... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
عودة العرب والصينيين إلى "طريق الحرير"؟

محمد عارف

تاريخ النشر       14/10/2009 06:00 AM


كشجرة عملاقة أصلها في المنطقة العربية وفرعها في الصين، يمتد "طريق الحرير" الذي كان يربط، ولآلاف الأعوام، الشبكة البرية للتجارة الدولية. النهوض الاقتصادي المتلاحق للصين، ووتائر النمو السريعة التي سجلتها البلدان العربية المنتجة للنفط... هل تعيد الحياة إلى هذا الطريق الذي يمتد ثمانية آلاف كيلومتر، من مدينة "خيان" في الصين إلى اسطنبول على البحر المتوسط؟ مشاريع وسيناريوهات عدة، تكنولوجية واقتصادية ومالية وسياحية، مطروحة حالياً عليه، والرهان فيها جميعاً على العرب، سادة "طريق الحرير" الذين كانوا ينقلون السلع عبر المسافات الشاسعة بين بلدان قارات آسيا، وأوروبا، وإفريقيا.

قرار أبوظبي هذا الأسبوع إنشاء "شركة الاتحاد للقطارات"، هل يعيد وصل منطقة الخليج بطريق الحرير؟ تبلغ الكلفة الأولية للمشروع حوالي ثمانية مليارات دولار، وهو جزء من "القطار الخليجي" الذي سيربط بين دول "مجلس التعاون" الست، وتبلغ كلفته حوالي 25 مليار دولار. تتحمل كل دولة كلفة الجزء المار في أراضيها من المشروع، والذي يبدأ تنفيذه العام المقبل. ويبلغ طول سكة القطار داخل الإمارات ألف ومائة كيلومتر، وهي تمتد ما بين مركز "الغويفات" على الحدود مع السعودية غرباً، ونقطة الحدود مع سلطنة عُمان شرقاً. والقطار ليس مجرد وسيلة نقل، بل سكة تربط، على غرار محطات "طريق الحرير"، مدينتي "زايد" و"ليوا" في أبوظبي مع باقي المناطق الاقتصادية داخل الإمارات والعالم.

و"طريق الحرير" لم يكن قط طريقاً واحداً بل آلاف الطرق الصغيرة التي تنبض بالحياة كشرايين وأوردة الجسم عبر المساحات الشاسعة للصين وبلدان آسيا الوسطى والعالم العربي. ونادراً ما كان التجار يقطعون المسافة كلها من الصين حتى البحر المتوسط، بل كانوا يتبادلون البضائع مع مدن قريبة على الطريق، تشكل السلسلة التي كانت تحمل الحرير الصيني إلى العالم العربي وأوروبا.

وإذا أمعنا النظر في أسماء المدن والبلدان التي يمر بها "طريق الحرير" نجدها سلسلة في ما يُسّمى "الممر الإسلامي"، بدءاً من نقطة انطلاقه داخل الصين، في مدينة "كاشغار"، مروراً بمدن بيشكك في قرغيزستان، ودوشانبه في طاجكستان، وطشقند في أوزبكستان، وأستانا في كازاخستان، وإسلام آباد في باكستان، وكابول في أفغانستان، وأشخباد في تركمانستان، وطهران في إيران، وبغداد في العراق، ودمشق في سوريا، وبيروت في لبنان، حتى أنقرة في تركيا.

"رحلة لا تُصدّق" على "طريق الحرير"، حسب الدليل السياحي الجميل الصادر بالإنجليزية عن فضائية "ديسكفري". فالطريق مطرز كالسجاد الإسلامي بالمناظر الطبيعية لأنهار اليانغتسي ودجلة والفرات، وجبال وهضاب "التبت"، وسلسلة جبال "كيليان" المكللة بذرى ثلجية أبدية، وجبال زاغروس في تركيا التي تنحدر إلى وادي الرافدين، والصحارى المشهورة بأسمائها الموحية، مثل "الربع الخالي" في شبه الجزيرة العربية، وصحراء "تاكلامكان" وتعني "درب الصّدْ ما رَّدْ" والتي تبلغ مساحتها 270 ألف كيلومتر مربع، وتتناثر حولها واحات كالجواهر الخضراء.

وكما يدل اسمه شهد "طريق الحرير" قوافل التجارة بالحرير، والبخور، والعطور، والتوابل، والأحجار الكريمة. وارتبطت أزهى عصوره بازدهار الحضارة العربية الإسلامية، عندما أصبح الطريق الرئيسي للتجارة الدولية وقوافل الحج إلى بيت الله الحرام. وترن الأسماء السحرية لمدن الطريق في المخيلة العالمية، مثل "بلخ" و"أصفهان" و"حلب" و"الموصل" التي يُسمى باسمها نسيج "موسلين" Muslin الحريري الرقيق الذي اشتهرت بصنعه، ومدينتا "سمرقند" و"بخارى" اللتان يقول عنهما المثل الطاجيكي "في جميع أماكن العالم يهبط الضوء على الأرض، إلاّ في سمرقند وبخارى، يرتفع الضوء منهما"!

هل تعيد القوة الصناعية والاقتصادية للصين، وقوة العرب المالية، بهاءه إلى "طريق الحرير"؟ يطرح هذا السؤال "بن سيمفندرفر"، الخبير بالشؤون الاقتصادية العربية والصينية في "البنك الأسكتلندي الملكي" في هونج كونج، ومؤلف كتاب "طريق الحرير الجديد" The New Silk Road. ويذكر الباحث أن هناك ثلاثة عوامل تديم طريق الحرير للعقود القادمة، أولها نموذج النمو الصيني الذي يؤكد على النمو السريع والاستقرار، وثانيها صناديق الاستثمارات العربية، وثالثها العامل الجغرافي متمثلا بامتداد "الممر الإسلامي" إلى داخل الصين، حيث يقدر عدد المسلمين الصينين بأكثر من 20 مليون نسمة.

ويرصد الباحث حركة صناديق الاستثمارات العربية التي تزيد عن الترليون و400 مليار دولار، بينها "جهاز أبوظبي للاستثمار" الذي يعتبر، حسب تقديراته، أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وتبلغ موجوداته 800 مليار دولار. ويتوقع أن تعيد "هذه الأموال تكوين العالم العربي، كما فعلت الاستكشافات النفطية في ثلاثينيات القرن الماضي". ولهذا التغير "نتائج هامة على الأسواق المالية العالمية، خصوصاً وسط اضطراب الأزمة المالية في أميركا وأوروبا".

الخاسر الأكبر في "طريق الحرير" الجديد هو أميركا، النائية عنه جغرافياً وتاريخياً، والتي تدهورت حصتها من إجمالي الإنتاج العالمي في مطلع الألفية الجديدة، وانخفض للفترة نفسها عدد المسافرين العرب إلى الولايات المتحدة من ربع مليون سنوياً إلى أقل من 170 ألفا عام 2007. حدث ذلك لسوء حظ أميركا، بينما تحقق الاقتصادات العربية معدلات نمو قياسية بلغت 6 في المائة، مقابل أقل من ثلاثة في المائة في البلدان المتقدمة.

العرب يملكون ما يكفي من النفط، والصين تملك ما يكفي من اليد العاملة الرخيصة، وقد تنامى اقتصادها من أقل من 500 مليار دولار إلى أكثر من ثلاثة ترليونات و300 مليار. وقد شرع المستثمرون العرب بتدوير جزء من دولاراتهم في الصين، حيث انتهت رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر الميلادي، وحيث تبدأ اليوم عملية إعادة التوازن الاقتصادي العالمي.

ويستقصي الباحث، وقد عاش سنوات عدة في الصين والعالم العربي، ويتقن اللغتين العربية والصينية، خطوات التجار الأفراد الذين يشكلون في تقديره "دم الحياة" المتدفقة في "طريق الحرير" الجديد. فالطريق ليس بين العواصم فحسب، بل بين المدن التجارية، حيث يمكن متابعة حركة التجار العرب الذين يحولون مدناً صينية تجارية إلى أسواق عربية. عدد المطاعم العربية في مدينة "يو" التجارية المغمورة قفز من ثلاثة عام 2004 إلى عشرين عام 2008. ويعيد وفود التجار العرب إلى المدينة سيرة أجدادهم الذين كانوا يبثون الحياة قبل مئات السنوات في "طريق الحرير". يحدث ذلك في آن واحد مع تدهور العلاقات بين العالم العربي والغرب، وفي هذا الوقت بالذات حققت الصين ما يسميه الباحث "ضربة معلم"، وذلك بقرارها غير الرسمي تخفيف القيود على سمات الدخول، والسماح بإنشاء جوامع في الصين لاجتذاب التجار العرب.

"طريق الحرير" الجديد شهادة تذكارية على قوة آلاف التجار الأفراد. بعض تجار اليمن المقيمين في مدينة "يو" تزوجوا من صينيات، وبينهم من يعمل في تصدير المنسوجات الصينية إلى أميركا! هؤلاء التجار الصغار لعبوا دوراً كبيراً في قفزة الصادرات الصينية إلى العالم العربي من 6 مليارات دولار عام 2000 إلى 48 مليار دولار عام 2008، متجاوزة بذلك بريطانيا (9 مليارات)، وألمانيا (12 مليارا)، ومحتلة المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة (50 مليارا).


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  محمد عارف


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni