث أخرى.

 

مقدمة:

تنطفئ مصابيح القاعة واحداً إثر آخر، ومع انطفاء كل مصباح يُسمع صوت إطلاق رصاصة أو ضربة سوط. حين يعم الظلام، تندلع معركة عنيفة، أصوات قذائف ورشاشات، صرخات بشرية وهدير دبابات. ستار المسرح لم يرفع بعد، ولكن ثمة توهجات والتماعات ملونة تظهر وتنطفئ عليه. صوت المعركة يبتعد رويداً رويداً فيما يقترب هدير طائرة مروحية بالتدريج حتى يسود على جميع الأصوات الأخرى. دوي انفجار قريب و زخات رصاص طويلة ومتقطعة. هدير الطائرة يبدأ بالتلاشي ويحل صمت ثقيل لثوان تتخلله أصوات وذبذبات لجهاز الاتصال باللاسلكي. ينفرج الستار ببطء شديد كاشفاً عن الثلث الأوسط للمسرح على الأقل.


 

المشهد الأول:

بعد غروب الشمس بقليل. هيكل نصف محترق لسيارة جيب عسكرية يتصاعد منها الدخان وتتدلى من بابها المفتوح  جثة محترقة، عَلَقَتْ الساقان وتدلى الرأس نحو الأسفل. ثمة جندي يضمد جراح زميله وجندي ثالث يقعي على ركبتيه أمام جهاز الاتصال اللاسلكي وعلى رأسه المسماع.

ألو.. ألو.. ألو.. سين 20 يتكلم. ألو.. ألو.. ألو. سين 20 ينادي قاف 3.. حَوِّل.
 الجندي 1:
 
ألو.. كُنْ عاقلاً واتجه بمن معك إلى الشمال.. حَوِّل.
 صوت 1:
 
ألو من أنت؟ هنا سين 20، أريد الاتصال بقاف ثلاثة، حَوِّل.
 الجندي 1:
 
لا تكن عنيداً واتجه شمالاً قبل فوات الأوان لقد سحقنا قواتكم كلها، حول.
 صوت 1:
 
ألو.. ألو.. من أنت؟ لماذا لا تجيب أيها المنتصر؟ حول.
 الجندي 1:
 
لا تسأل من أنا؟ هل أنت مغفل إلى هذا الحد؟ استسلموا قبل أن ُيقضي عليكم.. حول.
 صوت 1:
 
نستسلم؟ لمن؟ لك؟ حاذر أنت على رأسك فقد يدخلونك الجنة بدونه قبل أن تراني.
 الجندي 1:
 
لقد أعماك الشيطان أيها الكلب القذر، إلى الجحيم إذن.. وقــ.. آرآ.. صه.. (يتلاشى الصوت).
 صوت 1:
 
ألو.. ألو.. قاف ثلاثة ينادي سين 20، ألو.. هل تسمعني بوضوح؟ حول.

(صوت مختلف النبرة)
 صوت 2:
 
ألو.. هنا سين 20، أسمعك بوضوح. صِلْني بقائد الفرقة فوراً. حول.
 الجندي 1:
 
القائد غير موجود الآن، قدم تقريرك بسرعة حول.
 صوت 2:
 
سين 20 ينادي قاف ثلاثة..
 الجندي 1:
 
أين أنتم يا كلب عشرين؟ حول.
 صوت 1:
 
أهذا أنت يا صديقي الكلب؟ أسمع سأدبغ لك جلدك حين آراك، كف عن النباح و حول.
 الجندي 1:
 
ألو.. قاف ثلاثة يناديكم يا سين 20، هل تسمعني بوضوح؟ حول.
 صوت 2:
 
ألو.. قلت لك صِلْني بالقائد، الحالة صعبة جداً، تعرضنا قبل قليل لقصف طائرة يبدو إنها معادية، خسائرنا، قتيل وجريح، وسيارة القيادة دمرت، حول.
 الجندي 1:
 
سنحرقكم كلكم يا كلاب.. أيها.. فاد.. سع.. والله.. (يتلاشى الصوت).
 صوت 1:
 
معك حق أيها الجرو العزيز، لو لَمْ نكن كلاب لما جعلونا طعاماً للمدفعية والطائرات. وأنت أيها الأخ ألست كلباً ملعوناً مثلنا؟.. لا تقاطعني إذن يا جروي البطل.
 الجندي 1:
 
ألو.. ألو.. قاف ثلاثة ينادي سين 20، هل تسمعني بوضوح؟ حول.
 صوت 2:
 
ألو.. نعم.. بوضوح ما بعده وضوح،  لكن بحق الشياطين، لا تقطع ونظِّم الاتصال، حول.
 الجندي 1:
 
(الصوت يتضح أكثر) ألو.. القائد يتكلم يا سين 20، حول.
 صوت 2:
 
ألو، هنا سين 20 نعم سيدي، حول.
 الجندي 1:
 
أين أنتم الآن؟ حول.
 صوت 3:
 
لا أدري يا سيدي، حول سيدي.
 الجندي 1:
 
لا تدري؟ يا لك من كلب قذر، هل أنت جندي أم بواب عمارة ؟ حول.
 صوت 3:
 
سيدي يظهر أننا تقدمنا باتجاه خاطئ، كنا في الطريق إلى مقر الكتيبة حين وقع الهجوم وقد تعرضنا لقصف طائرة مروحية.
 الجندي 1:
 
ألو.. صلني بالسيد العقيد، يبدو أنك لا تنفع شياً ولا طبخاً، حول.
 صوت 3:
 
سيدي، السيد العقيد قتل وهناك جندي جريح أيضاً، وسيارتنا دمرت، حول.
 الجندي 1:
 
لا تقل قتل..
 صوت 3:
 
عفواً سيدي، استشهد.
 الجندي 1:
 
لا تقل هذا أيضاً يا غبي.. سنرسل لكم الإغاثة حين نعرف موقعكم، ضمدوا جراح السيد العقيد وضعوا جثة الجندي في مكان حسن التهوية.. اصمدوا.. انتهى.
 صوت 3:
 
ولكن يا سيدي.. ألو.. ألو.. ألو..
 الجندي 1:
 
(في هذه اللحظة ينتهي الجندي الآخر من تضميد زميله ويسرع إلى جندي الاتصال. ينتزع من رأسه المسماع ويقطعه ثم يدوس عليه).
 
 
كفى.. كفى..
 الجندي 2:
 
ماذا فعلت ؟ هل جننت ؟ ها نحن مقطوعون الآن تماماً. يا إلهي ماذا سنفعل الآن ؟ ستندم، ستندم على فعلتك هذه.. سيجلدونك حتى يجعلونك ترى نجوم الظهيرة.
 الجندي 1:
 
لا تخوفني بالجلد، فأنا أعرف طعم الفلقة مثلما تعرف أنت طعم الخبز، لقد جلدوني يا صاحبي حتى  تهرأت أكفهم.. أجل، حتى تهرأت أكفهم.. كنت أظنك تعرف هذا.
 الجندي 2:
 
(يعم الظلام على المسرح الأوسط بالتدريج، ويسمع صراخ إنسان يُعذب على الجهة اليسرى من المسرح.. ظلام وصراخ على كل المسرح).
 
 

 


 

 

المشهد الثاني:

يزاح الستار عن الربع الأيسر من المسرح فجاءة: ثمة شاب هو نفسه الجندي 3، وسندعوه هنا المعتقل معلق من ساقيه إلى خشبة الفلقة التي يرفع طرفيها رجلان يضع كل منهما قدمه اليسرى على بطن الشاب، ورجل آخر هو الجلاد يمسك بعصا سوداء يضرب بها على باطن قدمي الشاب.

والآن.. هل ستتكلم أيها الكلب الحقير، أم أجعلك تغرد أكثر؟ تكلم، تكلم (يضربه) تكلم وأشفق على نفسك.
 الجلاد:
 
(متأوهاً من الألم) وماذا تريدني أن أقول؟ قل فقط وأنا سأنفذ.. ماذا أقول؟ ماذا أقول؟
 المعتقل:
 
(إلى زميليه) يبدو أن شيطانه أقوى مما تصورنا.. ولكني لا أعتقد بأنكما ستربحان الرهان، قلت لك سيغني بمعنى سيغني. (يضرب المعتقل) تكلم أيها القذر . تكلم، قل كل ما تعرفه، إنْ لم تتكلم سأحضر أمك وأخواتك الأربع إلى هنا، أظنك تعرف أي فيلم جميل سترى، هل فهمت؟ تكلم إذن.
 الجلاد:
 
(زاعقاً من الألم) سأتكلم.. سأعترف يا سيدي.. سأقول لكم كل شيء..
 المعتقل:
 
أنزلوه (الرجلان يحلان وثاق المعتقل ويدفعانه إلى المشي، يمشي الشاب كمن يدوس على جمر.. تبدو هيئته خرقاء، العصابة على عينيه تجعله ينتظر في كل مرة أن يدفعه أحدهما إلى المشي).
 الجلاد:
 
اجلس.
 الجلاد:
 
(متلمساً ما يحيط به، يعثر على كرسي قربه فيجلس).
 المعتقل:
 
والآن لنبدأ من البداية.. من أعطاك هذا الكتاب؟
 الجلاد:
 
اشتريته.
 المعتقل:
 
(يصفعه بقسوة) قُلْ يا سيدي.
 مساعد الجلاد1:
 
اشتريته يا سيدي.
 المعتقل:
 
لكنه غير متوفر في المكتبات الآن.
 الجلاد:
 
الآن ؟ ربما يا سيدي، لكن انظر إلى السعر على الأقل إنه بعملتنا.
 المعتقل:
 
ومن لا يستطيع أن يكتب سعراً بقلم الحبر؟
 الجلاد:
 
السعر مختوم وليس مكتوباً يا سيدي.
 المعتقل:
 
قلنا مكتوب بمعنى مكتوب، هل تريد أن تدخلنا إلى مدرسة محو الأمية؟ ها ؟ إلى محو الأمية (ينهال على المعتقل بالضرب).
 مساعد الجلاد2:
 
(مشيراً إلى الرجل 3 بالكف عن الضرب) ولماذا اشتريت هذا الكتاب بالضبط؟ هل تعرف كاتبه؟
 الجلاد:
 
لا يا سيدي ، أقسم أنني لم أرَ كاتبه إطلاقاً.
 المعتقل:
 
نعرف أنك لم ترَ كاتبه، لكن ألا تعرف بأنه شخص كافر ومخرب؟
 الجلاد:
 
لم أكنْ أعرف ذلك.
 المعتقل:
 
(يصفعه) قُلْ يا سيدي.
 مساعد الجلاد2:
 
لم أكن أعرف يا سيدي.
 المعتقل:
 
أجب بصراحة، هل أعجبك الكتاب؟
 الجلاد:
 
نعم يا سيدي.
 المعتقل:
 
ها.. ها ولماذا؟ ما الذي أعجبك فيه!
 الجلاد:
 
إن عنوان الكتاب هو الذي جذبني وأوقعني في هذه المصيبة.
 المعتقل:
 
حلوة، جذبني هذه!
 مساعد الجلاد2:
 
عنوان الكتاب هو "الأم" فماذا جذبك فيه؟
 الجلاد:
 
قلت.. ربما فيه قصة عن حنان الأم، وأنا يا سيدي أحب أمي أكثر من نفسي.
 المعتقل:
 
(ينفجر الرجال الثلاثة بالضحك)
 
 
يا هلا بالولد!.. ما رأيكم الآن؟
 الجلاد:
 
أعتقد يا سيدي بأنه سوف يغني لنا بعد قليل أغنية رسالة من تحت البحر. (يضحك).
 مساعد الجلاد1:
 
طيب.. طيب. ولماذا أعطيت الكتاب إلى عدد من الطلبة ؟ هل كانوا يحبون أمهاتهم أيضاً. أَمْ أنك حاولت إقناعهم بأفكار الكتاب؟
 الجلاد:
 
لم أحاول ذلك.
 المعتقل:
 
قل يا سيدي، (يصفعه).
 مساعد الجلاد2:
 
كم طالباً قرأوا هذا الكتاب؟
 الجلاد:
 
ثلاثة يا سيدي.
 المعتقل:
 
ها قد عدنا إلى اللف والدوران، سترى الآن.. سأشوي لك جلدك، هل تلعب علينا. ألم تقل بأنك ستعترف؟ علقوه..
 الجلاد:
 
بماذا أعترف.. يا سيدي؟ قل لي بماذا؟
 المعتقل:
 
( يوثقان ذراعي الشاب بالحبل الى الخلف.)
 المساعدان:
 
قل لي كل شيء، نحن نعرف عنك كل شيء هل سمعت؟ كل شيء، لكن نريد أن نسمع ذلك منك أنت. قل لي كم طالباً معك في الخلية الحزبية؟ وأين كنتم تجتمعون لقراءة هذا الكتاب؟ لا تريد أن تتكلم؟ حسناً، علقوه، كم الساعة الآن؟
 الجلاد:
 
العاشرة والنصف يا سيدي.
 مساعد الجلاد:
 
طيب.. طيب.. علقوه إلى المروحة إذن واتركوها تسليه، هيا لا أريد أن تفوتني سهرة الخميس مع كوكب الشرق، مع هذا الصعلوك (يرمي بعصاه على الطاولة ثم يخلع قفازيه ويغسل يديه مقلداً الطبيب الجراح، ثم يخرج..) – ظلام-
 الجلاد:
 

 

المشهد الثالث:

 المنظر نفسه في المشهد الأول.. يلاحظ أن جثة الضابط قد أنزلت من السيارة وغطيت والجريح نقل إلى وسط المسرح..

والآن ماذا  سنفعل ؟ لقد قُضيَ علينا.
 الجندي 1:
 
دعك من هذا، هل قلت لهم بأن الضابط قتل؟
 الجندي 3:
 
نعم، لكنهم صرخوا بي لا تقل هذا. ربما لئلا يسمع العدو بذلك وكأن الميت لا يموت حقاً إلا عندما يسمع به العدو.
 الجندي 1:
 
إنك تتصرف كأعمى دائما. هل تعتقد بأنهم سوف يقومون بإنزال شامل من أجل أن ينقذوك، خاصة وقد قلت لهم بأن الضابط قد قتل؟ الرعب من الموت هو الذي صدمك الآن، كنت تتصور بأن خيط جهاز اللاسلكي هو ما سوف ينقذك وحين قُطع هذا الخيط شعرت بأنك اقتربت من الموت سنتيمتراً أخراً.

عبث، أجل، هذا هو العبث. منذ سنوات ونحن مقطوعون عن كل شيء، نموت كالذباب بصمت وحسب الأصول. كان الأذكياء منا لا يطمحون إلا إلى تابوت نظيف وجنازة لائقة، ولكن أليس هذا أفضل من الكذب؟ كم كذبنا على أنفسنا وانتظرنا المعجزة ؟ نعلم علم اليقين أننا في أحشاء التمساح، ومع ذلك نمارس لعبة الحياة بعيون مغمضة، وما أنْ نتذكر الأسنان اللامعة الدامية لصديقنا التمساح حتى نرتعش كالسعفة في مهب الريح.
 الجندي 3:
 
إنك تقول هذا لأنك جريح، إنك تستمد شجاعتك من موتك.
 الجندي 1:
 
وأنت.. وأنت.. ألستما ميتين؟ ألسنا جميعاً موتى، كلنا موتى ونعرف ذلك، أجل موتى مع وقف التنفيذ كما يقال.
 الجندي 3:
 
كفى.. كُفَّ عن الثرثرة أنت. ألا ترى أنه جريح؟ أنت تدفعه إلى الانفعال وسوف ينزف المزيد من دمه.
 الجندي 2:
 
حسنٌ، حسنٌ، يا إلهي كم نحن أغبياء؟.. أنا.. أنا.. أنا لا أدري، لا أدري، لا أدري ماذا أريد أن أقول بالضبط.. عندي الكثير الذي يجب أن يقال، لكن رأسي فارغ كالطبل، تحول كل شيء إلى رغبة قاتلة بالصراخ، صرخة واحدة، آه لو أنني أستطيع أن أصرخ الآن، لكن ما الذي يمنعني من ذلك ألسنا في البيداء الآن، فلماذا لا أستطيع الصراخ؟ ها؟ هلا قلتم لي.
 الجندي 1:
 
إنها قوة العادات يا صديقي، يلزمك قرناً كاملاً من العواء لكي تستطيع أن تطلق تلك الصرخة العتيقة؟
 الجندي 2:
 
يكفي هذا.. أين أصيب؟
 الجندي 1:
 
في الفخذ و الخاصرة.
 الجندي 2:
 
هل ضمدته جيداً ؟
 الجندي 1:
 
وبماذا أضمده ؟ لقد احترقت علبة التضميد. لففته بخرقة وحسب.
 الجندي 2:
 
على طريقة أفلام هوليود.
 الجندي 3:
 
أجل على طريقة أفلام هوليود مع الفارق، وهو أنهم هناك يلطخون أنفسهم بسوائل حمراء أما هنا فكل شيء حقيقي: رعب حقيقي ودم حقيقي، وموت لا يشبه موتهم، موت لم يخطط له مخرج موهوب بل.. بل..
 الجندي 2:
 
أين نحن الآن ؟
 الجندي 3:
 
وكيف لي أن أعرف؟ حتى جدك العزيز ابن بطوطة سيضيع في هذا الجحيم المخيف.
 الجندي 1:
 
أما أنا فأعرف شيئاً، أعرف إننا تحت القمر فوق الوحل، ماذا تريدون أكثر من هذا؟
 الجندي 2:
 
(صوت إطلاق رصاصة قريبة جداً )
 
 
ما هذا ؟ انبطحا..
 الجندي 1:
 
كاد يقتلني! يا له من لعين!
 الجندي 2:
 
ابقَ أنت معه، لا تدع جراحه تلمس الأرض.. سأذهب لأرى ماذا هناك.
 الجندي 1:
 
(يزحف الجندي 1 على بطنه باتجاه أعماق المسرح، ما أن يختفي حتى يظهر على المسرح رجل مسلح وقد عصب رأسه بعصابة سوداء، أنه يبدو مرهقاً أو جريحاً، يتقدم مترنحاً من الجنديين ويسدد فوهة البندقية إليهما )
 
 
ماذا تفعل؟ لا.. لا.. (الجنديان يرفعان أيديهما إلى الأعلى).
 الجندي 3:
 
إلى جهنم أيها الكفرة المجرمون. (يضغط زناد البندقية الرشاشة لكن الرصاصة لا تنطلق)
 المقاتل:
 
(يظهر الجندي 1 من خلف المقاتل ويضربه على قفاه بمقبض المسدس فيسقطه أرضاً)
 
 
لماذا لم يطلق النار؟ يا له من قرد! كان مختبئاً قريباً منا..
 الجندي 1:
 
إنها المصادفة الحسنة، يبدو أن بندقيته كانت خالية من الرصاص. أيُّ نوع من البشر هؤلاء؟ مع أني رفعت يدي لكنه ضغط على الزناد.
 الجندي 2:
 
لماذا تقفان هكذا كأبلهين ؟ أم إنكما تنتظران أن يمزقنا جميعاً بقنبلة؟ هيا تحركا وفتشاه.
 الجندي 3:
 
(يفتش المقاتل وينتزع ما معه من سلاح ) لماذا تضع مع هذه العصابة السوداء على رأسك؟ صداع؟ هل تشكو من الصداع؟ إنه جريح أيضاً، يا له من بطل؟
 الجندي 1:
 
لا تسخر من الرجل، هل سمعت ؟
 الجندي 2:
 
أسخر منه ؟ ما هذه المثاليات الحمقاء؟ كاد يثقب لك رأسك قبل قليل لولا المصادفة.
 الجندي 1:
 
دعنا من هذا النقاش البيزنطي، وهل تظن بأنني كنت سأتردد عن تهشيم رأسه لو كانت بيدي فأس في تلك اللحظة ؟
 الجندي 2:
 
هذه هي قواعد اللعبة، إنها الحرب، إذا تَردّدتَ في أن تَقْتُلَ سَتُقْتَل، لنلعب اللعبة إلى نهايتها.
 الجندي 3:
 
بعيون مغمضة ؟
 الجندي 1:
 
ليس تماماً، لكن من كان بإمكانه أن يخربش بأظافره ويرسم زهرة على جدار الجحيم فليفعل.
 الجندي 2:
 
وهذا ما فعله صاحبنا (يشير إلى المقاتل المدني الأسير) فبدل أن يخربش ويرسم تلك الزهرة اللعينة، وضع على رأسه عصابة سوداء، وأطلق الرصاص على أسراه.
 الجندي 1:
 
ليس الذنب ذنب العصابة دوماً، إنَّ لها وظائف أخرى. كانت معي في الكلية فتاة مليحة، وكانت تعصب رأسها دائماً بعصابة برتقالية.. هل تعرفها؟
 الجندي 3:
 
من أنا ؟ آه.. أعتقد بأني أتذكر شيئاً كهذا.
 الجندي 2:
 
لابد  وأن تعرف شيئاً كهذا.
 الجندي 3:
 
ولماذا هذا الجزم ؟
 الجندي 2:
 
طبعاً، ألم تكن طالباً في كلية التربية المقابلة لكليتنا ؟ ثم أنها فتاة تضع على رأسها عصابة بلون البرتقال.. أراهن لو أنك سألت عنها جميع الناس في حي الأعظمية بل في  مدينة بغداد كلها  لقالوا لك شيئاً عنها.. الله؟ كم كانت جميلة بعصابتها تلك. المسكينة، لقد اختارتني أنا حبيباً لها، أنا الغبي الكبير والمشاكس الأبله، حتى جاء ذلك الغراب الكريه وختم الحكاية. (ظلام)
 الجندي 3:
 

 


 

 

المشهد الرابع:

يزاح الستار عن الجزء الأيمن من المسرح. الفتاة ذات العصابة البرتقالية تجلس على مصطبة في حديقة جميلة، تطالع كتاباً كبير الحجم بقلق. تلتفت إلى اليسار واليمين بين الفينة والأخرى، يدخل شاب متسللاً ويقف خلفها، إنه الجندي  3، والمعتقل، وسندعوه هنا العاشق، أما الفتاة ذات العصابة البرتقالية فسندعوها العاشقة. هاهو يتسلل  خلفها و يغمض عينيها بكفيه.

أوه.. كفى، لقد عرفتك.
 العاشقة:
 
قولي، من أنا أولاً.
 العاشق:
 
ألن تزعل.. أقول.
 العاشقة:
 
لا.
 العاشق:
 
البندول.
 العاشقة:
 
(يترك رأس الفتاة، ويجلس بجانبها) ماذا؟ ماذا ؟ البندول؟  ما هذا المسمار المبكر؟ ولكن لماذا البندول؟
 العاشق:
 
لأنه يغير مواقفه ستين مرة في الدقيقة.
 العاشقة:
 
على أية حال البندول أفضل مما كنت أتوقع.
 العاشق:
 
وماذا كنت تتوقع؟
 العاشقة:
 
لا أدري. ربما بندول ولكن بالقاف بدل اللام.
 العاشق:
 
وما معنى ذلك؟
 العاشقة:
 
دعينا من ذلك.
 العاشق:
 
لا.. لا.. قل لي ما معناها.
 العاشقة:
 
إنها كلمة تقال في اللهجة الشامية، وهي قريبة في معناها من كلمة البندول، ولكنها بذيئة. المهم، لندخل في لب الموضوع، لماذا لم تجيبي على رسالتي الأخيرة التي بعثتها لك من القرية؟ ألم تعجبك؟
 العاشق:
 
وما فائدة الإجابة؟ ها قد مضى عام كامل ونحن نلف وندور. كررنا كل الأغاني والأناشيد.
 العاشقة:
 
لكنني كلمتك فيها بصراحة.
 العاشق:
 
اسمعني أرجوك، أنا أريد أن أكلمك بصراحة أيضاً، أريد أن أقول لك دعنا ننتهي من هذه التمثيلية البائسة. ماذا تظن؟ هل أنا طفلة أمامك؟ أم.. أم أنك لا تثق بي؟ لماذا تغير آراءك بهذه السرعة؟ هل نسيت أننا في الشهر الأخير من العام الدراسي؟ هل نسيت أننا سوف ننتقل إلى الحياة العملية قريبا؟  
 العاشقة:
 
لم أنسَ كل هذا. وقد وعدتك في رسالتي الأخيرة بمفاجأة سارة، فلماذا لم تسأليني عنها؟
 العاشق:
 
لست بحاجة إلى أي نوع من المفاجآت. وقد جئت اليوم إلى هنا لأقول..
 العاشقة:
 
لا تقولي شيئاً، لا تتعجلي الأمور. أنا بدوري فكرت جيداً، وحسمت موقفي، وهذه المرة سأثبت لك بالأفعال على أن المرحلة البندولية قد انتهت. اسمعيني جيداً. لقد كلمت أخي الكبير في الأمر. أمرك زواجنا طبعا،  قلت له بأنني على أبواب التخرج من الكلية، وأنني أريد أن أتقدم لخطوبتك، فما هو رأيك الآن؟
 العاشق:
 
(وقد تهللت أساريرها ) حقا ً؟ هل تتكلم بجد؟ وماذا قال أخوك ؟
 العاشقة:
 
وهل يستطيع أن يرفض؟ هذا ليس شأنه، وقد قلت له ذلك لأسباب شكلية، هل أنت سعيدة الآن؟
 العاشق:
 
(تبتسم) سننتظر الأفعال.
 العاشقة:
 
كم أنت عنيدة ؟ وجميلة ؟
 العاشق:
 
حقاً، متى اكتشفت ذلك ؟
 العاشقة:
 
أنت ملكة حقيقة بهذه العصابة. ولكن..
 العاشق:
 
ولكن ماذا ؟ أكمل..
 العاشقة:
 
ولكنك حين تكونين بلا  عصابة، تتحولين من ملكة إلى.. إلى..
 العاشق:
 
إلى ماذا؟ تكلم.
 العاشقة:
 
إلى مساعدة ملكة. (يضحك)
 العاشق:
 
(بغضب مفتعل) اترك يدي، كنتَ تريد أن تقول كلمة أخرى ثم تراجعت. (صمت قصير) وماذا ستقول لأبي حول الخدمة العسكرية؟ هل نسيت بأنك ربما ستفشل بالحصول على الإعفاء منها؟
 العاشقة:
 
أوه اللعنة.. لقد نسيت ذلك، لكني سأحصل على الإعفاء بكل تأكيد فعائلتي كبيرة وأخي عسكري، من يدري؟ المهم سأتدبر الأمر.. (صمت قصير) ما هذا؟ (يشير إلى الكتاب).
 العاشق:
 
كتاب.
 العاشقة:
 
أعرف أنه كتاب وليس ديناصور، عن ماذا يتحدث؟
 العاشق:
 
عن الطيور.
 العاشقة:
 
ولماذا فتحت الكتاب على صورة هذا الطائر؟
 العاشق:
 
لم انتبه للأمر، وماذا في ذلك أنه مجرد طائر.
 العاشقة:
 
أجل مجرد طائر، لكن أسمه الغراب.. يا له من غراب كالح اللون؟ (ظلام)
 العاشق:
 

 


 

 

المشهد الخامس:

 المنظر نفسه في المشهد الأول.

ويا له من غراب! رغم إنه كان من الورق.
 الجندي 3:
 
لقد بدأ يهذي.
 الجندي 1:
 
جراحه ليست خطيرة، لكنه نزف الكثير من الدماء.
 الجندي 2:
 
هذا النوع من الناس لن يموت بسهولة، فهو ابن فلاحين وعظامه صلبة.
 الجندي 1:
 
من يدري؟ ربما سيموت لهذا السبب بالضبط، إذ أن ملاك الموت قد اعتاد على أبناء الفلاحين كما هي عادته في جميع الحروب.
 الجندي 2:
 
وماذا بخصوص ضيفنا هذا؟ هل رحل هو الآخر؟
 الجندي 1:
 
أوه لقد نسيت أمره، هل قلت بأنه مصاب؟
 الجندي 2:
 
أعتقد ذلك، دعني أرى. (يتفحص المقاتل الذي بدأ بالأنين) إنه مبتل من رأسه إلى قدميه، إنه مصاب في كتفه، هل تنوي مساعدته وتضميده؟
 الجندي 1:
 
نعم، وستساعدني أنت.
 الجندي 2:
 
أنا لا أحب الفلقة يا صديقي. ابحث عن شخص مازوخي آخر من فضلك.
 الجندي 1:
 
لا عليك سيجلدونك ثم ينشرون صورتك في الجرائد كمثال على نبل الأخلاق في جيشنا الباسل؟
 الجندي 2:
 
(يئن ويتأوه) ماء.. ماء.. أعطوني ماء أرجوكم.
 المقاتل:
 
أين هي الزمزمية ؟
 الجندي 1:
 
خذ( يناوله الزمزمية) ها قد بدأت طلباته تنهال. أظنه سيطلب منك بعد قليل أن تأتيه براقصة مصرية.
 الجندي 2:
 
(الجندي 2 يسقي المقاتل الجريح).
 
 
شكراً لك.
 المقاتل:
 
انظر.. إنه يتكلم العربية أيضاً.. سأعطيه سيكارة من أجل هذا.
 الجندي 1:
 
(يضحك)
 الجندي 3:
 
ظننتك قد نمت، لماذا تضحك؟
 الجندي 1:
 
أضحك على شوفينيتك القذرة التي تلازمك في جميع الظروف كألم البواسير. لو لم يتكلم هذا الرجل البائس اللغة العربية لما تكرمت عليه بسيكارة.
 الجندي 3:
 
آه يا صديقي، كم أتمنى الآن لو كنت شوفينياً قذراً. لو كنت كذلك لما وجدتني هنا. أنت تعرف أين هم الآن أولئك الشوفينيون القذرون، وعلى أيّ فراش وثير ينامون.
 الجندي 1:
 
كف عن الثرثرة وتعال ساعدني.
 الجندي 2:
 
توجد بعض الضمادات الطبية في حقيبتي، أما الأدوية فقد استعملناها بالأمس. خذها وضمد زميلك ثم ضمدني أنا.
 المقاتل:
 
هذا إذا كانت لم تبتل  بعد. يبدو أن للمثاليات بعض الفوائد أحياناً. (يفتح الحقيبة ويخرج منها اللفائف) لم تبتل لحسن الحظ، إنها مغلفة بالنايلون، هيا تحرك أيها السيد ودعنا نضمدك.
 الجندي 1:
 
لا ضمدا زميلكما أولاً.
 المقاتل:
 
سنفعل ذلك فيما بعد.
 الجندي 2:
 
قلت لكما لا، جراحي بسيطة.
 المقاتل:
 
لا تضع الوقت، إنه مصر على ذلك.
 الجندي 1:
 
(أثناء انهماك الجندي 1 و 2 بتضميد الجندي 3 يدور الحوار التالي بين الجريحين).
 
 
ما اسمك؟ (صمت)
 الجندي 3:
 
(ملتفتاً إلى المقاتل) إنه يسألك عن أسمك، ها قد أصبحتما صديقين.
 الجندي 1:
 
وهل لاسمي أية أهمية؟
 المقاتل:
 
 في هذا معك حق. هل أنت متزوج؟
 الجندي 3:
 
نعم، وأنت؟
 المقاتل:
 
كدت أقع في هذه الورطة لولا صديقتنا الحرب فقد جعلتني أكتفي بالخطوبة. وماذا كنت تفعل؟ أقصد ما هي مهنتك؟
 الجندي 3:
 
معلم.
 المقاتل:
 
في الابتدائية؟
 الجندي 3:
 
لا، في الثانوية. هل فقدت أحداً في الحرب؟
 المقاتل:
 
كان عندي أربعة أخوة وأخت واحدة، فَرَّ اثنان من أخوتي إلى خارج الوطن قبل أن تبدأ هذه الحرب، وبعد أن خاضا حربهما الخاصة وكادا أن يدمنا على الجلد و التعذيب بالكهرباء في المعتقلات، وقتل الآخران في السنة الماضية. (صمت) وأنت؟ هل فقدت أحداً؟
 الجندي 3:
 
زوجتي وأحد أطفالي.
 المقاتل:
 
(وينتبه الجميع إليه)
 
 
ماذا حدث لهما( صمت) تكلم.
 الجندي 3:
 
قتلا.
 المقاتل:
 
كيف؟
 الجندي 3:
 
كانت في طريقها إلى البيت. (صمت)
 المقاتل:
 
تكلم.
 الجندي 3:
 
كانت قد عادت بالصغير من المدرسة، ثم.. ثم..
 المقاتل:
 
(يصرخ) تكلم، تكلم، تكلم أقول لك.
 الجندي 3:
 
 طائراتكم وصواريخكم  هي التي تكلمت…

(ظلام)
 المقاتل:
 

 


 

 

المشهد السادس:

هدير طائرات مقاتلة، انفجار عنيف، انفجار آخر، صمت يدوم لدقائق، لغط وأصوات بشرية، ينفرج الستار ببطء، آثار الدمار والقصف واضحة، أشلاء متناثرة بين الأنقاض، عدد من الرجال والنساء بينهم عدد من رجال الدين يبحثون بين الأنقاض، يدخل الأب مذهولاً، يبحث في الركام الأسود، يقترب منه أحد رجال الدين ويمسك بذراعه.

تشجع وقل لا إله إلا الله.. رأيتها مرت من هنا قبل قليل.
 رجل الدين:
 
والطفل؟
 الأب:
 
قل لا إله إلا الله، كان معها.
 رجل الدين:
 
لكني لا أرى شيئاً، لا أرى شيئاً، أين هما؟ (يتخلص من قبضة رجل الدين ويواصل البحث) أين؟.. أين هما؟ لا أرى شيئاً. آه هذه فردة من حذائها الأصفر، وبعد؟ وبعد ؟ ألم يتبقَ  منها شيء؟
 الأب:
 
قل لا إله إلا الله. إنهما شهيدان يا ولدي.. سوف يكافئهما الله بالجنة.
 رجل الدين:
 
بالجنة، نعم أعرف هذا، ولكن أين طفلي؟ كان هنا قبل دقائق. أين هو الآن. انظر (ينتشل حقيبة مدرسية زرقاء ملطخة بالدماء والرماد  من الركام) انظر هذه هي حقيبته، أنا أعرفها، هذه هي حقيبة ولدي الزرقاء. نعم زرقاء، ولكن أين هو الآن؟ في الجنة، أعرف ولكن على الأطفال أن يذهبوا إلى المدرسة أولاً، أليس مكان الأطفال هو المدرسة؟
 الأب:
 
استغفر الله يا رجل. قل لا حول إلا بالله. قلنا لك بأنهما شهيدان.
 رجل الدين:
 
دعك من هذا الكافر، إنه لا يصدق ما تقول، دعه وشأنه، يا له من منافق!
 رجل دين آخر:
 
مسكين، لقد جُنَّ.
 امرأة
 
لا حول ولا قوة إلا بالله.
 رجل:
 
مَنْ؟ أنا منافق؟ لن أراهما إذن، لن أذهب إلى الجنة مثلهما، وهذا كل ما تبقى لي (رافعاً الحقيبة وفردة الحذاء المحترقة) أهذا كل ما تبقى لي؟ حقيبة زرقاء، زرقاء، وهو ذهب إلى الجنة، أمه ذهبت معه، وهذه الحقيبة لماذا لم تحترق؟ إن عليها رائحته ودمه، عائد من المدرسة، ألا تصدقون؟ هل أنا منافق؟

زرقاء أقول لكم زرقاء.. زرقاء..
 الأب:
 
لا حول ولا قوة إلا بالله.
 رجل:
 
استغفر الله العظيم.
 رجل آخر:
 
(راكعاً على ركبتيه) إلهي، أنا لست منافق، إلهي، أنا استغفرك، ولكن يا إلهي لماذا تخلق الأطفال إذا كانوا سيحترقون ولما يتجاوزوا الخامسة ؟
 الأب:
 
اخرس أيها الأحمق، استغفرك يا إلهي، اللهم لا تؤاخذانا، بما فعل السفهاء منا!
 رجل الدين 2:
 
اللهم ارزقنا الشهادة، لا حول ولا قوة إلا بالله . اللهم احرق المجرم بنارك.
 رجل الدين؟:
 
المجرم نعم المجرم، اللهم ساعدني على إحراق المجرم، أين هو المجرم، أين؟
 الأب:
 
أنه هناك.. هناك، المجرم الذي أحرق زوجتك وطفلك هناك، اذهب غربا وانتقم، انتقم.
 رجل الدين 2:
 
(ناظراً إلى الجنوب) أنت أيها المجرم.. أيها القابع تحت سقوف الأسمنت المحضة، أنت يا قاتل الأطفال والنساء.. أنا قادم.. قادم.. لن أرحم أحداً بعد الآن، سأعرف كيف أنتقم ولئن اعترضني جندك فسوف أمزقهم، سأحرق كل من يقف في طريقي. هل تسمعني أيها القاتل؟ هل تسمع؟ أنا قادم، قادم ، قادم.. (ظلام)
 الأب:
 

 


 

 

المشهد السابع:

( المنظر نفسه في المشهد الأول، الجنديان 1 و 2 يشرعان بتضميد المقاتل).

هل تعرف أين نحن الآن؟
 الجندي 1:
 
لا.
 المقاتل:
 
هل جئت من منطقة قواتكم؟
 الجندي 1:
 
لا، لقد وقع الهجوم الرئيسي إلى الشمال، وما وصلكم منه إلا الشظايا.
 المقاتل:
 
لكنكَ جئت من جهة الشمال على ما أعتقد.
 الجندي 1:
 
كنتُ في زورق مع أربعة رجال آخرين حين هاجمتنا طائرة، لم ينجو أحد سواي.
 المقاتل:
 
زورق؟ هل يوجد نهر قريب من هنا؟
 الجندي 2:
 
لا، كنا في محاولة لعبور الهور، الأهوار قريبة من هنا.
 المقاتل:
 
إذن فنحن في منطقة قواتنا.. هل تعرف من تقدم؟
 الجندي 1:
 
وهل هذه الحرب كسائر الحروب ؟ أنتم تعرفون هذه الأشياء أفضل مني، فأنا لست جندياً نظامياً. ولكننا نسمع في كل هجوم أن جماعتنا تقدموا عدة كيلومترات جديدة.
 المقاتل:
 
فيرد عليهم جماعتنا برقم طوله عدة كيلو مترات كعدد لقتلاهم، اللعنة لقد تكرر هذا الأمر حتى الغثيان. ومن يدري ربما كانت الطائرة التي هاجمتكم واحدة من طائراتكم.
 الجندي 3:
 
لا أعتقد.. لِمَ لا؟ ربما..
 المقاتل:
 
(صوت عواء ذئب)
 
 
هل هذا ذئب؟
 المقاتل:
 
لم أسمع شيئاً.
 الجندي 1:
 
ولا أنا.
 الجندي 2:
 
بلى، أنا سمعته إنه ذئب.
 الجندي 3:
 
يا إلهي كم هو مخيف!
 المقاتل:
 
يقال بأنه يشم دماء الإنسان من مسافة بعيدة.
 الجندي 3:
 
(صوت الذئب ثانية).
 
 
هل سمعتموه؟
 المقاتل:
 
نعم إنه ذئب.
 الجندي 1:
 
لماذا لم تسمعاه في المرة الأولى؟
 الجندي 3:
 
لا تخف معنا أسلحة كثيرة.
 الجندي 2:
 
أنا لست خائفاً، لكن صوته غريب. سبق لي أن سمعت ذئباً لكنه لا يشبه هذا. إن صوته أشبه بصوت مطربة سمينة، صوت مترهل، ثقيل، لا عمق فيه ولا ظلال.
 الجندي 3:
 
يا لها من سنوات خير على الذئاب.
 الجندي 2:
 
لقد تكرشت الذئاب حتى فقدت صوتها القديم. (إلى الجنديين) ألم تنتهيا بعد.
 المقاتل:
 
انتهينا ، لكن يبدو أن هناك شظية صغيرة  في كتفك. سوف نحاول إخراجها فيما بعد.

(إلى الجندي 3) وأنت هل تشعر بتحسن؟
 الجندي 2:
 
جسمي كله يؤلمني، كأنه مليء بالديدان.
 الجندي 3:
 
لماذا لا نفتح حقيبة الضابط؟ ربما وجدنا فيها شيئاً.
 الجندي 1:
 
أي شيء؟ قد تكون تحولت إلى رماد.
 الجندي 2:
 
سأذهب لأرى. (يتجه إلى السيارة).
 الجندي 1:
 
معي علبة سجائر لكنها مبللة.. أوه يا إلهي ما أجمل أن يموت الإنسان على فراس دافئ ونظيف؟
 المقاتل:
 
كانوا يموتون هكذا يا صاحبي عندما كانوا متخلفين ووحوش، وعندما تطوروا كثيراً وعمَّرَ الإيمان بالرسالات السماوية قلوبهم أصبحوا يتذابحون في الوحل البارد.. (يمد يده إلى الجندي 2 ) خذ أعطه هذه السيجارة.
 الجندي 3:
 
(يتناول السيجارة منه) خذ دخن واترك لي منها شيئاً. لا تنسى أن تغطي جمرتها بكفيك فقد يأتي من يصطادنا من أصدقائك أو.. أو من أصدقائنا.
 
 
(يعود الجندي 1 حاملاً قنينة ويسكي ومذياع صغير).
 
 
ماذا وجدت؟
 الجندي 2:
 
كنز حقيقي. تصوروا؟ زجاجة ويسكي ومذياع. أليست هذه معجزة القرن العشرين؟
 الجندي 1:
 
ليست المعجزات حكراً على الأنبياء إذن. حتى الكلاب أو ما يسمونهم في الجرائد الجنود صارت لهم معجزاتهم.
 الجندي 3:
 
وماذا وجدت أيضاً؟
 الجندي 2:
 
وماذا تريد أكثر من هذا؟ شواء؟!
 الجندي 1:
 
على فكرة، حتى الشواء متوفر وبكثرة، انظر إلى ضابطك المحترم، لقد تحول إلى شواء بلمح البصر.
 الجندي 3:
 
لا تتكلم هكذا عن  الموتى. قليلا من الاحترام.
 الجندي 1:
 
للموتى حرمة يحسدهم عليها الأحياء.
 الجندي 3:
 
لا أدري لماذا لم ينزل من السيارة عندما هوجمنا. ربما كان يعتقد أن من الأسلم له البقاء فيها.
 الجندي 2:
 
أسكت، لا تتكلم عن الموتى يقول لك. إنه يظنه ميتا كسائر الموتى، إن عقيدك الراحل، أعني كتلة اللحم المتفحم تلك، رغم كل نجوم الكتفين التي تزينها، رغم لقب قائد كتيبة مدرعات، عاد إنساناً عادياً قبل الموت بثوان، قبل الموت بثوان فقط، حين أيقنّ للمرة الأولى في حياته بأنه سيموت، لقد نسي كل شيء: عمره الذي بذره بين القرى الجبلية التي دكها بالأرض، ومجده العسكري الذي شيَّدَهُ  على جماجم النساء والأطفال والشيوخ، مجده الكالح الذي فاجأ به حتى قادته قبل سنوات هنا على هذه الأرض، حيث هزم بكل ما لديه من مدرعات وبرمائيات حفنة من الشباب الذين وضعوا أيديهم على الجرح للمرة الأولى في تاريخ المجزرة التي بدأت مع قابيل وهابيل. أجل لقد نسي كل هذا وتذكر اسم تلك الأنثى. ما أسمها؟ ها ؟ ماذا كان يصرخ؟ سميرة، أليس كذلك؟ هل سمعتماه؟ هل سمعتماه كيف كان يصرخ باسمها قبل أن يتفحم؟
 الجندي 2:
 
من هي سميرة تلك؟ وما الذي جعلك تتذكر اسمها بهذه السهولة؟
 الجندي 1:
 
يا لها من أسئلة تلك التي تطرحها يا أخي ! سميرة وكفى، مجرد أنثى قد تكون ابنته أو زوجته أو أمه.
 الجندي 3:
 
لماذا أنت غاضب؟ خذ، خذ وأشرب. ذق ويسكي الضباط قبل أن تلتحق بجهنم.
 الجندي 1:
 
(زاعقاً بقوة) لا تقل هذا، لا تقل هذا، هل سمعت؟ لقد عدتُ طفلاً أنا الآخر وقابلاً لتصديق كل ما يقال. أعرف أن جراحي ليست خطيرة، لكني قد أموت لسبب آخر. الرعب. ما رأيكم بالرعب؟ أليس الرعب سبباً وجيهاً للموت؟
 الجندي 3:
 
(يأخذ الزجاجة من الجندي 1 ويقدمها للجندي 3 ) خذ أشرب، سيخفف هذا آلامك.
 الجندي 2:
 
لا تقل آلامك بل قل أوجاعك. الآلام لن تخفف من وطأتها إلا رصاصة بين الحاجبين. هات.
 الجندي 3:
 
اسمعوا لدي فكرة.
 الجندي 1:
 
ماذا؟
 الجندي 2:
 
رأيت في أحد أفلام  الكاوبوي أنهم يطهرون ويعقمون الجراح بالويسكي، ما رأيكم؟
 الجندي 1:
 
لم لا ؟ أليس الويسكي كحولاً؟
 الجندي 2:
 
أعطني لأشرب أولاً.
 الجندي 1:
 
دعني أشرب نخباً خاصاً، (صارخاً) لأشرب أنا الكلب الراحل المرقم (31276) نخب أصدقائي الكلاب، في صحتكم يا كلاب القرى، في صحتكم يا كلاب المدن التي بدأت تتساقط، في صحتكم ولتحل اللعنة بالذئاب كل الذئاب؟ (يشرب).
 الجندي 3:
 
(الجندي 2 يأخذ المذياع من الجندي 1، والآخر يتناول الزجاجة من الجندي 3 ويشرب بصمت. الجندي يحاول العثور على صوت واضح في المذياع. أصوات غريبة وحادة تارة وعاطفية تارة أخرى. تسمع أغانٍ رخيصة لمطربات ومطربين تجاريين، صوت أطفال يلعبون. تلاوة قرآنية. عزف راقص. رضيع يبكي بصوت حاد.  حمار ينهق يضحك الجميع. صوت امرأة تزغرد..

صوت المذيع: هذه هي أم الشهيد البطل (المرأة تزغرد)

 صوت المذيع: هذه هي الأم البطلة، الأم الفخورة بأولادها الشهداء ( المرأة تزغرد ) صوت المذيع: هذا هو صوت أم الشهداء التي زفت أولادها إلى العرس، عرس الشهادة، فداء لتراب الوطن المقدس. المرأة تزغرد لفترة طويلة حتى ينطفئ الضوء على المسرح الأوسط ثم يتحول إلى صرخة عميقة مدوية حين يزاح الستار الأيسر).
 
 

 


 

 

المشهد الثامن:

امرأة تجلس على الأرض وهي تحتضن تابوتاً، رجل ينحني عليها محاولاً تهدئتها. إلى اليمين يقف جندي يجفف دموعه بمنديل رمادي واسع. يستمر بكاء المرأة وعويلها، تستمر محاولات الرجل لإسكاتها.

كفى.. كفى قلت لك، كفى.. أتوسل إليك.. لا يجوز هذا، لا يحوز. ممنوع، هل تفهمين ما معنى ممنوع؟.. كفى.. كفى.. قلت لك ممنوع.. أتوسل إليك.. اسكتي.. اسكتي يا أختي أرجوك.. اسمعيني أرجوك.. أنهم قادمون، قادمون بكاميراتهم وكلابهم.. كوني شجاعة، كفى، أتوسل إليك، سوف يقتلونني إن شاهدوك تبكين هكذا..
 الرجل:
 
(المرأة تستمر بالبكاء والعويل.. ظلام.. صوت امرأة تزغرد.. ضوء على المسرح الأيسر.. المرأة تصرخ صرخة مدوية..).
 
 
يا إلهي.. يا إلهي.. ماذا أفعل الآن؟ أقول لك كفى، سوف يقتلونني.. يا إلهي لكنها أم، وهذا ثالث تابوت يصلها. يا إلهي لماذا تعاقبنا هكذا؟ لماذا؟ (يمسك بذراعي المرأة) اسمعني جيداً. سوف يأتون.. فإن شاهدوك تبكين فسوف يقتلونني. كفى إذن، أنا لا أريد أن أموت. اسمعي، إذا لم تكفي عن البكاء فسوف أقتلك، أقتلك هل تسمعين؟ نعم سأقتلك لو كان زوجك حياً وفي مكاني هذا لقتلك.. كفى هل تسمعين؟
 الرجل:
 
(تنهض المرأة مرتعشة، تنظر إلى السماء نظرة قاسية وحشية، ثم تهرول إلى أعماق المسرح يهمس الرجل بشيء إلى الجندي، يغير الاثنان موضع التابوت، التابوت يصبح بمواجهة النظارة. المرأة تطلق صرخة مدوية يهرع الرجل إلى أعماق المسرح، يعود ومعه المرأة التي مدت كفيها إلى أمام، كفاها أسودان يتصاعد منهما الدخان. يهرع الجندي لمساعدة الرجل.)
 
 
ماذا حدث؟
 الجندي:
 
(تدخل مجموعة من الصحافيين ورجال الشرطة).
 
 
ماذا حدث؟ ما بها؟ لماذا تعوي هكذا؟ لماذا سمحت لها بالبكاء؟ ألم تُبلغ بالتعليمات أيها الكلب الأجرب؟
 الشرطي:
 
نعم.. نعم يا سيدي. لكنها.. لكنها دست يديها في التنور سهواً. نعم سهواً، فاحترقا. انظر أنا لا أكذب، انظروا إلى كفيها..) (ظلام)
 الرجل:
 

 


 

 

المشهد التاسع:

يضاء المسرح الأوسط. الجندي 1 و 2 يطهران جروح زميلهما بالمشروب الكحولي. وخلال ذلك يغني الجندي 3 أغنية فيروز "نحن والقمر جيران".

(يغني) نحن  والذئب جيران.
 الجندي 3:
 
(يستمر الجندي (3) بالغناء فيما يقوم الجنديان 1 و 2 بمعالجة جروحه ينتهيان من ذلك بعد دقيقة ).
 
 
وأنت هل تريد أن نعقم لك جراحك؟
 الجندي 1:
 
لا.. شكراً لك، فأنا على أية حال لست كافراً.
 المقاتل:
 
ماذا تقصد؟ هذه المرة الثانية التي تؤكد فيها أفكارك القاتلة. هل تعتقد حقاً بأن الجميع كفرة وملحدون وأنتم المؤمنون الوحيدون على وجه الأرض؟
 الجندي 2:
 
الأمور واضحة، وليست بحاجة إلى أية تأكيدات. ثم هل تناول المسكرات حلال ؟
 المقاتل:
 
أنا شخصياً لا أصدق بأن حجم الخطيئة في تناول كأس من الخمر يساوي حجم الجريمة في سفك كل هذه الأنهار من الدم البشري . هل تستطيع أن تقول لي ما هو الامتياز الذي يعطي الحق لهذا الطرف أو ذاك إنْ كان الطرفان المتذابحان يدعيان الإيمان برسالة سماوية واحدة؟ أيها الأخ لا تصدق بأن اليهود أو الهندوس  مثلاً يعتبرون أنفسهم كفرة بمواجهة المسلمين أو المسيحيين، إنهم وفق منطقهم هم المؤمنون وكل المليارات الأخرى من البشر أشرار وكفرة وأن عليهم أن يقاتلوهم ويطهروا الأرض منهم، وها قد شاهد العالم أساليبهم التطهيرية هذه في صبرا وشاتيلا. إنه ذات المنطق بالنسبة للجميع وحتى أصغر قبيلة في إفريقيا تعتبر أن إيمانها هو الوحيد الحق، وكل فرد في هذه القبيلة لديه الاستعداد للموت في سبيل عقيدته بذات الحماس الذي يتحول مع سفك المزيد من الدم البشري إلى سعار مدمر.
 الجندي 2:
 
هذه هي طريقة الغرب في التفكير، أ تنسى ما يمتاز به ديننا؟ وكيف يمكن لك أن تساوي بينه وبين الأديان الأخرى؟
 المقاتل:
 
الجميع يقولون هذا. وهنا يختلط الأمر وحتى العلم يغدو عاجزاً عن الحكم لأنه سيتهم بالانحياز إلى الإلحاد، ماذا يبقى لنا؟ الأخلاق؟ الرؤية الأخلاقية؟ أنا لا أقصد التصنيفات الأخلاقية العادية، بل تلك التي تصلح لتكون قوانين حياتية كتغليب الحياة على الموت، تقديس العمل والفرح الإنساني، الربط الحكيم بين حياة الإنسان، بين حقه المطلق في الحياة و الحرية والإيمان . هل تساوي كل عقائد الجنس البشري عذاب طفلٍ  واحدٍ مزقته  قنبلة النابالم؟
 الجندي 2:
 
وأين هو الجانب الأخلاقي في دفاعك عمن يطلق قنابل النابالم على الأطفال؟
 المقاتل:
 
أولاً أنا لا أدفع عن القاتل، وسترى بعد حين التفسير العملي لموقفي هذا. لكن اسمح لي أن أسألك بدوري عن الجانب الأخلاقي في منطقك حين أطلقت النار على أسير.
 الجندي 2:
 
لم أفعل.. بل.. على كل حال، هذه هي الحرب..
 المقاتل:
 
بل فعلت، ولو لم تكن بندقيتك فارغة من الرصاص بمحض الصدفة لقتلت إنساناً رفع يديه استسلاماً لأنه كان أعزلَ وجريحا .
 الجندي 2:
 
في الحروب يحدث الغريب والعجيب من الأمور.. ولكنك تحاول أن تتناسى المشكلة الرئيسية. هل نسيت بأننا الطرف المعتدى عليه؟
 المقاتل:
 
لكنكم و منذ عامين أصبحتم غزاة تحتلون أراضِ الغير. ثم لا تنسَ، لا تنسَ بأنك الآن أسير.
 الجندي 1:
 
لتكن فرصتي الأخيرة إذن. لقد اتخذت قراري النهائي، وسوف أقول لك ما لم أقله لأحد من قبل. أولاً أنا لا أدافع عن أي طرف في هذه المجزرة. لقد وجدت نفسي فيها لسبب واحد وهو إنني حي، وثانياً أنا أرى إن هذه الحرب ليست سوى محرقة لشعبين جارين وفيها من القذارة والخداع بقدر ما فيها من الأوهام الطائفية والشوفينية، وأخيراً فإن جريمة إشعال فتيلها تعادل  جريمة الإصرار على استمرارها.
 الجندي 2:
 
هيه، أنت، تلمسْ رأسك أيها الأخ! ما هذا الكلام؟ هل حدث لك شيء؟
 الجندي 1:
 
نعم لقد حدث لي شيء، بل قُلْ أشياء ولكن ليس الآن. ثم أنها أغنيتي الأخيرة؟
 الجندي 2:
 
أنت تغامر برأسك أيها الأحمق.
 الجندي 3:
 
كلا، فالرجل لا يستطيع أن يغامر بما ليس له. رؤوسنا ليست لنا، لقد جعلوها مجرد كرات يكسوها الشعر ومثبتة على الكتفين، مهمتها الوحيدة هي أن تكون هدفاً جيداً يستقبل الرصاص.
 الجندي 2:
 
أرى أنك تفكر بالاستسلام لهم.
 الجندي 1:
 
كلا، فهذا حلٌّ جبان ولا إنساني.
 الجندي 2:
 
ماذا عندك أيها الساحر غير ذلك؟
 الجندي 1:
 
عندي أهوار واسعة وغامضة، ألم يقل هذا الرجل أن الأهوار قريبة من هنا، سأذهب إلى هناك وأحاول أن أستعيد رأسي من جديد.
 الجندي 2:
 
أنت حر، ولكنك تخطيء إن ظننت بأننا نصر على استمرار الحرب لكي ننهيها باستعمار شعبكم نحن لا نريد لكم إلا الخير.
 المقاتل:
 
قال خير قال؟
 الجندي 3:
 
وأي خير هذا الذي يحده من الشمال نظام سلفي متحجر ومن الجنوب حروب أهلية طائفية ووطن مقسم إلى إمارات ؟ لا، أيها الأخ، لا، شعبنا لا يريد خيراً كهذا، وهو وحده صاحب الحق في اختيار الخير الذي يريد، ولتعلموا بأن شعبنا الذي يطحنه العسكر والعصابات الحزبية  في حرب أهلية مستترة منذ عشرين عاماً سيعرف كيف يضمد جراحاته ويصنع بيديه البديل الذي يراه.
 الجندي 2:
 
حين كانت قرانا ومدننا تسحق بلا رحمة وشعبنا يباد بشراسة ووحشية كان الجميع صامتين وكأن على رؤوسهم الطير، والآن وحين بدا أن المجرم على وشك أن يسدد الحساب رفعت الشعارات الداعية للسلام وبدأ الجميع يثرثرون عن حسن الجوار وروح التسامح.
 المقاتل:
 
لم يسكت الجميع حين بدأت الحرب، وقد صاح جميع الشرفاء بأنها مجزرة مدبرة، غير أن الأمر مختلف الآن.. دباباتكم هي التي تدوس قرانا ومدننا ولقد حولتم مدينة البصرة الى ركاما فوق رؤوس أهاليها ، و ها أنتم تصرحون علناً بأن هدفكم الأخير هو إنشاء نظام حكم مثل نظامكم، إنكم تريدون مصادرة إرادة شعبنا التي زورها الجلاد..
 الجندي 2:
 
وما الذي فعله شعبكم لكي يطيح بهذا الجلاد، إنه صامت يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه.
 المقاتل:
 
وكم عاماً سكت شعبكم على جلاديه ؟ هل كان هذا يعني أنه كان راضياً وسعيداً بذلك التاج الشاهنشاهي ؟
 الجندي 2:
 
ولكنه انتفض بثورة عارمة بعد ذلك وأطاح بالجلاد.. إن الثورات يا صديقي لا تحدث بالضغط على أزرار سحرية، وقد لا تحدث مهما كان حجم التحريض والتدخل الخارجي.
 
 
لسنا غزاة بل أصحاب قضية عادلة.
 المقاتل:
 
القضايا العادلة والصحيحة تاريخياً تستمد قوتها من صحتها ذاتها ومن مقدار انسجامها مع التاريخ لا ضده، ثم ما هي المساعدات التي قدمها نظامكم لمن يمثل طلائع هذا الشعب؟
 الجندي 2:
 
أيُّ طلائع تعني؟ أولئك الذين فروا بكتبهم وجوازاتهم إلى المنافي؟ إن من يريد أن يفعل شيئاً لا يهرب ويترك الميدان.
 المقاتل:
 
إذن فالنفي في نظركم جريمة لا تغتفر، حسناً؟ لكن قائدكم الأكبر ظل منفياً  لأكثر من عشرة أعوام في الخارج ، وبالضبط في كنف من كان وما زال يذبح شبابنا. ثم أن أعدادا كبيرة من أبناء شعبنا الذين نجوا من الجحيم عادوا إلى وطنهم مسلحين، وهم الآن يقفون على الجبال بشموخ .
 الجندي 2:
 
(ساخراً) في هذا معك حق، إنهم يقفون على الجبال بشموخ، هذا صحيح تماماً.
 المقاتل:
 
إنك تسخر أليس كذلك ؟ حسناً، لو أن نظامكم أبدى لهؤلاء شيئاً من العون لو أنه تركهم على الأقل يتصلون بأهلنا من المهجرين والأسرى. لكان لك حق في أن تسخر، لكنه على العكس من ذلك صنع له بديلاً جاهزاً وعلى مزاجه الخاص.
 الجندي 2:
 
(صوت طائرة مروحية)
 
 
كفى.. كفى هذه طائرة، يا إلهي ماذا سنفعل؟.. نحن لا نعرف حتى هوية هؤلاء القادمين، ماذا سنفعل الآن؟
 الجندي 1:
 
ماذا تبقى لدينا من أسلحة؟
 الجندي 2:
 
ماذا هل سنتصدى لها؟ لكنها قد تكون واحدة من طائراتنا.
 الجندي 1:
 
سندافع عن أنفسنا حتى ولو كانت من طائراتنا لأنه حين سينتبه إلى وجودنا سيطلق علينا النار ولن ينتظر لكي نعرفه على أنفسنا، ماذا عندنا من السلاح؟
 الجندي 2:
 
ثلاث بنادق.
 الجندي 1:
 
والعتاد؟
 الجندي 2:
 
وجدنا مع الأسير قذيفتي أنيرجا، وعندنا خمس علب رصاص.
 الجندي 1:
 
(الصوت يقترب)
 
 
حسنٌ؟ اذهب أنت إلى الشمال وتسلح بالقذيفتين، وأنا سأتجه جنوبا ، اترك هنا بندقية مع الجريح، لن نكون البادئين بإطلاق النار، أما إذا اكتشفنا وأطلق علينا النار فسوف أشاغله أنا بالرصاص واترك لك فرصة اقتناصه بالقذيفة، هل فهمت؟
 الجندي 2:
 
(يناول إحدى البنادق إلى زميله الجريح) نعم فهمت. (صوت الطائرة يقترب أكثر. يخرج الجنديان من المسرح.. ظلام صوت الطائرة يعم المسرح).
 الجندي 1:
 


 

 

المشهد العاشر:

يتكون هذا المشهد من مجموعة من اللقطات السريعة والتي تشكل بمجموعها خلاصة لكل المشاهد الرئيسية التي سبق عرضها، لهذا سيجد المخرج نفسه مرغماً على البحث عن أساليب خاصة لأداء هذا المشهد كأن يستعمل الشفافات (السلايدات) حيث تعرض على ستارتين ثبتتا على جانبي المسرح الأوسط، أو قد يلجأ إلى تنفيذ هذه اللقطات بالتمثيل الإيمائي..

1- صوت الطائرة يعم المسرح.. زخة طويلة من الرصاص تطلقها الطائرة، الجندي 3 يصوب بندقيته وهو مضطجع على ظهره إلى الطائرة.. (ظلام)

2- يضاء المسرح الأيسر لقطة من المشهد الثاني حيث الشاب معلق إلى الفلقة والجلاد ينهال عليه بالضرب.. (ظلام على المسرح الأيسر).

3- الضوء شحيح جداً على المسرح الأوسط، الجندي 3 يطلق النار على الطائرة. (ظلام)

4- ضوء على المسرح الأيمن، لقطة من المشهد الرابع الشاب والفتاة يتكلمان ثم ينتبه الشاب إلى الكتاب الذي تحمله الفتاة. يشير إليه متسائلاً . (ظلام)

5- على المسرح الأوسط زخة رصاص والجندي 3 ساقطاً على الأرض بدون حراك.

6- ضوء على المسرح الأيسر لقطة من المشهد الثامن: الأم تحتضن التابوت. يداها سوداوان.

7- على المسرح الأوسط المقاتل يزحف باتجاه جثة الجندي 3 يأخذ من يديه البندقية ويتصدى للطائرة.

8- على المسرح الأيمن لقطة من المشهد السادس الأب يرفع الحقيبة المدرسية والحذاء إلى السماء.

9- على المسرح الأوسط تسمع زخة رصاص يسقط المقاتل أرضاً.

يبتعد هدير الطائرة قليلاً. تسمع زخات رصاص وصوت قذيفة يليها انفجار هائل. يختفي صوت الطائرة.

(يعود الجندي 1 و 2 إلى المسرح).

هل أسقطتها ؟
 الجندي 1:
 
لا أصدق ذلك، ربما أنت فعلت ذلك.
 الجندي 2:
 
يبدو أنها تحطمت، لا أدري.. دعنا نرى ماذا حدث لهما؟
 الجندي 1:
 
(الجنديان 1 و 2 يتفحصان الجثتين)
 
 
لقد مات.
 الجندي 1:
 
وهذا أيضاً مات.
 الجندي 2:
 
 تلك كانت غلطتنا.
 الجندي 1:
 
كان علينا أن نتصرف هكذا بالضبط.
 الجندي 2:
 
لا أدري أن كان قد بدأ بإطلاق النار على الطائرة.
 الجندي 1:
 
لا لم يحدث هذا، سمعت الرصاص يطلق عليهما من الطائرة، هل ترى هذا المقاتل؟ لقد تصدى هو الآخر لها، انظر إنه ما زال يمسك بالبندقية..
 الجندي 2:
 
لست متأكدا حتى الآن من هوية الطائرة
 الجندي 1:
 
عليك أن لا تتأكد من ذلك في الوقت الحاضر.
 الجندي 2:
 
لماذا؟
 الجندي 1:
 
فكر في الأمر.. أنا راحل على أية حال.
 الجندي 2:
 
هل جننت ؟
 الجندي:
 
ربما.. ما بك؟ هل أنت خائف؟ لماذا لا تأتي معي؟
 الجندي 2:
 
لا.. لا أستطيع.. اذهب أنت.. هيا أسرع.. اذهب قبل أن أطلق عليك النار، لم أعد أهتم لشيء. أنا متعب. الأمر سيان عندي، سواء جاءوا من الغرب أو من الشرق.
 الجندي 1:
 
وداعاً إذن.. أمامك ساعات قليلة وتطلع الشمس، لا تخف من الذئاب بعد الآن.
 الجندي 2:
 
حين تتكرر المعجزة تتحول إلى نكتة سمجة.
 الجندي 1:
 
ماذا تعني؟
 الجندي 2:
 
(مشيراً إلى زجاجة الشارب) ما زالت على قيد الحياة، ( يشرب قليلا ً).
 الجندي 1:
 
هل تبقى معك شيء من العتاد؟
 الجندي 2:
 
لا شيء سوى هذا (مشيراً إلى الزجاجة) خذ واشرب.
 الجندي 1:
 
لا، شكراً.
 الجندي 2:
 
هيا إذن ارحل..
 الجندي 1:
 
سأرحل..
 الجندي 2:
 
انتظر..
 الجندي 1:
 
ماذا؟
 الجندي 2:
 
أنت تعلم أنني أسقطت الطائرة، فلماذا قلت لي لا تفكر بهذا الأمر في الوقت الحاضر؟
 الجندي 1:
 
أ لم تعرف السبب؟
 الجندي 2:
 
أشك في أنني قد أكون على خطأ.. قل أنت لماذا؟
 الجندي 1:
 
لو أنك لم تترك الطيار يهرب لفهمت الأمر بسهولة.
 الجندي 2:
 
أنت أيضاً لم تحاول أن تأسره، أنت أيضاً تركته يهرب.
 الجندي 1:
 
لو كنت في مكانك لفعلت ذات الشيء.. على أية حال علي أن تذهب إلى حطام الطائرة قبل أن يصلوا إلى هنا، فإن جاءوا من الجنوب والطائرة من الشمال.
 الجندي 2:
 
فقل لقد أسقطتها.
 الجندي 1:
 
أما إذا..
 الجندي 2:
 
(صارخاً بقوة) اذهب.. اذهب عليك اللعنة.. اذهب قلت لك.
 الجندي 1:
 
(يقترب الجندي 2 منه ينظر قليلاً في عينيه)
 
 
وداعاً..
 الجندي 2:
 
(إلى الجثتين) وداعاً.. هل سمعت؟ وأنت هل سمعت؟ وداعاً قال لي وداعاً.. حسن.. ساعة أو ساعتان وسنفترق.. لن يؤلمكم ذلك، فأنتم على الأقل تعرفون وجهتكم. أما أنا.. فلا أدري من أين سيأتون.. هل تتذكرون حكاية الغراب.. أو.. لا أدري إن كان غرابا أو طائرا آخر..المهم أنه طائر حاول ذات مرة أن يخدع الثعلب.. لم يخدعه بالضبط بل ها.. تذكرت.. إنه مالك الحزين الذي ساعد الحمامة على التخلص من تهديدات الثعلب بالصعود إليها وافتراسها..وعندها قرر الثعلب.. ما معنى هذا؟.. كنا نتكلم عن الجهة التي سيأتون منها.. أنا الآن أشبه بمالك الحزين.. سأله الثعلب.. يا مالك الحزين.. هل سأله فعلاً هكذا؟
 الجندي 1:
 
لا أدري ربما قالها له مبتسماً.. يا مالك، يا مالك الحزين.. لو كنت أنا في تلك اللحظة مالك الحزين وسمعت الثعلب يناديني هكذا ووجهه يفيض لطفاً وبسمة لأدركت فوراً أن هناك مكيدة ما، ولهربت.. السبب؟ تسألني عن السبب؟ الابتسامة يا صديقي الابتسامة المفاجئة، والتي لا مناسبة لها، تكون دائماً وأبداً مشبوهة.. أشبه بسلة تفاح أحمر رائع المنظر تحوي في قاعها لغم مضاد للدبابات.. يا لها من صورة تفاح ودبابات.. لقد نسينا ماذا كان سؤال السيد الثعلب.. أنا متأكد من أنكم تودون سماع الحكاية.
 الجندي 2:
 
كم أنت ثرثار؟
 صوت:
 
أعرف ذلك.. ولكن ماذا أفعل؟ يجب عليَّ أن أملأ هذا الفراغ الهائل الذي يفصلنا عن شروق الشمس.. نعود إلى سؤال الثعلب.. يا مالك الحزين ماذا ستفعل إذا هاجمتك الريح من يسارك ؟ أجاب مالك الحزين دون أن يفكر جيداً بما يخبئه له القدر.. القدر الذي أصبح اسمه الآن الثعلب.. قال المخدوع، سأدس رأسي تحت جناحي الأيمن.. لست متأكد تماماً من الجناح و هل كان الأيسر أو الأيمن؟ شيء كهذا.. ربما كان الجناح الأيسر لنرَ.
 الجندي 1:
 
(يشير بيده اليمنى ) لنفترض أن الريح جاءت من هنا (يضع رأسه تحت ذراعه الأيسر) إذن فهو الجناح الأيسر.
 
 
كم أنت خائف ؟ تبدو كمن يعتلي مشنقة.
 صوت:
 
خائف (يضحك) طبعاً.. هل في هذا عيب؟ أنك تحسدني على خوفي دون شك، فقد فقدت حتى هذه النعمة، يا لها من نعمة؟ لكن الثعلب طرح سؤالاً آخر.
 الجندي 1:
 
وماذا ستفعل إذا جاءتك الريح عن يمينك؟
 صوت:
 
نعم.. نعم الثعلب.. هذا هو السؤال بالضبط. هذا ما قاله مالك الحزين.
 الجندي 1:
 
لا.. الثعلب.
 الصوت:
 
نعم.. نعم الثعلب.. لقد اختلط عليَّ الأمر.
 الجندي 1:
 
وماذا سنفعل إذا جاءتك الريح من الجهتين؟
 الصوت:
 
أضع رأسي بين جناحي.. هكذا (يغطي رأسه بذراعيه) ( تنهض جثة الضابط).
 الجندي 1:
 
لا.. لم يفعل الغراب ذلك.
 جثة الضابط:
 
أنه ليس غرابا يا سيدي بل مالك الحزين.
 الجندي 1:
 
هل رأيته أنت؟
 جثة الضابط:
 
بصراحة لا يا سيدي.
 الجندي 1:
 
إذن فهو غراب.
 جثة الضابط:
 
معك حق في هذا يا سيدي.. وأنت يا سيدي هل رأيته؟
 الجندي 1:
 
لا، وهنا معك حق..
 جثة الضابط:
 
كيف نستطيع أن نعرف إذن إنْ كان غرابا أو مالك الحزين؟
 الجندي 1:
 
هذه ليست مشكلة كبيرة، أنه غراب بالنسبة لي وهو مالك الحزين بالنسبة لك.
 جثة الضابط:
 
وهل كنت ستأمرنا بإطلاق النار على الطائرة لو كنت حياً في تلك اللحظة؟
 الجندي 1:
 
نعم سأفعل ولكن ليس لتلك الأسباب التي رددها ذلك المشعوذ. ومع ذلك فأنت محظوظ جداً بالقياس إليه.
 جثة الضابط:
 
كيف يا سيدي؟
 الجندي 1:
 
أ لم تسقط أنت تلك الطائرة؟
 جثة الضابط:
 
نعم.. ولكني خائف جداً..
 الجندي 1:
 
خائف أ لم أقل لك بأنك غبي.. حسنٌ.. سترى الآن كم أنت محظوظ. (صارخاً) أيها الحرس.
 جثة الضابط:
 
(تدخل جثة متفحمة أخرى)
 
 
(تؤدي التحية العسكرية) نعم سيدي.
 جثة الحرس:
 
هل أنتم مستعدون؟
 جثة الضابط:
 
نعم سيدي.
 جثة الحرس:
 
لنبدأ إذن..
 جثة الضابط:
 
أمركم سيدي.. (الجثة تؤدي التحية العسكرية وتخرج)
 جثة الحرس:
 
لم أفهم يا سيدي..
 الجندي 1:
 
ستفهم كل شيء الآن.. (الجثة تبحث عن شيء في الحقيبة الملقاة على الأرض تأخذ منها قصاصة ورقية .)

(تدخل جثة الحرس حاملة آنية فضية. تدخل معها ثلاث جثث أخرى مسلحة بالبنادق .)
 جثة الضابط:
 
(تقرأ في الورقة )
 جثة الضابط:
 
نظراً للبطولة الخارقة التي أبداها الجندي المرقم (611243)
 
 
ونظراً للأداء الممتاز الذي قام به في التصدي لطائرة معادية، حيث تمكن من إسقاطها بقذيفة واحدة، فقد قررنا منحه وسام الشجاعة من النوع الممتاز (تتقدم جثة الضابط، تأخذ الوسام من الآنية الفضية وتعلقه على صدر الجندي الذي لم ينزل ذراعيه من على رأسه حتى الآن .)
 
 
(للجثث الأخرى) استعد.
 جثة الضابط:
 
(الجثث تستعد والضابط يقرأ في قصاصة ورق قانية.)
 
 
ثانياً: نظراً لتواطؤ الجندي المرقم (611243) مع العدو حيث ترك الأسير أي قائد الطائرة المعادية  يهرب. ونظراً لأنه ساعد أحد الجنود على الفرار من ساحة المعركة ونظراً لأنه فرط بسلاحه وأتلف بعض المعدات فقد قررت المحكمة العسكرية إدانته والحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص. (صارخاً بالإيعاز العسكري) تنكب سلاح (الجثث تصوب البنادق إلى الجندي 1).
 جثة الضابط:
 
والوسام يا سيدي الوسام؟
 الجندي 1:
 
أي وسام؟ أنا لا أرى شيئاً.
 جثة الضابط:
 
الوسام يا سيدي الوسام.
 الجندي 1:
 
(صارخاً) نار.. (ظلام)
 جثة الضابط:
 

 تضاء القاعة والمسرح يدخل جميع الممثلين ويشرعون بتنظيف المسرح من كل شيء.

الجندي 2 يسحب الستار من الجهتين.

 

- انتهت المسرحية -

 

جنيف 1987

 

ملاحظة: نُشرت هذه المسرحية ضمن كتاب (ثلاث مسرحيات) للمؤلف الذي صدرت منه طبعة محدودة عن دار "ديوان" الفرنسية سنة  1988


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  علاء اللامي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni