... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
من دفتر ثمامة البخيل

علي السوداني

تاريخ النشر       17/09/2009 06:00 AM


اما وقد جارت الأيام علينا وحرنت وتسخمت الليالي وشح المكتال ، فلقد جاء بي دهري الى غريفة حقيرة صغيرة زنزانة تتزنزن ، نصفها سرير خشب تالف يوصوص حال المتكأ ويوزوز سويعة النوم ، وربعها مرحاض - أجلكم الرب العالي الرحيم - تتنزل من سقفه ممطرة تسميها الأفرنجة والمدن دوشاَ ودشّاَ بلكنة المتدلعين و " شاوراَ " تقال مموسقة ستراَ ووجاهة وتبغدداَ وبطرنة ، واما ما بقي من ارض الغريفة فتستدق فوقه منضدة مساحتها كتابان ومرمدة تبغ وبطل عرق وكأس وصحن لبن وخيار مثومة اطلق عليها اهل سومر وبابل وآشور وما حولها اسم " جاجيك " ومقعدان الجلوس فوقهما ضرب من الشغل الثقيل ، واحد لك والثاني لصاحب القصر ومالك الغريفة ساعة يشتهيك والشهوة هنا هي ليست ما درجت عليه أخبار العوام والدهماء والظرفاء في تفكيه السهر وتمريح النفر وتمليح الدهر مما اندرج تحت باب التنكيت والتطريف كلما جيء على ذكر كنية المطرب الشعبي الفذ العبقري المعمولة حنجرته من ذهب مصفى ونعمة ورحمة وبركة ، سعدي الحلي الذي من تركاته الخالدات الماجدات الساحرات " عشق اخضر " و " ليلة ويوم " و " يا مدلولة " انما يأتيك الرجل لفائض لغو وضيق صدر ورزمة ورق مرصوصة فوقها قصة فيقول لك اقرأها تفز ، فتقرأها اذ ليس بمستطاعك ان تقول : ما انا بقارىء فتجدك في الصبح من الخاسرين . الرجل وقد طفر الستين بتسعة ، اسمه ثمامة من دار بني ضمرة من فخذ كنعان ويكنى بأبي صخر وقد نزل بعمّان قصراَ مهيباَ يسر النظارة وتطل شبابيكه وشرفاته على جنة تنبت فيها اشجار التين والخوخ والزيتون والرمان وعرائش من عنب الخليل الذي جاء على ذكره في معلقة حلوة شاعر محدث فحل ذكي بحّاثة اسمه عز الدين المناصرة ، وكذلك أفاريز واماريز ورد وزهر ومتسلقات خضراوات وبنفسجيات وستر من ياسمين ومشتولات من شوكيات جلّ من خلق وسوى . وثمامة هذا كان الله ابتلاه بلاء صحبة صعاليك ادباء من منزلة الفحول ، ومتأدبين وعيّارين انداحوا من بلد ما بين النهرين ، سنوات قحط وجدب ومرض وموت ، فنزلوا واستتروا تباعاَ في تلك الغريفة فقال كل واحد منهم : والله يا ثمامة انك لعلى علم غزير وشعر مطير وقصّ ما جاء به أول ولا أخير ، حتى صار وجه الرجل قمراَ يتبارك بنوره فصار هو يكتب وهم يمحصون ويصححون ويجمّلون لقاء نوم لا يكلف قرشاَ ولا دينارا . وكنت سألته مرة : يا ابا صخر وعمرو ، لم لا تزحزح مرحاض الغريفة كمشة أشبار فتجعله خارجها ؟ قال : انما كل مدقوقة بسعرها فأنت ان اكرهت على تضييف صاحب تائه فلسان كحيان ونام عندك ليلة فلن تراه قط وقد استعمل مرحاضك خشية ولوج تنغيمات ظرطاته وعفطاته وحسراته الى مسمعيك وفي ذلك - هداك الرب وعلّمك - مربحة ماء ومبعدة جيفة . فقلت وقد وجدت انه سدّ وأغلق بالرصاص نصف عيون منزّل المياه فوق الجسد : وهذه ما تأويلها ؟ قال : هي من اختها وفيها ستستحم بنصف سطلة ماء فيتنظف بدنك كما لو انه جلي بسطلة متروسة . قلت : وما لي ارى اليك وقد سجنت عناقيد العنب بأكياس لا تثقبها انشطارات الألكترون ومخصبات النيترون ؟ قال تلك من مقتربات الأثنتين الفائتتين فالزرازير والعصافير تتربص الدانيات الداليات الناضجات فتأتيها بمقتل فنخسر متعة أكل ومص عنب الخليل ، وكرع نقيع ما زاد منه وتعتق في الدنان والبساتيق . قلت الغرفة - باركتك الآلهة - من دون شباك ومنفس . قال : فأما شتويتها فدافئة رحيمة بلا نار ولا حطب واما صيفيتها فستستجلب ريح الشمال من فتح بابها ورش تراب أعتابها . قلت ان أمواه التحميم باردة ونحن في كنف شتاء جحيل . قال : هذا لكي لا تتلذذ بساخن الماء فتخدر جثتك ويطيب لك المقام فينفد ماؤك فتخرج بعدها الى الناس وفي فمك مباءة مدوخة وعينك قذى وماعونك نملاَ ولحيتك مدسمة ، فتفر منك القوم وتجارتك تبور وتزدريك امرأه عرجاء وتكرهك سليمة البائرة فينقطع نسلك وتموت من قهر ومن  مهانة ، فاعقل وتوكّل وارض بقسمة الله انه مولاي ومولاك والناس اجمعين !!
alialsoudani61@hotmail.com    


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  علي السوداني


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni