... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
تجليات قصيدة النثر عند عبد الزهرة زكي

علي الامارة

تاريخ النشر       10/01/2009 06:00 AM


الشعر فعل ضد الزوال ومحاولة للامساك باللحظة لهذا فهو صراع على حدود المستقبل ورحلة اكتشاف مستمرة . وما انشغال شعراء مثل مالارميه ورامبو ولوتريامون وفاليري بالبحث عن المطلق او المجهول او الذات الاخرى او اللغة الاخرى  .. الا نوع من هذا الفهم لوظيفة الشعر ورهان على الطاقة الكامنة في اللغة على استيعاب التحولات والارهاصات النفسية والفلسفية بتشكيل ابداعي محض .. مستمد قدرته التاثيرية من مستوى الفنية وتحقيق اكبر كمية من الشعر في القصيدة . انه العزف على وتر الايحاء والاستفزاز والاقلاق والاشغال الذي يبدا من وعي الشاعر الفني والحياتي وينتهي بالانفتاح على فضاءات التامل والتساؤل والدخول في جدوى الكتابة الشعرية حيث يشارك القارئ شاعره – ولا اقول الشاعر قارئه – في لحظة التوتر الابداعية حيث يمسك كل من الشاعر والقارئ الحبل المشدود بين عقلين وتجربتين ، فكلما كان الوتر – العصب اكثر شدا بين الطرفين كان العزف اكثر وضوحا وتاثيرا . . وكان التنوير للحظة الهاربة اكثر شمولا وابعد مدى .
 
وعبد الزهرة زكي شاعر عقلي لا تستدرجه العواطف و لا تخدعه اللغة رغم انه حين يمجد الجسد او الانثى او الطبيعة .. يترك لعفويته العنان والانطلاق في (  عراءات ) الشعر حيث التصوير الحسي العالي والالتقاط الروحي النادر – ولكن هذه العفوية مراقبة دائما بسياط العقل . !
 
لذا فحين تختفي العفوية وهي الامل الاخير للعواطف فاننا ندحل فضاء التامل حيث يفرض علينا العقل الشعري جدليات موضوعية متواشجة لعل ابرزها اشكالية المعنى بالتضاد المتقابل وانكفاء العبارة على بعضها حد الانفراط ، ومن ناحية اخرى انغلاق بعض القصائد في نهاياتها بطريقة فنية داخلية تؤكد سطوة العقل ورسمه لمخطط القصيدة منذ البدء .
 
فاذا كانت قصيدة النثر  نصا مفتوحا بطبيعته التدفقية فان تكامل الفكرة الشعرية يمكن ان يجعل من هذه القصيدة نصا مغلقا مؤديا رسالته الفنية .. كما في بعض قصائد كتاب الفردوس للشاعر عبد الزهرة زكي الصادر عن دار الشؤون الثقافية لعام 2000فضلا عن سمات اخرى او محاور متعددة اشتغل عليها الشاعر كاستخدام ثيمة السحر والتصوف التي جاءت بشكل مفردات او عبارات او جمل متكاملة مثل : الفص ، الطاس ، الاكسير ، العصا ، مبخرة ، الهدهد ، اية ، حية ، سراج ، اللقى ، وادي الارواح ، اكسير الخاتم ، والنجمة ، خادماتك الساحرات ، كهرمانة النور ... الخ او الشجرة التي فاكهتها من سم ، رمت الحية العشب بين يديه ، انا فصك وضعتني في طاسك ، انا فصك مرني ،  ويهبك الغيبة ..
 
او بشكل احالات قرآنية مثل : يا نار كوني سريره ، او تعابير الاعطاء التي تحيل الى الاية القرانية ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) ، او تعبير الاخفاء في الصناديق او في اليم التي تحيل الى قصة نبي الله موسى ( ع ) . كذلك هناك افكار صوفية او سحرية مثل : الذوبان في الاشياء ، الطيران او  الاختفاء ، انفصال الانا عن الجسد كما في قصيدة – مرج اسود – او فكرة تحريك الاشياء بعظام الهدهد ، او قصيدة اكسير الخاتم والنجمة المبنية على فعل السحر والتنجيم والاكسير .. بل ان قصيدة -  طير وحيد يتنزه في الصحراء -  يمكن عد ثيمتها ( نبيا اضاعه قومه ) ، او فكرة العصا والماء في قصيدة – الى الماء – هذا فضلا عن عناوين تصرح بهذا الاتجاه الصوفي او السحري مثل : انا فصك اتقلب بين يديك ، يحيى ،  ، اية الجسد ، فردوس ، ورثة السعادة ، تقليد النار .. زيادة على عنوان الديوان الجامع – كتاب الفردوس –
 
اما محور اشكالية المعنى ،، فيطل علينا منذ البدء بعنوان ( لم نكن في انتظارك يا ورد غبر انا انتظرنا .. ) وبعد مرور زمن شعري من القصيدة يعود الى ورد ليقول لها ( فانتظرناك يا ورد . . ) ثم بعد مرور زمن شعري اخر يتساءل  ( ففيم انتظارنا ؟ ) وقد تحقق في هذه القصيدة محوران : الاول اشكالية المعنى المتداخل ، والثاني انغلاق القصيدة داخليا وعودة المعنى الى فضائه الاول بارجوحة التضاد . كذلك في قصيدة تشبهها بان عنوانها هو مفتتحها ايضا – انا فصك اتقلب بين يديك – التي تنتهي باغلاق داخلي والعودة الى المعنى الاول بارجوحة التضاد .. ( انا فصك اضيع بين يديك فخذني ! ) وهكذا قصيدة – اغصان طائرة الى ياني – حيث تبدا بالبعيد البعيد وتنتهي به عبر روح خفقت بين صوت النايات وصمتها ، كذلك قصيدة – مرج اسود - ،
 
 ولعل قصيدة – خارج الغرفة داخلها – تشي باشكالية المعنى منذ عنوانها فكما احكم الشاعر اغلاق غرفته فقد احكم اغلاق قصيدته ايضا .. بل ان هذه القصيدة ذات الفكرة العميقة والسيناريو الشعري المبسط تتجسم فيها اشكالية المعنى بحيث تصبح هذه الاشكاية ذروة فنية ودلالية تنتهي اليها القصيدة حيث تتصاعد فيها جدلية الخارج والداخل حول غرفة الذات التي كلما زاد اغلاقها يتجلى انفتاحها حتى تصل بنا الى تبادل الامكنة فندخل الى الخارج ونخرج الى الداخل عبر اشكالية المعنى وانغلاق القصيدة والغرفة معا ..
 
وحتى قصيدة – يحيى – التي هي اطول القصائد فان ذروتها الفنية والدلالية كثيرا ما تتجه باتجاه هذه الاشكالية – تضاد المعنى – مثل :
 
 يقولون  .. فلا يُسمعون ،  
 
ويظهرون .. فلا يُرون ،
 
 ويمشون .. فلا يتقدمون ،
 
 او كان العميان على الساحل ينتظرون وما كانوا بمنتظرين ،
 
 او في مكان اخر من القصيدة حيث يعلن التضاد صريحا :
 
 يا كاتم سري يا ضدي .. هل ابحث في المهد عن اللحد ؟
 
اما قصيدة  -  تجربة – فهي قصيرة يمكن ايرادها وتامل التضاد والاغلاق فيها : 
 
 ( نعم تركنا الذهب من اجل الصوت
 
ولم يكن هناك ذهب ..
 
ولم يكن هناك صوت
 
لقد توهمنا الذهب .. من اجل ان
 
نتوهم الصوت )
 
وفي قصيدة – اكسير الخاتم والنجمة
 
–       ( حينما كنا على الماء .. اعطيتك خاتما واعطيتني نجمة .. ولم يكن الخاتم خاتما ولم تكن النجمة نجمة .. )
 
 وفي مكان اخر من القصيدة يعود يارجوحة التضاد ليقول :
 
 ( لاخذ نجمتي وتاخذي خاتمك فاذا بالخاتم خاتم واذا بالنجمة نجمة ) . 
 
 اما قصيدة – اية الجسد – فهي نص مفتوح في تمجيد الجسد الكوني الملائكي الذي لا تراه الشياطين – الذي يهب النهار البذرة الحرة . كذلك فردوس
 
 ( تختفي الانثى عن المكان فلا يرى )
 
 وهي تنتمي الى قصيدة اية الجسد فنيا وتشكل صورا ومعنى وكانها تكملة لها ..
 
وهناك قصائد مثل – ورقة السعادة  ، افق مزركش ، تنتمي الى عائلة اية الجسد ايضا
 
ان اشكالية المعنى في -  كتاب الفردوس – هي جدلية الانتصاف في ان يتحقق الامر ولا يتحقق وان يصل ولا يصل وان يُرى ولا يُرى وان يصحو ولا يصحو وان يموت ولا يموت وبالتالي فهي جدلية الوجود والعدم
 
 فهي اذن ارجوحة التضاد التي تتحرك فيها ذات الشاعر بين الشيء وضده بين المتحقق وغير المتحقق .. وان انتصاف ذات الشاعر في ان ينطلق الى فضاء ابعد منه فيكون نصف الشاعر الثابت في الارجوحة المتحركة .. انها جدلية الذي يتحقق ولا يتحقق ..
 
ولعل بيت المتنبي يلخص هذا المشهد النفسي – الفلسفي يقوله :
 
كأن لم يكن كل ما كان لي
 
                         كأن كان لي كل ما لم يكن


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  علي الامارة


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni