... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
دعوة إلى مراجعة قصيدة النثر العربية

د. سهام جبار

تاريخ النشر       25/02/2009 06:00 AM


وأنا اقرأ لشاعر عراقي من رواد قصيدة النثر العراقية أقف عند فكرة أن الوقت قد حان لمراجعة كل المتراكم في تاريخ الشعر العربي الحديث من نتاج قصيدة النثر الذي تنوع وتعدد حتى بانت بوضوح ما يمكن أن أسميه أنواع من الكتابة في إطار قصيدة النثر العربية، هذه الأنواع أو التصنيفات أو الأشكال أو الأنماط أو الأجناس أو الأساليب أو الصيغ أو .. أو .. كلها تمثل ما يمكن ان يستقرئ ضمن النتاج الموجود بكثرة بالغة غير قابلة لأن تختزل أو تحدد بغير مشروع مؤسساتي «لا فردي» متوازن وموضوعي لمراجعة هذا التراث وحصد آثاره من الأفاق ليكون مُدركَاً في وعي التلقي الذي هو بالتأكيد متفاعل مع وعي النص المُنشأ، لأن فاعلية التلقي هي التي تنظم عملية انتشار النصوص في فضاءات النشر الممتدة بلا ضوابط أو حدود واعية.

أنا أقول إن مثل هذا الجرد للمتراكم من المكتوب ضمن مسمّى قصيدة النثر لا بد من أن يكون عملاً استقرائياً لا عملاً فوقياً مجرّداً كما قد حدث في مناسبات عدة إذ يتم بافتراضية معينة تقوم بإلزامات واشتراطات إن لم تتحقق بحسب هذه الفرضية تمتنع الكتابة حينها عن أن تكون من نوع قصيدة النثر. فالاشتراطات هنا والإلزامات المتعالية تصادر حرية هذه القصيدة التي هي من الانفلات وإعادة التوزيع كل مرة لمكوناتها بمكان إلى حد لا يمكن أن تكون به موجودة على وفق لوائح المصادرة لها والكبح لما أنشئتْ على أساسه.
هذا لايعني في كلامي هذا الدعوة إلى قبول الرداءة والتسطيح والركة والميوعة الذهنية والفكرية والعاطفية التي نجدها في نتاجات كثيرة موجودة إذ علينا مسبقاً ان نطرد فكرة القصور في الأداء الكتابي والنظر الى نصوص مكتوبة بمعرفة لا بجهل.
إذ يتبقى لنا حينذاك النظر إلى نتاج محصور بعناية ضمن آفاق الفهم والإدراك والقصدية وبذلك يتم التأصيل لهذا النوع في ضوء معطى النتاج الأدبي وهذا يثبت حضوريته لا الكلام في ما هو غائب أو معدوم. فقط يحكمنا تناغم الأداء والوعي وبذلك يتم تثبيت ترسيمة نافذة للنتاج. وأنا أعطي لهذا الحصر أهمية نقدية لأننا بعده نستطيع أن نحدد ما جاء به هذا المدّ الهائل من الإنشاءات المؤسسة ضمن نوع قصيدة النثرما يمكن أن ندل به على خصوصية أو تفرد بالتخلص من تكالب المترادف والمتشابه واختزال الموجود بلا قيمة في دكاكين الترويج الإعلامي المعروفة. وبالمناسبة إن مثل هذه العملية من الرصد والمراجعة كانت موجودة في مجال النظر إلى القصيدة العربية التقليدية غير الخارجة على الأعاريض الفراهيدية وقد توقفت ممارسات النقد عند انتشار الكتابة الخارجة على حدود الوزن ماعدا بدايات أولى كانت تهتم فقط بإبراز رواد لهذه القصيدة ومؤسسين وكان أغلب المهتمين بهذا النظر هم الشعراء أنفسهم سواء أ كانوا أدونيس وأنسي الحاج في بدايات أولى وبالمقارنة مع النموذج الفرنسي، أو اللاحقين المنتشين بإبراز أولوية أخرى سواء من جماعة كركوك أو من أجيال من شعراء قصيدة النثر السبعينيين أوالثمانينيين أواللاحقين .. والكل يدعي وصله الأول بليلى، مصحوب ذلك بافتراضات يجدونها ملزمة لمواصفات هذه القصيدة لتكون، هذه المواصفات والاشتراطات والفروض تمرد عليها الجميع ، العارف بها والجاهل، والمنغمس في هذه العملية والعابر. أمثل بالاحتكام الدائم إلى شروط سوزان برنار في قصيدة النثر الفرنسية وقد نُسي أن برنار قامت بمراجعة واستقراء لا فرض شروط على إبداع قادم. هنا واحدة من مشاكل الوعي بالكتابة الإبداعية، وهي مشكلة ليست بالصغيرة إذ فُرِض بقوة على الإبداع أن يكون كذا لا كذا. أي أن من قال بذلك آمن بقيمة ما هو مثال سابق وجاهز وموجود سلفاً في ضمير المتخيَّل، بما يؤكد أن النموذج المعلوم متحكم في محركات الكتابة عند الشاعر العربي مهما ادعى أنه خارج سلطة النموذج ومهما سعى في التخلص من ربقة المتوارث والموغل في ماضويته. إن الخضوع لما هو معلوم سلفاً يجعل كاتب قصيدة النثر مشتركاً مع شاعر القصيدة العمودية في أنه تابع للماضي لا باحث عن مجهول ولا مغامر فيما يفعل.. وهذا ما يؤدي إلى نتائج متشابهة في النهاية.  ولعل هذا ما يعني انتماء النتاج الكتابي العربي إلى عقل مهيمن واضح في قمعيته ومصادرته وعنفه في الذبّ عن نفسه وانكفائه عليها.
أعود فأقول أن ما ينبغي رصده الأن هو ما قد حلّ فعلاً من معطى كتابيّ لرصد ما فيه من سمات وأشكال وأساليب يمكن أن تصف قصيدة النثر العربية بما فيها لا بما ليس موجوداً أو متحققاً.
أتمنى أن مثل هذا المشروع تتكفل به جهة راعية لأنه مشروع نقدي في إطار نظرية أدب كالتي  ظهرت في أماكن  مختلفة من العالم نظرية الأدب الانكليزية أو الروسية الخ، ولم تقم مثل هذه الجهود على أساس فردي أو نظري، وإنما هي جهود جماعية عملية مستندة إلى أسس منهجية لا على نظرات وميول واعتبارات شخصية فيها ما فيها من الإثرة والمزاجية والنرجسية أوالمنطلق الشخصي الخاص كما يحدث بين الحين والحين عندما يتصدى شاعر ما لإلقاء دلوه في البئر الذي يحب، سواء بالتنظير او بمحاولات التوثيق غير المنصفة غالباً أو بالنقد الذي هو ذاتي، انطباعي، إخواني، غير منهجي أصلاً.
فلكي يمكن أن يكون للنتاج المكتوب الآن قيمة معرفية ومن ثم توثيقية مدوَّنة لابد من مثل هذه المراجعة والتأصيل والقراءة المنهجية وذلك ضمن مشروع نقدي جديد ومؤسس وغير عابر، ومثل هذا الجهد سيكون للجهة الراعية إمكانية إصداره وحفظه ليشكل أفقاً من المعرفة يمكن الاحتكام إليه في فوضى الانتشار والترويج الكتابي المرهق والمشوش حقاً.

 


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. سهام جبار


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni