... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
قانون الانتخابات... وإشكالية الأقليات

د. يحيى الكبيسي

تاريخ النشر       26/12/2009 06:00 AM


لعل أبرز الموضوعات التي جرى التأكيد عليها منذ 9 نيسان 2003، موضوع "التعددية"، وتحديدا بمعناها الطائفي (إثنيا ومذهبيا)، الطائفية بوصفها معطى سياسيا وليس اجتماعيا أو ثقافيا. وكانت فكرة التعددية السياسية مجرد ناتج عرضي لذلك التحديد، على الرغم من ركام الخطابات التي تحاول التعمية على هذه الحقيقة. ولم يكن الموضوع مجرد نزوة، أو أمر دبره بليل، الحاكم  "بول بريمر". وإنما كان الأمر نتاج تنظير وتخطيط وقرارات صدرت عن مؤتمرات المعارضة العراقية ـ سابقا ـ، ومرت بمراحل متعددة من بيروت 1991 إلى لندن 2003. 
هكذا وجدنا عبارة أن " العراق دولة التعددية"، قاسما مشتركا في النصين الدستوريين الذين حددا طبيعة النظام السياسي في العراق بعد 2003؛ فقانون إدارة الدولة أكد على ان: " نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي فيدرالي، ديمقراطي، تعددي" (المادة 4). وأن "العراق بلد متعدد القوميات" (المادة 7/ب)، أما دستور 2005 فقد وصف العراق بأنه: "بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب" (المادة 3)، بل زاد على الأول بأن اتى على ذكر  بعضا من المعتقدات و الاديان في المادة 2/ثان: وهي المسيحية والآيزديين والصابئة المندائيين، في معرض الحديث عن حرية العقيدة والممارسة "لجميع الأفراد".
لقد خلت الدساتير العراقية على مدى السنوات التي أعقبت بناء الدولة العراقية الحديثة سنة 1921، من أية إشارة إلى مفهوم التعددية الإثنية أو الدينية أو المذهبية.
 فالقانون الأساسي العراقي  1925، أشار إلى أنه "لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون وان اختلفوا في القومية والدين واللغة"( المادة 6).‏ و تحدث عن حق "الطوائف المختلفة" في تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغاتها الخاصة ( المادة 16).‏
 وظلت العبارة الأولى تتكرر بصيغ مختلفة في الدساتير المؤقتة التالية، ولكن بداية من العام 1958،  أخذت الإشارة إلى الأكراد حصرا بوصفهم "شركاء" في الوطن، فالدستور المؤقت لعام 1958  نص على اعتبار  " العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية" (المادة 3).
كما نجد في الدستور المؤقت لسنة 1964 مادة مفادها: " العراقيون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين ويتعاون المواطنون كافة في الحفاظ على كيان هذا الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية" (المادة 19). وتكررت العبارة نفسها مع تغيير طفيف في الدستور المؤقت 1968 (المادة 21).

ولم يتحدث عن الأقليات الأخرى بشكل صريح، إلا في الدستور المؤقت لعام 1970: " يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين , هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية"( المادة 5/ب).

ولكن على الرغم من هذا التركيز على مفردة التعددية بعد 2003، ظلت التعريفات والحدود لأطراف هذه التعددية غير واضحة في الممارسة السياسية؛  فقد احتكرت الأطراف الثلاثة المهيمنة ديموغرافيا :الشيعة والسنة والأكراد، صياغة هذه الحدود تبعا لمصالحها واستراتيجياتها الإثنية والطائفية (هكذا مثلا خلا دستور 2005 من أية إشارة إلى مفردة "الأقليات" وحقوقها السياسية التي وردت صريحة في دستور 1970!). وظهر الأمر أكثر وضوحا في قوانين الانتخابات بنسخها المختلفة.

لقد أشار قانون انتخابات مجالس المحافظات في نسخته الأولى التي نقضها مجلس الرئاسة، إلى الأقليات الإثنية والدينية في العراق في المادة 50 التي نصت على: "تمنح الأقليات القومية والدينية المسيحية المنصوص عليها في الدستور مقاعد في مجالس المحافظات وكما يلي :-
1.  محافظة بغداد (3) ثلاثة مقاعد.
2.  محافظة نينوى (3) ثلاثة مقاعد، مقعد واحد للايزيديين ومقعد واحد للشبك.
3.  محافظة كركوك (2) مقعدان.
4.  محافظة دهوك (2) مقعدان.
5.  محافظة أربيل (2) مقعدان.
6.  محافظة البصرة (1) مقعد واحد".
ولكن هذه المادة رفعت تماما من النسخة الثانية من القانون من دون أي تسويغ، ومع هذا تمت المصادقة الرئاسية على القانون رقم 36 في 8/10/2008 ، مع إضافة فقرة تنص على أن مجلس الرئاسة "يوصي" بإجراء تعديلات على القانون بما يضمن حقوق الأقليات الدينية والقومية المنصوص عليها في الدستور!  ليصدر بعد ذلك القانون رقم 44   في 9/11/2008  لتعديل للقانون رقم 36 بإضافة المادة 52 إلى القانون المذكور تنص على: " أولا: تمنح المكونات التالية المقاعد المخصصة في مجالس المحافظات على هذا النحو:
:1. بغداد : مقعد واحد للمسيحيين ومقعد واحد للصابئة.
2. نينوى: مقعد واحد للمسيحيين ومقعد واحد للأيزيديين ومقعد واحد للشبك.
3.  البصرة: مقعد واحد للمسيحيين.
كما أشار القانون إلى أنه لا يحق لمرشحي المكونات المذكورة الترشيح للتنافس على المقاعد العامة. والى أن هذه النسب تسري على انتخابات مجالس المحافظات لعام 2009 ،  ويصار إلى تخصيص مقاعد المكونات لاحقا وفقا لنتائج الإحصاء السكاني. وحدد القانون الأسباب الموجبة: بأنها لغرض إفساح المجال للمكونات بالتمثيل في مجالس المحافظات وإيصال أصواتهم، وعرض مشاكلهم وحقوقهم في هذه المجالس.
والأسئلة التي تطرح هنا هي:
أولا: ما المعيار الذي حدد ماهية " الأقلية ". ولماذا لم يعد التركمان، مثلا، أقلية في محافظة الموصل أو بغداد؟؟
فقد حصلت الجبهة التركمانية على 2,8% ، أو ما مجموعه 24,008  من أصوات الناخبين في محافظة نينوى، وجاءت في المركز الرابع بعد قائمة الحدباء الوطنية، وقائمة نينوى المتآخية، والحزب الإسلامي العراقي. وإذا جمعنا هذا الرقم مع الرقم الذي حصل عليه حزب العدالة التركماني في نينوى وهو 5,124 صوتا، يصبح الرقم 29,123 صوتا تركمانيا. ومع هذا لم يحصل التركمان على أي مقعد في مجلس المحافظة. في حين حصل المسيحيون على مقعد واحد بمجموع 20,759 صوتا (بواقع 13,760 صوتا لقائمة عشتار الوطنية، و6,144 صوتا لقائمة الرافدين، و855 صوتا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني). وحصل الشبك على مقعد واحد بمجموع  19,134 صوتا ( بواقع 12,949 لقصي عباس محمد، و 4,969 للهيئة الاستشارية للشبك، و 1,216 للشيخ محمد أمين حاصود). وحصل الأيزيديون على مقعد واحد بمجموع  10,868 صوتا (بواقع 6,174 للحركة الأيزيدية من أجل الإصلاح والتقدم، و 4,694 لحزب التقدم الأيزيدي). أي أن ما حصل عليه التركمان في نينوى يفوق ما حصلت عليه أي من القليات الثلاثة الأخرى ومع هذا لم يحصلوا على أي مقعد في المجلس ببساطة لأن البرلمان لم ينظر إليهم بوصفهم أقلية في نينوى، وهذا يعني أن القانون الذي جاء لضمان مشاركة الأقليات في إدارة السلطة أخفق في تحقيق ذلك.
ثانيا: ما المعيار الذي حدد النسبة المخصصة لهذه الأقليات من المقاعد. لقد وجدنا مجلس النواب، مثلا، يخفض نسبة المقاعد المخصصة للأقليات في بغداد من ثلاثة مقاعد في النسخة الأولى من القانون في 22/7/2008، إلى إلغاء الكوتا المخصصة لها بعد ثلاثة أشهر ، ثم جعلها مقعدين و حسب بعد شهر واحد! 
قد بدا واضحا إذا، أننا بإزاء تقديرات اعتباطية تماما، فرضها المحتكرون الثلاث الكبار (الشيعة والسنة والأكراد)، تبعا لإراداتهم الخاصة بعيدا عن أي تقديرات إحصائية.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. يحيى الكبيسي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni