... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
رواية الأفغاني عتيق رحيمي التي حاز بها «جائزة غونكور»:نشيد الحب والحرية

كوليت مرشيليان

تاريخ النشر       17/11/2008 06:00 AM


بعد ان مارس الكاتب الأفغاني الفرنكوفوني عتيق رحيمي سحره على قرائه عبر روايته «صخرة الصبر» كرمته فرنسا بجائزة «غونكور» وهي اعرق الجوائز الأدبية لديها، و«صخرة الصبر» هي روايته الأولى بالفرنسية بعد ثلاثة اعمال روائية له كتبها بلغته الأم «الأرض والرماد» صدرت عام 2000 و«الف بيت من الاحلام والرعب», 2002 و«العودة الخيالية»، 2005 وكان في بداياته يدرس اللغة الفرنسية في العاصمة الأفغانية، لكنه ومنذ ان اقام في باريس كلاجئ سياسي عام 1984 هارباً من الحروب في موطنه وهو يحلم بكتابة رواية بالفرنسية، وهو مطلع هذا العام وحين قرر ان يكتب رواية عن الحب والمرأة خلافاً للموضوعات التي عالجها في رواياته الأولى الأفغانية، كتبها بالفرنسية وعن السبب الذي ارادت ان تعرفه دار النشر التي اعتنت بالنص لديها اجاب بأنه هو نفسه لا يعرف السبب، ثم وفي اكثر من حديث صحفي كتب بأن اللغة الأم هي اللغة التي نتعلم فيها الممنوعات، الممنوعات الفكرية واللفظية ايضا وحين قرر ان يكتب كتاباً يتمحور حول جسد المرأة، وجد نفسه يستعير لا ارادياً لغة اخرى، فكانت الفرنسية التي هي في متناول يده لأنه درسها منذ الصغر ويحلم بالكتابة الأدبية بالفرنسية منذ نعومة اظفاره.
من جهة ثانية، فرنسا مأسورة منذ فترة طويلة بالكتابات الغريبة والقادمة اليها من الشرق ومن آسيا ومن كل أقطاب العالم، الحاملة معها مناخات جديدة، والقارئ الفرنسي يستهويه كل جديد مبدع، فكان ان جذب الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي الفرنسيين بتلك الرواية التي تصور مجتمعه وهمومه وواقع المرأة فيه، وهو استوحى عنوان الرواية «صخرة الصبر» او «سينغيه صابور» من اسطورة شهيرة في الميثولوجيا الأفغانية تقول بتوجه الناس في المحن والصعاب الى صخرة شهيرة في البلاد كانت تدعى «صخرة الصبر». وهناك يبوح المتألم بشكواه وعذاباته للصخرة التي تحمل عنه جزءاً كبيراً من هموم وتكمن جمالية رواية رحيمي في قدرته الابداعية على ادخال الاسطورة في الرواية عن طريق التورية، فالبطلة عنده ليست في زمن الأسطورة ولا في مكانها امام الصخرة الميثولوجية، انما هي تحكي آلامها وعذاباتها امام جسد زوجها الواقع في غيبوبة طويلة، وتبدأ بسرد فصول حياتها، وتكاشفه بكل اسرارها وبأمور لم تكن لتجرؤ على المكاشفة بها لو لم يكن في غيبوبة، فتقول ما ترغب كل امرأة قوله بصراحة وبصرخة تطلق العنان لكل الكبت النفسي والجسدي الذي عانته في مجتمعها المتزمت والرواية جريئة في مكان ما او يمكن القول في كل الأمكنة وفي كل الكلمات والألفاظ التي تخرق المحظورات الاجتماعية والجنسية في بلادها، وعند هذا الحد وعلى ايقاع توتر المرأة ووضعها النفسي يكتب رحيمي بجمالية توازي الافصاح الكبير لبطلته، وعلى وتيرة تصريحاتها والمفاجآت التي تطل بها في كل فصل يكتب بتوتر وبلغة جريئة وحادة وجملة قصيرة، مشحونة، تشتعل بمعانيها ومضامينها وهو حسب تصريحاته في اكثر من مقابلة ـ استطاع ان يتحرك بحرية في روايته لأنه تخلى عن لغته الأم ولم يستخدم الألفاظ الجريئة والمحظورة فيها بل في لغة غريبة عنه.
والمعروف ان عتيق رحيمي هو ايضا سينمائي ودرس السينما في باريس اواخر التسعينات وله افلام مؤثرة، وهو لم يستغل ان يعمل على اقتباس روايته للسينما بل جعل العالمين مختلفين لديه يلتقيان في تفاصيل تخلق عوالمه الفنية الغنية، وهو اقتبس فقط باكورة اعماله الروائية «الارض والرماد» وكان ان نال عنه جائزة في «مهرجان كان» عام 2004.
عاش رحيمي المولود عام 1962 (46 عاماً) حوالي 22 عاماً في افغانستان قبل ان ينتقل ليعيش في باريس منذ 24 عاماً تقريباً. زار موطنه مرة واحدة خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة وكان ذلك عام 2002 وهدف من زيارته الى تحقيق فيلم وثائقي عن «حلم الحرية الافغاني» وذلك بعد سقوط نظام الطالبان، كما استوحى من تلك الزيارة ايضاًَ روايته «الف بيت من الاحلام والرعب»، وتبع تلك الزيارة عودة الى مسقط رأسه في كابول كتب بعدها «العودة الخيالية» وبالتأكيد ان هذه الكتب ستتم ترجمتها الى الفرنسية والى لغات اخرى بعد هذه الجائزة القيمة التي كرست اسمه في عالم الرواية.
اما «صخرة الصبر» فقد اعترف رحيمي انه استوحاها من قصة واقعية صورها في فيلم وثائقي له وهي قصة الشاعرة الافغانية ناديا انجومان التي قتلها زوجها عام 2005، فسجن هذا الأخير وقد ذهب رحيمي بالفعل لمقابلته في السجن لانجاز الوثائقي غير انه علم بأن الزوج في غيبوبة بعد ان حاول الانتحار وتم انقاذه فتخيل الكاتب لو ان الشاعرة المصروعة هنا لتقف امام زوجها المسجى وتقول كل ما في داخلها، ومن هنا ولدت لديه فكرة رواية «صخرة الصبر» التي تكرسها اليوم «جائزة غونكور» العريقة.
ولرحيمي افلام وثائقية عديدة منها: «لكل مذكراته» انجزه عام 1989 و«افغانستان دولة مستحيلة» سجل فيها تاريخ بلاده خلال الاربعين سنة الأخيرة.
كل اعمال رحيمي تركت اثراً عميقاً غير ان روايته الأخيرة «صخرة الصبر» كانت الأجمل برأي النقاد خاصة في المعاني العميقة لرموزها المستوحاة من اسطورة مذهلة ولغتها الجريئة التي تحاكي جسد المرأة بلا مواربة. وهو استعان في مقدمة روايته بكلمة للشاعر الفرنسي انطونان آرتو جاء فيها: «بالجسد وعن الجسد ومع الجسد، ومن الجسد الى الجسد». وتأتي هذه المقارنة ما بين الجسد والصخرة المنذورة للصبر لتشكل مفصلاً في حياته الأدبية والكتابية عبر رواية مؤثرة معهداة الى روح الشاعرة الافغانية الشابة ناديا انجومان التي قتلها الجهل بيد زوجها او بيد مجتمعها المتزمت. اما جائزة غونكور فهي لم تستبق الحدث وتروج للكتاب بل الواقع انه حصل العكس اذ ان الجدل الذي اثارته الرواية واقبال القراء عليها جعلها تنتشر بقوة واكثر من 14 دولة تعمل على ترجمتها حالياً ما لفت انتباه لجنة «الغونكور» وتأكيد هذه «الظاهرة» الافغانية الجديدة في سماء باريس الادبية، عبر تكريسها بجائزة توثق خطوات رحيمي اكثر في الرواية.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  كوليت مرشيليان


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni