... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
بلاغيات الاسلحة في بيروت : سلاح الاعتراض وسلاح الاسلحة وسلاح الدفاع عن السلاح !

وليد الحيدري

تاريخ النشر       19/05/2008 06:00 AM


أغرب ما قرأت من عبارات في وصف سلاح حزب الله وحلفائه الذي اكتسح بيروت الغربية العبارة التي استخدمها المحرر السياسي لصحيفة السفير اللبنانية المعروفة : سلاح الاعتراض !
 ما الذي يستدل من هذه العبارة برأيكم ؟ لكن علينا قبل ذلك ان نضعها في سياقها لكي تتلون بالمعنى . لقد جاءت ضمن جملة استفهامية ، على هذا النحو : "ماذا بعد النزول بسلاح الاعتراض الى الشوارع ؟ "هاهي جملة نحوية مفيدة تتساءل عن السياسة والمستقبل . حقا فالمقالة تقول انه بعد تجربة هذا السلاح الغريب في شوارع بيروت ، أما آن الاوان للسياسيين ان يتبصروا ويتفقوا ؟ حقيقة ان اهداف المقالة نافعة ، ووطنية ، وتدعو للوحدة ، ولا عجب فالسفير صحيفة رصينة ووطنية ووحدوية ولا اريد هنا التشكيك بنياتها . بيد انني احترت بعبارة سلاح الاعتراض ، وقد تخيلته نوعا من الصراخ الانفعالي ، أو عوارض كونكريتية ( اعتراضية ) ، أو ميكروفونات صاخبة استخدمها كادحو حزب الله آذت الاذان الحساسة لاولغارشية آل الحريري الحاكمة وخدمهم من اركان الحكم ، أو لعلها تعني شيئا يقع بين العصيان المدني مثل ذلك الذي تحول الى منشأة (اعتراضية) في مركز بيروت طيلة عامين – وهو ما يحبه الجنرال عون الى حد الضحك ، وبين التلويح بالعصي والاعلام وبعض الاشارات المعيبة التي يجيدها زعران بيروت.
  ولكن .. لا اريد ان اتذاكى على (السفير) بهذا الغباء التكتيكي ، لغة المواربات الالعبانية هذه التي اظن ان السيد المحرر السياسي خبير بها  . لننهي المساخر . فأنا اعرف ما شاهدناه من اسلحة حزب الله ، والعراقي خبير بالسلاح الى حد التباهي و (طيحان الحظ ) ، وأعرف ان "المحرر السياسي" شاهد سلاح حزب الله  يتبختر في الشوارع القريبة من بناية السفير ، بيد ان عبارته اثارتني لانها تسيس السلاح  ، بالاحرى تمنحه شخصية سياسية ، ضمن اهداف الصراع الدائر ، كما انها توفر بلاغة كلامية لاقناع مستخدم السلاح وخصمه بنتيجة سياسية متحققة على الارض  نتيجة استخدام هذا السلاح من اجل استيعابها واستغلالها للوصول الى انفراج الازمة . طبعا وجد "المحرر السياسي" الوسيلة لكي يبدو معقولا بين الاطراف المتصارعة . انه محلل ، ورجل معرفة ، وبسبب أن بضاعته كلامية فهو يدرك ما وراء الصمت ، ما وراء استخدام الكلمات والاسلحة ، من لغة واهداف كأنه هيدغري حتى لو كان لا يعرف هذا ، وسيشير الى دالة موضوعية راحت تتشكل ببطء من خسارة الخاسر وانتصار المنتصر ، وفي ضرب من البداهة البراغماتية يقدم الاقتراح التالي : الان بعد ان استخدم سلاح الاعتراض  كونوا واقعيين حتى لا نذهب الى استخدام سلاح الهجوم ، وتعالوا نشرب الشاي معا . 
سلاح الاعتراض ! من يتأذى من سلاح الاعتراض ؟ يذكرني هذا بسلاح النقد ، ونقد السلاح . مشاكل قديمة لتشبعات العقل التحليلي السياسي من اللغة ، ومن البحث عنها ، ومن الصراع في حقلها ، ومن الاحتيال عليها في لحظة احتيالاتها ، ومن ثم القبض على جملة جاءت من تزاوج انغال ، ولدت حيوانا لاهو اسد ولا قطة ولا كلب ولا فأر ، أي أنه يشبه تماما عبارة سلاح الاعتراض!
تظلل هذه العبارة الخنثى المقالة كلها ،  وهي التي توفر عتبة لقراءة المقالة باسم بداهتها كضرب من نتيجة لا تحتاج الى شك وتحليل ، براءة السياقات الصغيرة التي تبدو مثل عطسة . عنوان بالبنط الكبير يذكرنا بوجود سلاح عملا بمبدأ الخبرالواقعي ثم يغطيه على عجل عملا بأهداف سياسية .  عنوان شارح لا يشرح ، ولا يتكرر في المتن  الا نصفه ( وماذا بعد؟ من دون عبارة سلاح الاعتراض التي ظلت فريدة في العنوان ) وسيتكرر هذا السؤال مثل لازمة بلاغية من تلك التي يحبها طه حسين . وماذا بعد ؟ سؤال للسنيورة . وماذا بعد ؟ سؤال لحزب الله ، ولأمل ، ولوليد جنبلاط .. لجميع القانطين المحاصرين في بيوتهم ، ولهيئة اركان الحرب التي اكتسحت بيروت بسلاح الاعتراض !
عدالة من المحرر السياسي للسفير أن وزع عليهم السؤال نفسه . عدالة الفرص الاخيرة ، عدالة المنتصر بالله السيد سلاح الاعتراض ، عدالة المثقف وتقني الافكار المحرر السياسي للسفير الذي لا تخلو كتابته من الم ، كما لا تخلو من بشارة في تجاوز النفق المظلم للازمة اللبنانية التي طالت .
انني اخشى ان تكون هذه العبارة من قاموس حزب الله البلاغي ولم انتبه اليها ، فلعلي من دون ان آخذ بالحسبان فلسفة الاعارة في الخطابات كانت العبارة قد تسللت  " بلاوعي " الى قلم المحرر السياسي للسفير . اقول هذا لانها من تلك العبارات التي تستخدمها هيئة اركان حرب انهت مهمتها توا وتسعى الى تخفيض التوتر والتهدئة . لعلي مخطئ ، فأنا مهتم بلبنان ولست لبنانيا فتفوتني دائما المراجع الحقيقية للروايات ، مثلما تفوتني بعض ألاعيب اللسان السياسي وبلاغيات هيئات اركان الاحزاب السياسية وتنسيقاتها الاعلامية مع محترفي الديباجات في مدينة تعتبر مؤسسة للاعلام العربي الحر . بيد انني من جهة اخرى منتبه الى الادب السياسي لحزب الله ، ولتفوهات زعيمه البلاغية ، فقد اعتاد استخدام عبارات لكل منها وظيفتها ومناسباتها ووضوحها وظلالها التعبيرية ، ولاسيما فيما يتعلق بالسلاح والمعاني المتعالقة به . إننا نعرف جيدا عبارة (سلاح المقاومة) التي باتت من العبارات الشائعة ، فهي معممة على الجميع ، مسيسة لكن بوجهة محددة ، بل انها باتت من المسلمات حتى لاولئك الذين يريدون اعادة تعريفها والتأكد من وجهتها وضمها داخل تركيب اكبر ، ما اغضب المنتفعين الحقيقيين منها . إن حرب العبارات هي اكثر الحروب خداعا . وثمة هنا في العراق من يرمي صواريخ وقنابر وقذائف ملائكية على رؤوس الناس الآمنين متكلين على تعزيمات يراد منها ان تسقط على رؤوس الامريكان . وثمة من يريد الاحتفاظ بالسلاح للدفاع عن النفس فإذا به يختار ، من بين كل الاسلحة ، صواريخ 200 ملم الآتية من بازار نجادي . اختيار السلاح يصبح مجرد تقييم شخصي في غياب الدولة او في تحجيم دورها ، وما دام الامر يعود الى النية فليعذر الزرقاوي والتعذر المليشيات كلها التي ذبحت وقتلت وشردت وسرقت واعتدت على النساء باسم الاسلام والمقاومة. من الواضح وجود حساسين من الاسلحة اكثر من اللازم . بيد ان علينا ان نعذرهم مع المعذورين الاخرين بسبب نياتهم . اليس للحساسين نيات ، اليس للطبقة الوسطى القديمة حساسية مزعجة من الاسلحة؟ اعترف انني انا منهم وأعرف السهولة التي تصاب فيها هذه الطبقة بالرشح كلما شهر شقي سلاحه . لقد رأيتهم بأم عيني يغلقون ابواب بيوتهم امام غزوات فرسان ما قبل الدولة الذين احرقوا وقتلوا واستباحوا وهم يرفعون رؤوسهم الى الله في دعاء ورع. لو كنت ذكيا ذكاء المحرر السياسي لاكتشفت سلاحا لا يعترض ولا يحجز ، يدق الابواب بتهذيب ويطالب اصحاب الدار بالرحيل الى السويد او امريكا او هولندا حيث مئات الالوف من العراقيين واللبنانيين .
 الآن ، بعد هذا الاستطراد العراقي ، أود مخلصا أن أفهم ما يجري في مقتربات سميولوجيا السلاح وبلاغياتها اللبنانية ولاسيما بعد دخول تعاريف جديدة . فحزب الله منح رتبة جديدة للاسلحة : سلاح الدفاع عن السلاح . هل هذا يوازي صاروخ 200 ملم من صنع ايران لعام 2007 ؟ لا .  لقد عرفنا في الازمة الاخيرة ان نظام الاتصالات الذي يراقب المطار هو واحد من اسلحة حزب الله ، بل ان الامين العام شخصن هذا السلاح بتحويله الى مسؤوليته الشخصية ، ما منحه قوة الحجة في النزاع الاخير . ولقد قيل انه سلاح السلاح مما يعني ان السلاح الذي نزل الى شوارع بيروت هو سلاح الدفاع عن سلاح الاسلحة .
أفكر بجد: هل أخطأ المحرر السياسي في التعبير ، ونسي كل هذه البلاغيات الممتعة ، أم انه كيّف تعبيرا غير مستعمل بعد مستبدلا بلاغيات التخويف ببلاغيات التخفيف؟
آمل هذا والا فإني اسمح لنفسي بالاعتقاد ان صحيفة السفير تشارك في احتفالات النصر الالهي الجديدة على (العملاء والامريكان) في بيروت على طريقتها الخاصة ، ولا تريد ان يقبض عليها متلبسة ! 
                                                                                


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  وليد الحيدري


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni