... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
النظام السياسي والممارسة السياسية

د. يحيى الكبيسي

تاريخ النشر       04/10/2009 06:00 AM


بني النظام السياسي في العراق على أساس نموذج "أكثروي" ـ نسبة إلى الأكثرية ـ ، وليس ثمة "ديمقراطية توافقية" دستورية أو قانونية أو عرفية من أي نوع، كما اشرنا في مقالة سابقة. والسؤال الذي يطرح هنا، ما النظام السياسي الذي يحكم "الدولة العراقية" المفترضة اليوم؟
بعيدا عن الاستخدام السياسي المباشر للدستور كأداة في الصراع على السلطة والثروة، في ظل التعمية الشديدة التي صيغت بها مواد الدستور المختلفة، خاصة الخلافية منها ، والتي أتاحت وتتيح للقوى الأساسية التي صاغت ومررت هذه المواد اعتماد تأويلاتها الخاصة في التفسير تبعا لما تسمح به موازين القوى، وبعيدا عن أية مرجعية، من خلال ما لاحظناه من تحييد واضح للمحكمة الاتحادية العليا المسؤولة حصريا، تبعا للدستور عن "تفسير" مواده (لنتذكر موقفها من قضية تفسير مفهوم الأغلبية فيما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب والتأجيل المتكرر في البت بالقضية، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك في مجلس النواب، بل إن المجلس نفسه ومجلس الرئاسة معا، أطاحا بتفسير المحكمة الدستورية العليا بشأن الكوتا النسوية في مجالس المحافظات من دون أن تثار أية قضية تتعلق بانتهاك هذه السلطة الحصرية الخاصة وما يثيره ذلك بشأن الفصل بين السلطات).
 بعيدا عن ذلك كله، يبدو واضحا أن الدولة العراقية لم تعتمد إلى حد اللحظة نظاما سياسيا يمكن أن نصفه بأنه عقد اجتماعي جامع.  لقد فشل دستور 2005 في ذلك بشكل مريع، وكانت الحرب الأهلية غير المعلنة في العامين 2006ـ2007 مؤشرا كبيرا على هذا الفشل. لهذه وجدنا النخب السياسية، التي سوغت التوقيتات الأمريكية الخاصة بالسقف الزمني لكتابة الدستور، والتي كانت عراب الصيغة الأخيرة له، وجدناها نفسها تعمد إلى صيغ بديلة، أو في الأقل، موازية لما افترضته "دستورا دائما"! بدأ الأمر مع الصفقات الخاصة بالرئاسات الثلاثة في بداية عمل مجلس النواب الحالي، وهي توافقات لا يمكن أن نعدها أعرافا متفقا عليها (كما هو الحال في لبنان مثلا)، على الرغم من بعض المحاولات لتثبيتها على أنها كذلك. إذ لا يمكن للسنة العرب قبول منصب رئاسة مجلس النواب على انه منصب مخصص لهم، خاصة مع خلو المنصب من أية صلاحيات حقيقية، بل إن بالإمكان تجاوزه بسهولة، كما حصل من خلال دعوة احد النائبين لعقد جلسة ما.  فضلا عن تطلعهم بقوة إلى منصب رئيس الجمهورية في الدورة القادمة على أنه استحقاق طبيعي لهم، وهو ما عكسته الكثير من التصريحات بهذا الشأن، خاصة في ظل الحديث المتواتر عن تعديل صلاحيات الرئيس ضمن التعديلات الدستورية المقترحة.
 الخطوة الثانية تمثلت بتشكيل ما أطلق عليه "حكومة الوحدة الوطنية"، من خلال إشراك القوى الرئيسة الممثلة "لمكونات اجتماعية" بها. ولكن من دون وجود محددات أو أطر عمل واضحة، لا سيما في ظل التماهي بين الفعاليات السياسية والمكونات الاجتماعية. هكذا ظلت الحكومة تصف نفسها بأنها حكومة وحدة وطنية، حتى بعد انسحاب أكثر من ثلث أعضائها لمدة زادت عن العام ونصف! في ظل تصريحات متواترة عن أن هذا التشكيل كان نوعا من "التنازل" من "الأكثرية" لحقها الدستوري الواضح! وتصريحات أخرى عن "تفرد" السيد رئيس الوزراء بالقرارات الحاسمة، خاصة المتعلقة بالقضايا الأمنية، وهي مصدر رئيس للخلافات.
كانت الخطوة الثالثة بهذا الشأن إنشاء ما أطلق عليه "المجلس السياسي للأمن الوطني" لمدة دورة واحدة فقط، كما جاء في مشروع المجلس المشار إليه. وهو مجلس استشاري على الرغم من الحديث عن "قرارات يصدرها بأغلبية الثلثين"، فهذه القرارات إذا كانت تتعلق بالسلطة التشريعية، تصبح مجرد "مقترحات أو مشاريع قوانين" للنظر فيها. وإذا كانت تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، وجب أن تقترن "بموافقة رئيس الجمهورية". وإذا ما تعلقت بصلاحيات رئيس الوزراء، لزم أن تحظى "بموافقته".
 وقد فشل المجلس، في الواقع، في تغيير الإشكاليات القائمة في بنية النظام السياسي الحالي، هكذا وجدنا المجلس لا يلتزم بما نص عليه مشروع إنشائه نفسه، والمتعلق بعقد اجتماعاته بشكل دوري كل ثلاثين يوما! ببساطة لأن المجلس لم يكن جزءا من رؤية أشمل تتضمن الاعتراف، بدءا، بعجز النظام القائم على إدارة الدولة.
ولكن البعض قد يجادل بأن هناك نوعا من "التوافقات" تظل متحققة فيما يتعلق بتصديق مجلس الرئاسة، على الأقل في الدورة الحالية، وفيما يتعلق بـ "توزيع" الوظائف العامة. بالنسبة للأولى يمكن لأي من أعضاء مجلس الرئاسة الثلاث، عدم التصديق على القوانين التي يقرها مجلس النواب، كما حدث مثلا في رفض قانون انتخابات مجالس المحافظات بصيغته الأولى، بسبب محددات انتخابات محافظة كركوك. ولكننا نعرف أن هذا "الفيتو" الرئاسي ليس نهائيا، إذ يمكن لمجلس النواب تجاوزه (ينظر المادة 135/خامسا/ج). بل إن الدستور نفسه تجاوز مثل هذه الصلاحية، بداية في المادة (138/خامسا/أ( المتعلقة بواحدة من أكثر المواد خلافية، حيث استثنى المادتين (118) و ((119، الخاصة بتكوين الأقاليم، من شرط تصديق مجلس الرئاسة!. أما فيما تعلق بالتوافقات الخاصة بالتوازن في الوظائف العامة، فيبقى الأمر رهنا بإرادة القوى الفاعلة وليس نتاجا لنصوص أو أعراف متفق عليها. هكذا وجدنا السلطة التنفيذية تعمد إلى التحكم بهذا الملف في المسائل التي تراها غير قابلة للتوافق، ومراجعة التعيينات في مختلف المجالات،  الأمنية والعسكرية بخاصة، تعكس ذلك بوضوح.
أخيرا، وعلى مستوى الممارسة السياسية، لا النظام السياسي، أقول أننا لسنا بإزاء شيء من الأسطورة العراقية حول "الديمقراطية التوافقية" .


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. يحيى الكبيسي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni