... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
تاريخ العرب في الإسلام لجواد علي:إياكم والدوغمائية لأنها مقبرة العقل

خالد غزال

تاريخ النشر       09/08/2009 06:00 AM


يعاني التاريخ الاسلامي معضلة كتابته وتدوينه، وخصوصا منه السيرة النبوية. تتنوع الكتابات حول السيرة وتتناقض في مضمونها ومراجعها بين مؤرخين قدامى ومحدثين، بعدما خضعت لشتى انواع الاجتهادات، وادخلت عليها مظاهر كثيرة لا تمت الى الواقع التاريخي بشيء، وغلّبت الاسطورة واحيانا الخرافات حول النبي وتجربته، بما اساء الى شخصية الرسول تحت حجة المبالغة في تعظيمه وتمييزه عن سائر الانبياء والبشر. يدور صراع منذ قرون على الوجهة التي يجب اعتمادها في كتابة التاريخ العربي زمن الاسلام، ويشدد المؤرخون الموضوعيون على ضرورة الحذر في اعتماد المراجع، واخضاعها للتمحيص العلمي من اجل الوصول الى كتابة تاريخية قريبة الى العقل والمنطق ولا تسيء الى الاسلام ورسوله. يمثل كتاب المؤرخ العراقي جواد علي، "تاريخ العرب في الاسلام، السيرة النبوية"، الصادر عن "دار الجمل"، إحدى المعالجات التي تضع يدها على مشكلة تدوين هذا التاريخ.
يشير جواد علي الى النظرة السائدة عن الاسلام بوصفه دينا عاجزا عن مواكبة الحضارة والعصر، ومسؤولا مسؤولية مباشرة عن تخلف المجتمعات العربية والاسلامية، وبقائها اسيرة التقاليد والموروثات الخارجة عن التاريخ. تتركز هذه النظرة لدى المستشرقين والكتّاب الغربيين، الذين يصدرون عن نظرة عنصرية اكثر منها قراءة موضوعية للاسلام وعلاقته بمجتمعاته. لكن الكاتب لا يهرب من تحميل التاريخ العربي والاسلامي والاشكال التي كتبت به، من بعض المسؤولية عن النظرة السائدة حول تاريخ العرب في الاسلام.
تكمن المعضلة الاساسية في هذا التأريخ، ومعه تاريخ النص الديني وسيرة الرسول منها، في فقدان الوثائق التاريخية التي يمكن الاستناد اليها في التدوين. يفتقر المؤرخون في ابحاثهم الى وجود نصوص تعود الى زمن الدعوة الاسلامية الاولى في القرنين السادس والسابع الميلاديين، لها علاقة بسيرة الرسول وبكيفية انتشار الاسلام في تلك المرحلة. حتى "القراطيس والالواح التي دوّن عليها القرآن، لم يبق منها شيء مع اهميتها وقدسيتها"، كما لم يبق اي اثر لنسخ المصاحف التي كان الصحابة قد كتبوها. كما اختفت الكتب والرسائل التي كتبها الرسول الى الملوك والرؤساء والقبائل، وكل ما وصل الينا مكتوب بعربية القرآن الفصحى، فيما لا وجود لأي نص مكتوب بلهجة عربية اخرى. الاسوأ من ذلك فقدان كل ما جرى تأليفه في العصر الاموي حول سيرة الرسول. فقدان الاصول التاريخية هذا، يسمح بكتابات بعيدة عن الواقع ويتيح اختلاق تاريخ مزور يحمل من الاضاليل اكثر من الحقائق.
يلقي جواد علي الضوء على كون قراءة التاريخ الاسلامي وتدوينه، جاءا على ايدي رجال دين مسيحيين في الزمن القديم، ومستشرقين في العصر الحديث. وهي كتابات يرى الكاتب انها تفتقر الى الكثير من الموضوعية وتحمل في ثناياها آثار التعصب الطائفي والصراع الذي دار خلال الفتوحات الاسلامية والسيطرة على مناطق وشعوب كانت تقول بالمسيحية او اليهودية. فيوحنا النيقي اعترف بارتداد المصريين عن المسيحية والتحاقهم بالاسلام الذي يراه دين اعداء الله وعبدة الاصنام. وفسر يوحنا الخلقدوني انتصار الاسلام على النصرانية بأنه عقاب من الرب للنصارى لابتعادهم عن دينه القويم. والقديس يوحنا الدمشقي كرس ابحاثا كثيرة لارشاد المسيحيين الى دينهم الصحيح ورد الشبهات الناجمة عن انتشار الاسلام في بلاد الشام، ووسم الاسلام بالهرطقة، واعتبر ان الرسول محمد تعلم من التوراة والانجيل. اما المستشرقون فقد اخذوا بالروايات الاسرائيلية حول الرسول وانتشار الاسلام وابتعدوا عن النقد العلمي في كتابة التاريخ عن العرب والمسلمين.
جوابا عن فقدان الاصول التاريخية والمراجع الموثوق بها لكتابة سيرة الرسول محمد، وردّاً على اتهامات المؤرخين غير المسلمين، يرى جواد علي ان هناك كتابا وحيدا ثابت الصحة يعود الى الزمن الاسلامي الاول، اي القرآن. فهو الكتاب الوحيد يسلّم العرب والمسلمون بصحته ويعتمدونه المرجع الاساس في معرفة العقائد وبوصلة الهداية الدينية، لان الاحاديث النبوية التي يصنفها المسلمون مرجعا اساسيا في الدين الاسلامي خضعت للكثير من التأويلات والتشويه الناجم عن اختراع الفرق والقوى السياسية المتصارعة بعد وفاة الرسول. لذا يبقى القرآن المرجع الوحيد يمكن الاعتماد عليه في تدوين سيرة الرسول من دون تلفيق ولا تزوير.
واذا كان القرآن يشكل المرجع الاساس في كتابة التاريخ العربي والاسلامي وعلى الاخص منه سيرة الرسول، فان الكاتب ينبه الى التشويه الذي اصاب القرآن على يد المسلمين انفسهم، من خلال تفسير الكثير من آياته بما يناقض الحقائق الدينية والانسانية التي قال بها. في هذا المجال يرفض الكاتب ما ألحق بالرسول من كتابات حول الخوارق والمعجزات التي اتى بها، وهي روايات مخالفة لما جاء في نص القرآن، مشدداً في هذا المجال على وجوب التعامل مع القرآن بوصفه "كتابا الهيا، نزل هاديا ونذيرا، ولم ينزل ليعلم الناس الكيمياء والفيزياء وما الى ذلك من علوم".
يقف العرب والمسلمون امام تحديات فعلية في كتابة تاريخهم وخصوصا منها ما يتعلق بالنصوص الدينية والتراث المتعدد الجانب، ادبيا ودينيا وفلسفيا، بما ينفي عنه الاسطرة والخرافات، بل بما يسمح بالافادة منه. لن يكون ثمة مفر امام العرب والمسلمين من قراءة نقدية للتراث وغربلته ووضع كل ما يتنافى مع المنطق والعقل جانباً، بما يسمح بالتخلص من الرهبة القدسية التي اسدلت على هذا التراث ووضعته في خانة الكتب السموية، وهو امر ترتب عليه الجمود في النظر الى التاريخ الاسلامي وكيفية قراءته. كانت هذه القراءة النقدية احد الشروط في النهضة الاوروبية وخروج الغرب من عقلية القرون الوسطى، وهذا ينطبق ايضا على مجمل التراث العربي والاسلامي كشرط لدخول هذه المجتمعات في التاريخ والعصر.  


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  خالد غزال


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni