... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
اقتفى أثر العراق فلم يعثر عليه

عالية ممدوح

تاريخ النشر       16/04/2009 06:00 AM


    1
شغوفة بكتابات ونصوص الروائي العراقي حميد العقابي المنفي في الدنمارك منذ سنين طويلة. هذا كتابه الثالث الذي يصلني منه وأعرف أن أساه الوفير لا يريد ان نراه حماسيا مجانيا أو تتخلله حفنة شعارات. كل كتاب قرأته كان يدعني أتلفت حولي لكي أرى بصورة أدق. فلتكن الصور غير محتملة لكنها تبث السخط بطريقة مستمرة. "" أقتفي أثري "" الصادر عن دار نشر طوى وتوزيع دار الجمل. العنوان يتسلسل ما بين الشخصي والذاتي ، بين الطريق إلى العراق وهو عائد إليه بعد الغزو الأمريكي ، وبالتالي فهو لم يجد أي أثر للعراق !. رمى الكاتب حياته أمامنا. السرد سريع متواصل كالنهر ، قوي كالطلق الناري. ساخر ، طريف وممتع أيضا. الكتابة ليست هي الذاكرة فقط التي يراد إفراغها ولا هي أصوات الذئاب التي كانت تُسمع طوال قراءة الكتاب كتورية لأي ذئب أجنبي يحاول النهش والعض والالتهام..إن الكتابة باقية وهي تتوقف في الوقت المناسب. ولعل الجميل في هذا العمل ان زوائده شحيحة فالخراب موزع على الفصول والنفوس. صحيح ، هي مدونة ذاتية ، فليكن ، المهم هو الكتاب بهذا الحاضر القاسي واللاسع أيضا ، وحين تغلق الكتاب تردد : حسنا ، إنه لا ينقل شائعات ولا يروج لبطولات وهمية ، ولا يفبرك سجونا خيالية. أمامه وأمامنا التجربة الوجودية ذات الأذي البالغ والتي توالت منذ كتابه الجميل الجارح "" أصغي إلى رمادي "" مرورا برواية " الضلع " واحدة من الروايات العراقية المهمة في الأعوام الأخيرة.
2
رواية "" اقتفي أثري "" يأخذنا المؤلف الراوي حميد ومنذ السطر الأول معه حين يقرر أن يعود ، عليه أن يعود إلى هناك. يدخل الموضوع رأسا ، لكنه لا يدخل البلد رأسا. تواجهه المنغصات والقصاصات والوشايات من الدول التي مر بها بدءا من شمال العراق مرورا بسوريا وإيران. فنسمع ونقرأ حيوات أولئك الذين صمموا العودة وكقاعدة عامة في مثل هذه الأعمال ؛ الذهاب والإياب ما بين ال هنا وال هناك. والرحلة كما لو كنا في سفينة نوح تحمل الاناث والذكور ، أصحاب اللحى والقرصان ، الجوقة والبهلوان ، الكذاب والبليغ الخ. قوة هذا العمل انه يضعني حالا بينهم ، لم انسلخ عنهم لكنني كنت أضع المسافة والسؤال: "" أي وطن هذا ؟ ذهبه غواية ، ماؤه تأريخ من الدماء والحبر ، سر على ضفاف أنهاره لن تجد عاشقين أو متأملين شروقا أو غروبا بل نساء يقدمن النذور (للخضر ) كي يُرجع أبناءهن الغائبين أو امرأة تقدم العشاء للماء مصغية لأنين ولدها الغريق ، أشجاره المغبرة ونخيله المحترق لا تسمع بين عذوقه شدو فاختة سوى نائحات فقدن أحبتهن في الحروب.. نهرب منه فيهرب خلفنا كي يطاردنا ، لم يأت إلينا (ولو مرة واحدة) كي يسامرنا أو يوآسينا ويعظم أجرنا... كلنا ثكل الأحبة "" كقارئة متابعة ، أريد أن اعرف ماذا حدث للمنفيين والمهاجرين إلى سوريا : "" عملك هو ان تجلس في الغرفة وتشرب الشاي وعليك أن تنهض كالبقية أحتراما كلما دخل الرفيق أبو فاروق "" وفي إيران وكيف تعاملت معهم : "" كان سلوك الحراس الإيرانيين الفظ دافعا لإعادة النظر بالوهم الذي خلقناه لرجال الثورة الإسلامية الإيرانية حين كنا لا نزال في العراق "".
3
في هذه الرواية معلومات دقيقة وأحداث تتواصل ما بين الفرار إلى نقطة الوصول منذ وهروبه عن طريق الجبل والسهل ، الوادي والصحراء ، عن طريق الحرامي والخائن والفاسد ، أو طريق اللزوجة والدبق والوساخة ، عن الطرق الفريدة التي تحول بعض الكائنات إلى شخصيات معتبرة في رواية عراقية جميلة وذات طبقات من شجن دسم. "" ورحت أذ ما املك من طاقة سوء الظن التي توارثتها كابن بار عن اهلي. هل اكتشفت زيف ورعي ؟ كان ابو عبد الصمد يقضي نهاره في حركة دائبة كأنه يحسب الدقائق بغريزة تاجر ، كصفقة يعقدها مع الله ، يتعامل مع الرب كمرابٍٍٍ "" كتابة بتقنيات عدة ما بين تقطيع سينمائي ومشهدية مسرحية ونحن نرصد العلاقات الايجابية والمتعسرة ما بين الشخصيات الروائية. لا أحد يستعير دور غيره ولا احد يهجع قبل ان يكمل بهجة الحب الذي ُينتظر ولا يحضر. هناك خنوثة ساحرة نشاهدها في الصحراء ؛امرأة مهتاجة جدا في الربع الأول من الرواية لكننا نتعرف عليها بثياب رجل يروي حكايته وكيف تحول إلى أنثى في الدنمارك. شخصيات طريفة موجوعة ملتبسة حسودة ممرورة : "" جلسنا على شكل دائرة صغيرة كبلدان مستقلة تفصلها عن العالم حدود مقدسة. عرب ، أكراد ، تركمان ، آشوريون ، كلدان ، شيعة ، سنة ، صابئة ، ملاحدة ، شيوعيون ، منفيون جدد ، منفيون قدامى ، رجال سلطة متقاعدون ، مخبرون نادمون ، نسوة محجبات وآخريات بنصف حجاب وأنا وماريانا وعلي كارثة "".
رواية تقتفي آثار العراق والعراقيين في المنفى وقبل مد القدم اليسرى على أول بقعة من ترابه. في عموم أعمال العقابي مثابرة على اليأس الهادي والرحيم وربما ، بسبب هذا فهو لا يلقي السلاح ، ولا يعرّض الأيمان بالحياة للخطر.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عالية ممدوح


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni