... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
الموازنة... أزمة عجز أم أزمة سياسات

يحيى الكبيسي

تاريخ النشر       19/05/2009 06:00 AM


تعكس الموازنة العامة بشكل عام السياسة المالية التي تتبعها الحكومة، وتوجهاتها الاقتصادية. وفي العراق، حيث تم بعد نيسان 2003 اصطناع الديمقراطية قبل بناء الدولة، وحيث الحدود بين الدولة والسلطة ما زالت غير واضحة، هذا لو كان ثمة تفكير في تحديدها أصلا، فان الموازنة العامة ربما يتم توظيفها من أجل مكاسب سياسية مباشرة، أكثر من تعبيرها عن إستراتيجية عمل مالية أو اقتصادية قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأمد. خاصة في ظل دولة ذات بنية اقتصادية ريعية بالكامل، حيث يقتصر دور الحكومة على أساليب وسياسات تدوير الريع النفطي داخل المجتمع.
 لقد صادق مجلس النواب في آذار الماضي على الموازنة الاتحادية لعام 2009. بعد نقاشات مطولة، وشد وجذب مع الحكومة، وإعادة الميزانية أكثر من مرة إلى وزارة المالية من أجل تعديلها، وبلغت 58 مليار دولار تقريبا، بعد تخفيضها بنسبة 7% عن تلك التي أقرتها الحكومة. وقد بلغت نسبة العجز في الميزانية نحو 16 مليار دولار، أي ما نسبته 27% من مجمل الموازنة.
إن العجز في الميزانية العامة في العراق مرتبط بهبوط أسعار النفط (تم حساب الميزانية على أساس 50 دولار للبرميل)، وكمية إنتاجه، كما هو مرتبط بالإنفاق العام. حيث تشكل الإيرادات النفطية بين 83 % و87% من الإيرادات العامة، أما الإيرادات غير النفطية فهي تغطي نسبة قليلة من مجموع الإيرادات، وأهم عناصرها الضرائب والرسوم الكمركية.
إن الإمكانات المتاحة أمام الحكومة لسد العجز تبدو محدودة جدا. فلا إمكانية حقيقية للعمل على زيادة الايرادات العامة اعتمادا على زيادة إنتاج النفط، أما السعي لزيادة الإيرادات غير النفطية فيتطلب قرارات تتعلق برفع الدعم عن الخدمات العامة مثلا، أو إعادة النظر بالدعم الخاص بالبطاقة التموينية، أو زيادة الضرائب المباشرة( الضريبة على الدخل والثروة) وغير المباشرة مثل الرسوم الكمركية. وهي قرارات قد تؤثر على شعبوية النخب السياسية بسلطتيها التشريعية والتنفيذية في لحظة تحضير لانتخابات عامة، ومن ثم لا مجال للتفكير فيها.
وليس ثمة حلول لمعالجة تضخم الإنفاق العام الذي يتطلب إستراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي طويلة المدى، ولا يمكن أن تؤتي ثمارها بشكل عاجل. خاصة فيما يتعلق بالتضخم غير المسبوق في أعداد العاملين في الدولة، فتبعا لبيانات الميزانية العامة ارتفع عدد الموظفين العاملين الذين يحصلون على رواتبهم من التمويل المركزي من 1.047 مليون وأربعة وسبعين ألف عام 2004، إلى 1.143 مليون ومائة وثلاثة وأربعين ألفا عام 2005، ليرتفع إلى 1.913 مليون وتسعمائة وثلاثة عشر ألفا عام 2006. أي بزيادة مقدارها 866 ثمانمائة وستة وستون ألفا خلال ثلاث سنوات، أي بما نسبته 82%. ثم يقفز الرقم تبعا لتصريحات السيد وزير المالية في مجلس النواب بتاريخ 15/10/2008 ليصل إلى 6.250 ستة مليون ومائتين وخمسين ألف موظف. أي بزيادة قدرها 5.203 خمسة ملايين ومائتان وثلاثة ألاف، أي بما نسبته 490% خلال خمس سنوات. نحن هنا بصدد أرقام لا يمكن معها التفكير بسياسات اقتصادية حقيقية في مجال إعادة الهيكلة، أو التفكير بإمكانية قيام تنمية حقيقية.
    لقد عمدت الحكومة التعتيم على مصادر تغطية العجز في الميزانية العامة في العراق. فلم تحدد بشكل صريح أنها ستعتمد على الاحتياطي العام. فالمادة 2/ثانيا من قانون الموازنة العامة الخاصة بالعجز نصت على أن) يغطى هذا العجز من المبالغ النقدية المدورة  من الموازنة العامة الاتحادية لسنة( 2008 . من دون الإشارة إلى حيازة هذه المبالغ.
ولا يتيح القانون العراقي للحكومة الاقتراض من الاحتياطي العام. فقد جاء في القانون الخاص بالبنك المركزي العراقي لعام 2004 (والذي يعرف بالأمر رقم 56 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة)، في القسم الربع الخاص بالعلاقة مع الحكومة، وتحديدا في المادة 26 المعنونة (حظر إقراض الحكومة) ما نصه: "لا يمنح المصرف المركزي العراقي أية اعتمادات مباشرة أو غير مباشرة للحكومة أو لأية هيئة عامة أو جهة مملوكة للدولة...".
 هذا فضلا عن أن الاقتراض من الاحتياطي العام مجرد خطوة ترقيعية لا أكثر، والسؤال هنا ماذا لو استمرت أسعار النفط على معدلاتها الحالية حتى العام القادم، خاصة في ظل مؤشرات قوية على انكماش عالمي، ومعدلات نمو منخفضة في اغلب البلدان الصناعية المستورد الأساس للنفط، وما قد يعنيه ذلك من اضطرار الحكومة إلى خيار الاقتراض الخارجي. خاصة في ظل عدم وجود أية خطوة حقيقية لاعادة النظر في السياسات الاقتصادية السائدة حاليا.
من هنا فان الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول: أن تعمد إلى الإطاحة برأس، أو رؤوس الجهات التي تصر على تطبيق قانون البنك المركزي الذي يحظر إقراض الحكومة، من خلال حملة شعبوية تتحدث عن تجاهل البنك لمشاكل (الشعب العراقي) المالية والاقتصادية، ومن ثم تعيين أشخاص (واقعيين) يقبلون بغض الطرف عن أي خرق قانوني. أي الإطاحة باستقلالية البنك، وهي سياسة منهجية تم تطبيقها أكثر من مرة.
الثاني: أن تعمد الحكومة إلى تعديل قانون البنك بما يتيح لها الاعتماد على الاحتياطي العام بوصفه مجرد خزينة إضافية للحكومة. بناءا على الثقافة الشائعة لدى النخب السياسية في العراق بأن القانون "مجرد سطر نكتبه ونمسحه" كما لخصها الرئيس الراحل صدام حسين.
وكلا الخيارين تكريس لغياب منطق الدولة في العراق.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  يحيى الكبيسي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni