... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
عندما يركض المثقفون والمناضلون وراء الذئاب في رواية العراقي علي بدر

عمر شبانة

تاريخ النشر       29/08/2008 06:00 AM


يقدم الروائي العراقي علي بدر، في روايته ''الركض وراء الذئاب'' رؤية واسعة ومعمقة لحال المثقف الثوري (الماركسي الشيوعي) العربي عموما، والعراقي خصوصا، من خلال صورة الوضع في أديس أبابا، فهو يرسم لوحات لمجموعة من الشخوص المنتمية إلى عالم الثورة والثوار المتقاعدين، ويعالج من خلال الذاكرة وتداعياتها وعبر الهلوسات والهذيانات ما جرى للثورة في زمن منغستو هيلا ميريام، بالتوازي مع ما جرى للشيوعيين العراقيين منذ أواخر السبعينات على يد صدام حسين، وتهجير الآلاف منهم في أنحاء العالم.

يغوص بدر في مرحلة مثقفي يسار العراق والعالم العربي في السبعينات، ويوتوبيا الخلاص والتغيير، فيرسل بطله الصحافي الأميركي ـ من أصل عراقي ـ إلى أفريقيا للبحث عن ''ثوريين'' عراقيين غادروا العراق بسبب القمع الصدّامي أولا، وليسهموا في الثورة العالمية ثانيا، وكتابة تقرير عنهم لوكالة أنباء أميركية، فيسافر بروحية الأميركي لا العراقي ظاهريا، لكن ما يجده أمامه من كوارث ''الثوريين'' يجعله يستعيد عراقيته على نحو تراجيدي هو ملمح من ملامح التراجيديا العراقية المستمرة منذ جلجامش.

ثوريون بلا ثورة

في الرواية نقد حاد وجارح للثوريين العرب، وما وصلوا إليه من تحولات قادت إلى البارات والجنس، دون تركيز كبير على دور قمع النظام العربي الذي أوصلهم إلى هذه الحال، وكأن الأحزاب والثورة هي التي دفعتهم إلى الانحراف والتشوهات التي أصابت جمال وحيد، مثلا، فجعلته دائم السكر ويهذي بكل ما تعرض له من اضطهاد أفقده توازنه.

في ثلاثة فصول، وحيث كل فصل ينطوي على عدد من العناوين الفرعية الصغيرة، يسرد لنا الروائي، أو الراوي، في البداية ما يسميه ''أصل المسألة'' الذي يعنى أساسا ببعض صفات المثقفين، فهم ابتداء ''مولعون بالاختصارات''، و''مولعون بالتصنيفات''، ويمهد للكتابة عن المثقفين الذين هاجروا إلى أفريقيا بالتساؤل عن التحولات التي أصابتهم، ويتحدث بلسانه الأميركي عن هؤلاء الثوريين ''الذين دحرناهم وعذبناهم وأنهينا ثورتهم، أين هم؟ ما هي أسماؤهم؟ عناوينهم؟ حياتهم في العراق؟ أفكارهم السياسية؟ ما هي قصة سفرهم إلى أفريقيا واشتراكهم في الحرب ضدنا؟''.

كتب العراقيون كثيرا عن الحقبة الصدامية في حكم العراق، وهجرة العراقيين، لكن قد تكون رواية علي بدر هذه هي الأولى التي تسلط الضوء على ما جرى للمثقف الشيوعي في الغربة، وما فعلته الثورة التي ''أكلت أبناءها'' في داخل العراق وخارجه، وتحول المثقف إما إلى انتهازي أو إلى شخص حيادي يريد أن يبحث عن لقمة العيش، أو إلى إنسان مدمّر (بفتح الميم وكسرها)، فالصحافي الذي يعمل في وكالة أميركية كان قد تزوج من امرأة أميركية وأنجب منها، وقرر كما يقول ''من البداية ألزمت نفسي بمهنتي وعملي وحياديتي، وكنت مثل الجراح لا يهمني الآلام التي أسببها للضحية طالما أن الأمر يتعلق بشرف المهنة ونزاهة العقل.

ومن بين الأسئلة المهمة التي يكرر الروائي طرحها ''لماذا لا يفكر أحد بالثورة في أميركا، بينما نفكر نحن في العالم الثالث كثيرا بها؟ بل أهدرت أجيالا منا عمرها بالثورات والانقلابات''، ويظل حائرا في الإجابة معتبرا أنه وبسبب هذا السؤال الغامض ''كانت الثورة تعني ـ من بين ما تعني ـ أن يحل ساكنو المكان الأول في المكان الثاني، وهكذا وإلى هذا الحد تنتهي المشكلة''. والمكان الثاني المقصود هو المكان الأفضل والأرقى الذي يطمح الإنسان للانتقال والعيش فيه.

النخبة المهملة

ويربط الكاتب بين تفاقم الأوضاع السياسية في العراق، وفي العالم عموما، وبين تحسن أحواله، حيث تحتاج إليه وسائل الإعلام ويزداد دخله، ويزداد ابتعاده عن موقعه الذي جاء منه كشيوعي سابق ''فكلما تفاقمت الأحداث في تلك البلاد وجدت من يطلب مني تحليلا سياسيا للتلفزيون أو تقريرا عن الأحداث للوكالة.. وهكذا أجد نفسي أكسب بشكل أفضل بكثير كلما كانت هناك حروب خطيرة وقتال أهلي وتهديدات جدية للمصالح الغربية''، كاشفا بذلك عن عقلية مثقف انتهازي تحتاج إليه وسائل الإعلام ومراكز البحث بينما هو في الظروف العادية جزء من ''النخبة الشرق أوسطية المهملة''، فيلجأ إلى قول بعض الفلاسفة ''طالما الحقيقة متكثرة ومتعددة فإن الحقيقة الوحيدة هي التي تخدمني.

إنه كما يصف نفسه في فقرة بعنوان ''هوية وهوى'' يقول ''كنت مؤمنا باليسار وبالحركات الثورية ومتعاطفا مع القضية الفلسطينية ومع الاستقلال.. أنا يساري من الداخل ولكنني مؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان مثل أكثر الغربيين، يميني في الوكالة ومنفتح مع عائلتي جدا..الخ''. وهذه هوية ملتبسة أو خليط من الهويات، وهو يعترف بأنه يؤيد قول ليفي شتراوس بأن الديمقراطية يمكن تعميمها على العالم كله بالقوة. فرغم حديثه عن احترام عائلته لا يتورع عن إقامة علاقة مع امرأة أخرى، ويعلن ضجره من زوجته وأطفاله وهربه منهم أحيانا كثيرة مثل كل زوج وأب.

وبقدر ما يتناول السياسة والفكر السياسي على نحو تشريحي، فهو يمزج بينه وبين العلاقة الجسدية والعاطفية مع المرأة، خصوصا المرأة الأفريقية، حيث للجسد حضوره البارز، فمنذ هبوطه في إثيوبيا تكون عاهرة هي التي تلتقطه وتأخذه خلفها على دراجتها، ثم يبدأ في اكتشاف عالم ''الثوريين'' المحتشد بالكحول والجنس، ويبقى كذلك حتى يعود إلى أميركا.

هي رحلة الغوص في زمنين، زمن الثورة وزمن ما بعد الثورة، وهناك دائما ما قبل وما بعد في جوانب عدة، ورصد لسقوط الإيديولوجيات في العالم كله. أما قصة الذئاب والركض وراءها فهي قادمة من إدراك الراوي أن الثورة في العراق مثل الذئب ''نحن في العراق عرفنا الثورة مثل ذئب يركض أمامنا ونحن نركض وراءه بلا انقطاع. نركض وراءه ونحن خائفون منه، نريد أن نمسك به، غير أننا غير قادرين على الاحتفاظ به، فإن توقف وأمسكنا سيأكلنا بالتأكيد.. لقد ركضنا وراء الثورة وحين أمسكنا بها نهشتنا''.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عمر شبانة


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni