... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
علي البزاز في ديوانه"بعضه سيدوم كالبلدان" : أسلحة البلاغة الشاملة

حسين بن حمزة

تاريخ النشر       30/05/2009 06:00 AM


نقرأ ديوان «بعضُه سيدومُ كالبلدان» (منشورات الغاوون) للشاعر العراقي علي البزَّاز، فنحسُّ بأننا مدعوون إلى شعرٍ أصعب مما هو شائع اليوم. إنه شعر بطبقات أدائية متعددة، وما يُكتب منه قليل مقارنة بإقبال أغلب الشعراء الجدد على قصيدة ذات بنية خيطية بسيطة. قصيدة البزاز ذات بنية ومكوّنات معقدة. قارئها لا يستطيع أن يغفل عن جملةٍ أو يقفز بسرعة من سطرٍ إلى آخر، ولا حتى من كلمة إلى كلمة. ثمة أداء لغوي قوي استُخدمت فيه معظم «أسلحة البلاغة الشاملة». ترك البزاز العراق منذ 1991، ويقيم في هولندا حالياً. كتب بالهولندية ونشر أربع مجموعات شعرية. أرجأ الشاعر النشر بالعربية، وها هو يدفع بأربع مجموعات ليضع بين أيدينا كتابه الشعري الأول الذي لا يشبه البواكير الشعرية. ما نقرأه يوحي أن صاحب الديوان يفضِّل خياراتٍ معينة على خياراتٍ أخرى. هناك شغلٌ حثيث وعناية لغوية على جعل كل عبارة شعراً أو ممارسة شعرية مكتفية بنفسها. لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن معظم نصوص علي البزاز عبارة عن صور واستعارات متواصلة. لا نعثر على ذلك النوع من الجمل التي تكون مهمتها ربط صورة بأخرى أو تمهِّد لاستعارة لاحقة. وظيفة كل جملة هنا هي أن تحوز أقصى شعرية ممكنة.
الشعر، بهذا المعنى، يصبح عملاً بدوام كامل. الشاعر لا يتراخى في الكتابة، ويفترض قارئاً لا يتراخى في التلقّي. في أحد المقاطع، يكتب الشاعر جزءاً من «وصفة» الكتابة التي يحبِّذها: «أعرف من تبرُّج الحجر إرثاً سافر التقاليد، ومن عتيقِ الشعر الشاعرَ المسبوقَ دائماً بالإنشاءِ غير مبالٍ بالعمقِ المحسَّن للنص مبتهجاً بأنه طافٍ. هذا الشاعرُ هو نسيمٌ منزوع الهبوب». نزع الهبوب من النسيم يشبه ما نقوله عن الطعام الخالي من الدسم. الدسامة، على أي حال، قد تكون صفة لائقة بكتابة يبالي صاحبها بـ«العمق المحسّن». وهي صفة تنتقل عدواها إلى عناوين القصائد أيضاً، كما هي الحال في عناوين مثل: «حجارةٌ يدوم سرورها» و«المنابر تعدّدُ مناقبَ صوتكِ» و«إبقي ساهرةً أيتها الزينة». القصد أن العناوين محكومة بمعجم القصائد إلى حد أن بعضها يصلح سطراً أو استعارة داخل القصائد. الشاعر يُرينا خصوبة هذا المعجم وثراء مفرداته.
«أيها السطح ضعْ العمقَ شرطاً يسطع»، يقول في قصيدة بعنوان «الوقاية من حريرٍ غير معبَّدة نعومتهُ». هذا أيضاً تعريفٌ لما يفضِّله الشاعر في الكتابة. هدفٌ كهذا يستدعي تقنياتٍ وحِيَلاً وألاعيب لغوية عديدة. الانزياح حاضر بكثافة هنا، إذْ كثيراً ما يقترح الشاعر معانيَ بديلة أو إضافية للمفردات. لا يُفاجئ القارئ بتركيبات لغوية مثل: «ها هم رُعاع الكتابة قادرون على جعل الجناح السفيه يرفرف» أو «العراء يربي شساعته» أو «صوتكَ كالبذار جُلُّ أمانيه الخُضرة». الانزياح يورِّط اللغة في نوع من السريالية الخفيفة أيضاً، فنقرأ صوراً مثل: «لا تنظر إلى الزهرة بنظرةٍ بدينة/ سرْ مع نحولها» أو «رجالٌ كالحصرم ضاعوا من أجل العنب».
يذكرنا البزاز بسليم بركات. هذا لا يقلل من شأن تجربته الشابة، لكنّ الدسامة المعجمية والتدفق اللغوي والاستعارات الغزيرة تحيلنا إلى «فنٌّ شعري» ممهورٍ بإمضاء الساحر الكردي الكبير.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حسين بن حمزة


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni