... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
أنثوية العلم في الوطن العربي

محمد عارف

تاريخ النشر       04/10/2009 06:00 AM


كانت تلك مناسبة علمية فريدة تَطابَقَ فيها عنوان المحاضرة، وموضوعها، وشخصية المحاضر. عنوان المحاضرة التي ألقيت في مقر "الجمعية الملكية" في لندن: "جواهر بلاد العرب السعيدة"، وموضوعها تأثير العلم العربي على العلوم في بريطانيا في القرن السابع عشر، والمحاضر: ريم تركماني، عالمة سورية في فيزياء الفلك، جميلة المحيا في الثلاثينيات من العمر، وأم حامل في الشهر الثامن من الحمل.

مشهد لم تره "الجمعية الملكية" التي تُعتبر أكاديمية العلوم في بريطانيا منذ تأسيسها قبل خمسة قرون. ومضت أربعة قرون على مقالة عثرت عليها الباحثة العربية منشورة في مجلة "الجمعية الملكية" عام 1768 عن نساء من بادية الشام علّمن عالماً إنجليزياً طريقة التلقيح ضد الجدري، وتسعة قرون على أول عالم إنجليزي، اسمه "أدلارد أوف باث"، درس العلوم في المنطقة العربية في القرن الثاني عشر الميلادي، وعاد لينصح زملاءه الإنجليز: "العلماء العرب الذين تتلمذت على أيديهم علّموني أن أتبع العقل والمنطق، فيما تعلمتم أنتم الانقياد برسن صورة متحجرة لسلطة عتيقة". والإشارة هنا واضحة، حسب الباحثة العربية، إلى سلطة الكنيسة في العصور الوسطى.

المرأة المناسبة في المؤتمر المناسب. هكذا بدت ريم تركماني في "المؤتمر الأول للمرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا" الذي عُقد هذا الأسبوع في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة. حضور العقل النسائي العلمي في المؤتمر الذي نظمته "المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا"، كان أقوى من التراتبية الهرمية التقليدية للمؤتمرات العربية، وعدد نساء العلم المشاركات كان ضعفي الرجال؛ أربعون مقابل عشرين.

والأرقام وحدها لا تعبر عن قوة حضور نساء العلم في المؤتمر الذي استقصى مساهمة المرأة العربية في برامج البحث والتطوير، وأعمال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبراءات الاختراع، والجوائز المخصصة لمشاريع نسائية ريادية في قطاع العلوم والتكنولوجيا، وشبكات ربط نساء العلوم والتكنولوجيا داخل العالم العربي وخارجه. وتعرف المؤتمر على قصص مشاهير نساء العلم في المنطقة عبر التاريخ، كعالمة الرياضيات والفلك والفلسفة "هيباثيا"، الإسكندرانية التي تعتبر أول شهيد للعلم. وقد عرض مهرجان "كان" السينمائي الأخير فيلماً عن قصة حياتها، واغتيالها على أيدي متعصبين دينيين في القرن الرابع الميلادي.

وكشفت أبحاث المؤتمر عن دخول المرأة العربية مختلف ميادين العلوم والطب والهندسة، وفي مجالاتٍ نظريةٍ وتطبيقيةٍ، تمتد ما بين الرياضيات وفلسفة العلوم، إلى إنشاء وإدارة شركات وأعمال علمية وتكنولوجية، وقيادة مؤسسات على مستويات محلية ودولية. ويستحيل الآن وجود ميدان علمي، أو تكنولوجي لم تطرقه المرأة العربية، من الهندسة بمختلف صنوفها، كالمعمارية والمدنية والميكانيكية والإلكترونية، إلى الهندسة الزراعية والبيولوجية، وهندسة النفط والاتصالات والمعلومات، والطب بجميع تخصصاته التقليدية والمستحدثة، البيطرية والبشرية، وفي علوم المرض والصحة والجراحة والأدوية، وحتى الطب الجيني والجزيئي والإحصائي. وكذلك علوم الكومبيوتر، والبيولوجيا، والكيمياء، والفيزياء، والفلك، والفضاء، والجيولوجيا.

ويبدو تقرير "منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم" (اليونسكو) حول الموضوع قاصراً عن الإحاطة بالمساهمة النسائية في العلوم والتكنولوجيا. موضوع التقرير الذي أعلن في المؤتمر "العلم والتكنولوجيا والبعد الجنساني". ومفهوم "الجنوسة" gender يحاول تجاوز عمومية كلمة "النوع" الفضفاضة، وكذلك خصوصية كلمة "الجنس" التي تعني الفوارق البيولوجية. ولا يعود التباس تقرير "اليونسكو" إلى عنوانه، بل إلى خلوه من بحث أوضاع نساء العلم في الطب والزراعة والعلوم الاجتماعية. ومعروف عربياً وعالمياً أن المجالات الطبية تحظى بأكبر مساهمة نسائية.

ولعل قصور التقرير يعود إلى صدوره عن "قطاع العلوم الطبيعية" في "اليونسكو"، البعيد عن الطب الذي يُعتبر أكثر العلوم عناية بالمرأة ومعرفةً بأوضاعها. وهذا الخلل البيروقراطي للمنظمة الدولية يجعل شعار شركة صناعات مستحضرات التجميل الفرنسية "لوريال" يبدو كالنكتة: "لأنكِ تستحقينه"؛ الشعار التجاري الرئيسي للشركة التي تمول الجائزة العالمية لنساء العلم "لوريال -يونسكو"، والمقصود به تصوير كرم تغطيتها لجميع جوانب جمال المرأة، وسخاء أسعار مستحضراتها!

ولا ينكر السخاء في مبلغ الجائزة، وهو مائة ألف دولار، والتي فازت بها خمس نساء من العالم العربي، ثلاثة منهن طبيبات: نجوى عبد المجيد، أستاذة الوراثة البشرية بالمركز القومي للبحوث في القاهرة (2002). وحبيبة بوحامد شعبوني، أستاذة الطب الجيني في "جامعة تونس" (2006). ولحاظ الغزالي (العراق)، أستاذة طب الأطفال وعلم الجينات، بكلية الطب في "جامعة الإمارات" بالعين (2008).

وتزيد عن الربع نسبة نساء الطب والعلوم الطبية المساهمات في المؤتمر، وبينهن سليمى البرواني عضو مجلس الدولة في عُمان، وهي أستاذ مشارك في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة قابوس، وبديعة اليوسي، رئيسة مختبر علم الأدوية والصحة البيئية في جامعة سيدي محمد بن عبدالله بمدينة فاس، وسميرة إسلام، رئيسة وحدة مراقبة الأدوية، في "مركز الملك فهد للبحوث الطبية" بجامعة الملك عبدالعزيز في جدّة، وأمينة رحو، رئيسة "مؤسسة الحسن الثاني لطب العيون" في المملكة المغربية، وياسمين التويجري، رئيسة قسم الإحصاء البيولوجي في "مستشفى الملك فيصل التخصصي" في الرياض، والطبيبة المصرية نادية العوضي، التي ترأس "الاتحاد العالمي للصحفيين العلميين".

ويحتاج التعريف برفيعة عبيد غباش، والتي رأست "جلسة دعم نساء العلم" في المؤتمر، إلى الأسلوب العربي القديم المستفيض في ترجمة الحياة. فهي طبيبة من الإمارات، ومحللة نفسانية، وباحثة علمية واجتماعية، وأديبة، وصحفية، وأستاذة جامعية، وأول عميدة لكلية طب في العالم العربي، ورأست للسنوات الثلاث الماضية "جامعة الخليح العربي"، و"شبكة المرأة العربية للعلوم والتكنولوجيا".

وعلى خلاف النظرة السائدة، فإن هوية رفيعة غباش كامرأة، هي أقلّ انتماءاتها شأناً بالنسبة لها. وهذه مفاجأة مربكة أحياناً، خصوصاً لمن يتعامل معها باعتبارها امرأة عربية. فالأسئلة التقليدية عن صعوبات تواجهها المرأة العربية إنْ أرادت شق طريقها في العلم، تثير مرحها وامتعاضها أحياناً. حدث هذا في لقاء مع مراسل إذاعة عالمية فوجئ بقولها: "كل شخص يسألني: ما هي التحديات التي أواجهها كامرأة"! لتقول: "كامرأة، كل الصعوبات تذوب أمامي". وذكرت أن المسؤولين في المنطقة يحترمون المرأة العاملة، ويسعدها الاعتراف بأنها استفادت من وضعها كامرأة في تحقيق مكاسب لـ "جامعة الخليج العربي".

ولا "جنوسة" للعلم الذي يعني في أوسع معانيه البحث عن المعرفة والحقيقة. تذكر ذلك ليندا جين شيفرد، مؤلفة كتاب مشهور صدرت طبعته العربية بعنوان "أنثوية العلم". وتقول الباحثة الأميركية التي ساهمت في المؤتمر أن الرجل ليس هو الإنسان، وليست الذكورية مرادفة للإنسانية، وليست المرأة جنساً آخر أو نوعية أدنى من البشر. وتعتبر ليندا شيفرد، وهي عالمة كيمياء حيوية الذكورة والأنوثة جانبين جوهريين للوجود البشري، لكل منهما خصائصه وسماته ودوره، وتتكامل جميعها في سائر جوانب الحضارة الإنسانية، وعلى رأسها العلم. وفي "أنثوية العلم" يتكامل الرجال، حسب تقديرها مع الجانب الأنثوي في نفوسهم، وتتكامل النساء مع الجانب الذكوري في نفوسهن.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  محمد عارف


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni