... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  نصوص شعرية

   
بابل.. بابيلون

فاضل السلطاني

تاريخ النشر       03/01/2009 06:00 AM


.. وكان المغني يغني
أغانيَ مرميةً في شريط قديم
- أتذكر ذات صباح
كم تدافعتَ والوحشَ فوق التيمز

لتشربَ قطرة ماء..
ورأيتَ الغرقى ؟
- كأنهمُ مسحوا الآنَ بالزيتِ أجسادهم
كم جميلين كانوا!
وهمُ يرفعون الرؤوس
لكي يحرسوا الشمسَ حتى تغيب
وتعودَ برائحة الوحشِ والطينِ 
والنبتِ فوق الفرات
- أو هم يحنون على قطرات الماءِ ظهورهمُ،
مكسوّي الجلدِ
بأجنحةٍ من ريشٍ،
قصباتٌ تومضُ تحت الشمسِ..
جميلون هم الموتى!
- ألم يمت الموتى؟
- وجميلين كنا
على نهرِ بابلَ..تذكرُ؟
غير إنك يا صاحبي 
قد تفرعتَ مثل المياه
ورأيتكَ ذات صباح
تتمرى مع الميتينَ الجملينَ على الضفتينِ
وأنتَ تسرّبُ ماءكَ بين الأساطيرِ
قلتُ: أراك قريباً
- كم حبيبينِ كنا!
لعبنا طويلاً
على الضفتين
كبرنا معاً..
وانشطرنا لنصفينِ
وكان المغني يغني:
أحبكِ حتى لتوجعني قبعتي»1»
فيلتقط العابرون
قطراتٍ من الحُبّ تسقط فوق الرصيف
وتهرب امرأة للفرات
لتموتَ من الحبَّ
- تذكرها؟
- أذكر الجسرَ،
وقفتها على الجسرِ، ثقلَ تلك السماء على كتفيها،
ثمّ قفزتها..
وتموجَ ذاك الجسد،
وموسيقاه وهو يبحرُ فوق المياه السعيدة.
أذكر اللاأحد
وهْو يغمض عينيه ثم يسيرُ
وكان المغني يغني:
متى سوف تكتملين؟
كم من الموتِ سوف تحتاجين مني لتكتملي؟
- كنت أعبر في لحظة من صباح الطفولةِ
فوق الفرات
وكنّ النساء
يرحن يجئنَ وهن يتحدثنَ»2» عنكَ
ا- وكان المغني يغني:
أحبكَ حتى لتبكي النوارسُ فوق السفائنِ
في ذروة البحرِ أو تتماوجُ فوق الرمالِ
من الحبّ..
 أنت وحدكَ كنتَ هنا
و كنتَ هناك
وبين الزوايا
كانت الأغنية:
تتلوى
بابيلون!
بابيلون!
تصرخ الأغنية
من الحبّ، والراقصون
يدورون حولي:
بابيلون
بابيلون
- وأنتِ تنامينَ فوق الأريكة
صافيةً كالمياه
كأنك كنت هنا
كأنك كنت كتبتِ الأغاني
ثم خبأتها في الحقيبة،
كأنك وحدتِ كل الأغاني
فأنى توجهتُ أسمع أغنية واحدة
بابيلون
بابيلون
وثيابكِ مرميةٌ في الحديقة
مثل عاهرةٍ كنت أحببتها
ذات ليلٍ بباريسَ،
والنوافذُ تشربُ عريكِ ثم تسربهُ للمياه.
كنتِ واقفةً تشرفينَ على الماءِ،
فوقكِ ذاك الرداء القديم،
الرداء الذي كنتُ أعرفهُ
قبل أن تكبري
مسافةَ شبرين على النهرِ..
كنتِ تغنينَ شيئا
ثمّ أنساهُ.
وكنّ النساء يرحنّ يجئنّ
وهن يتحدثنّ عنكِ
وعلى النهرِ ينسابُ شىء من الدمِ..
كان بلونكِ.. هل كنتِ أنتِ؟
وعلى النومِ شىء من الدمِ
يُشبه وجهي.. هل كنت أنا؟
هل تقولين شيئا
عن الدم فوق المياه؟
هل تغنين شيئا
عن الدم فوق السرير؟
عن الدم فوق الأغاني؟
بابيلون..
بابيلون..
- لا تجرِ ياتيمز»3»
لا تجر يافرات
سأحتاج نهرينِ حتى أغني:
السفائن تبحرُ
والكلماتُ ستبقى
حيث يسقطني
حبّكَ الذهبيّ
كقنديل ضوءٍ على العشبِ»4»
لا تجرِ يا تيمز
لا تجرِ يا فرات
سأحتاج أغنيتين
لأكمل أغنيتي
وسأحتاج شيئاً من الموتِ
كي أبدأ الأغنية:
بابيلون
بابيلون
- كم بابلُ أنتِ؟
كثيرةٌ أنتِ
رأيتك في روما،
في نيسانَ،
شهرِ الموت،
في غرفة مايكل انجلو
وأنت تنهضين في الصباح..
رأيتِ الله ولم تموتي.
وتعثرتُ بالضوء في باريسَ
قلتُ: أنتِ
كنت مرميةً في الكنائسِ،
في بيغال5،
وكان جاك بريل6 يغني:
أنت العاهرة الاولى،
حارسةُ بيتَ الربّ،
زوجةُ الموتِ أنتِ.
وكنتِ في برلينَ
مانيكان الله في المخازن،
ورائحة الماء فوق شعركِ،
ثمّ سألتني:
ألم تمت معي هناك؟
كيف فتحتَ القبرَ؟
ما الذي تبتغيه هنا؟
كنتُ أتبعكِ
من النهرِ للنهرِ
رأيتك مرة في شارع بنيويورك قبل أعياد الميلاد بيومين.. كنت تسابقين الموتى بثيابك الجديدة لركوب الحافلة، ومرة في سفينة تنقل مسز بل من الفرات إلى التيمز
- لا أذكر شيئا
- كنت أسمع منك حتى حفيفَ القميص
 وأرى الرائحة
تتجول في الطرقاتِ
الطويلةِ من بابلٍ لمعابر نومكِ، 
أسمع موسيقاك تصعد فوق السلالمِ،
أو تركب الحافلاتِ الطويلةِ، أو تطرق البابَ
منتصفِ الليلِ..
أهتف: جئتِ
كنتِ تمرين مسرعةً مثل أغنيةٍ مات شاعرها،
تركضينَ ككلبةِ صيد
وراء الشوارع وهي تسافرُ،
تبحر مثل البواخرِ
بالآجر المتآكلِ،
بالشجر المتساقطِ،
بالبشر المنتظرين على الأرصفة.
- من أنت؟
- إني ابنكِ
- لكن لم يلبسني أحدٌ
أو ألبس أحداً
كنت القابلةَ الاولى
لكني لم أنجب أحداً
من أين أتيت؟
- من تلك الأرضِ
- أعرفها.. كنتُ هناكَ.
تعال إذن
لأعيد إليك الجسد
وأغسل عنك دماء الجنودِ
تعال إذن لأريكَ
ترابكَ في جسدي.
أيّ ربِّ يقدّر لي
أن أراك هنا
وأراك هناك؟
وكان المغني يغني:
 ذراعك تزهر حين تنامين جنبي
تعالي إلى النومِ
 حين أحبكِ
حين تخون الأغاني
معانيكِ أو تهجر الحبَّ شهوتهُ                                    
- انتظرتُ مجيئكِ عند المساء
على قارب الموتِ
قلت: تعودين يوما
حكمة الميتينَ على كتفيكِ
- ولكنني لم أمت
ربما متّ بعض زمانٍ
في مكانِ..
لست أذكر ..
بل أذكر النهرَ يرحلُ..
كنتُ وحدي
- كنتُ خلفكِ أذرع خطوي
أقول: وصلتُ
ثم إني تعبتُ
قلتُ: ألقاك بعضَ زمانٍ
في مكانِ
وبين الزوايا
كانت الأغنية
تتلوى
بابيلون
بابيلون
تصرخ الأغنية
وحدها في البراري
بابيلون
بابيلون
من أنتِ؟
كم تكاثرتِ أنتِ!
- من الموتِ
متُّ كثيراً
وكنتَ تتبعني
كنت أعرف أنك تتبعني
غير إني مضيتُ
كيف أنظرُ خلفي وأنتَ أمامي؟
كيف أبصرُ خلفي وأنتَ أمامي؟
وكان المغني يغني
أغانيَ مرميةً في شريط قديم
فيلتقط العابرون الوحيدون فوق الرصيف
قطرات من الحبّ تندسّ بين الثياب
ثم يمضون.. إثنينِ
إثنينِ..

1- لوركا
2- تي.أس. اليوت: "أغنية الفريد بروفروك"
3- اليوت: " اجر يا تيمز بهدوء"، وقد حورها البياتي إلى" لا تجر يافرات"
4- الشاعرة اليونانية الكسندرا بلاستيرا
5- بيغال: شارع العالم السفلي في باريس
6- جاك بريل( 1929-1978)، مغن وشاعر بلجيكي. قضى نصف حياته في باريس
7- مسز بل: البريطانية جيرترود مارغريت بل( 1868-1926)، المعروفة ب" صانعة الملوك"، وهي التي نصبت فيصل الأول ملكاً على العراق( 1921)، وأنشأت المتحف الوطني العراقي. ماتت في بغداد، ودفنت في المقبرة البريطانية. 

 


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  فاضل السلطاني


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni