... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
عن ديوان جمال جمعة : الشعر على حافة التأمل الفلسفي

ماجد السامرائي

تاريخ النشر       26/12/2009 06:00 AM


«كتاب الكتاب» (الدار العربية للعلوم، ناشرون - بيروت) عمل شعري له خصوصيته الفنية والرؤيوية. فقد تمثل فيه الشاعر جمال جمعة 209 حالات هي بمثابة مشاهد للوجود الإنساني، وللوجود بذاته من خلال رمز مركزي هو الكتاب... وجاءت كل حالة (أو رؤية) بنسيج بعدها الخاص، يحكمها متخيله الشعري أو تمثله الفكري... وجاءت، أيضاً، بمعان وأبعاد تتمثل في صور لكل صورة منها بعدها الموضوعي. فإذا كان الشاعر نفسه «كتاباً»، وهو إذ يكتب إنما «يكتب نفسه» فإن «القارئ كتاب/يكتبه الآخرون» - بحسب رؤيته.
و «كتاب الكتاب» في منحاه هذا يجمع بين التأمل في الشيء - الذي يعيده تأمله فيه الى الرمز - المحور، والفكرة التي منها يولد «الشيء» ليعود الى الرمز - المحور ثانية... فكما الكتاب موطن معرفة ومستودع أسرار فإن التأمل فيه، والفكرة المنبثقة منه ينعكسان عليه من الواقع ذاته، كما ينعكس هو (الكتاب) واقعاً متعيناً في طبيعة ذات مضمون، ويكون بذاته ومضمونه رمزاً متعدد الأبعاد بفعل تداعيات المعنى - كما يتبلور في رؤية الشاعر:
فالقبر كتاب مغلق، والنوافذ، هي الأخرى، كتاب، وكذلك عينا الحبيبة. والزهور كتب، واجتماع الذكر والأنثى كتاب، والنهار كما الليل كل منهما كتاب. والأشجار، والأرض، والصحراء: كل منها كتاب له دلالته المتمثلة فيه، وفي وجوده وهو في مرأى العين كما في آفاق الرؤيا.
والكتاب نفسه: كما هو مصدر للسؤال فإنه يثير التساؤل في تمثيلاته الرؤيوية: فـ «هل الموت كتاب آخر/أم صفحة أخيرة من كتاب؟»... والكتب بدورها «هل نقرأها/أم تكتبنا»؟
وكما للحياة وجوهها فإن لها تمثيلاتها التي تتجلى في صورة كتاب: فـ «المدن كتب»، ولكن «لنضيع فيها/ لا لنقرأها»، و «المنفى كتاب/دائماً يكون بلغة أخرى».. و «بعض الناس كتب قديمة/سطور بالية/وأغلفة مذهبة»، بينما يجد بعضاً آخر من الناس على صورة «كتب منحولة».
ونجد للتأمل عنده ارتداداته حيث الشيء يرسم صورة معناه: فـ «الريح تقلّب دفتر الأشجار/ورقة ورقة، وكيفما اتفق/ولا يتبعثر».
وهناك التأمل في البحر، والقمر، والنجوم - التي يأخذه السؤال أمامها فيتساءل: كيف «يقرأها العرافون؟».. لتنعكس بصورها المتعددة: فـ «الأشياء معان متبدلة/يكتبها الوقت/طبقاً لما يرتئيه».
وكما سؤال الكتب فإن السؤال الذي تثيره الكتابة له، هو الآخر، أبعاده: «ماذا تريد الشمس أن تقول/وهي تكتب وداعها باللون الأحمر/على كل أفق؟». ويأتي الجواب عنده ضمن مسارين من مسارات الرؤية... يقول الأول منهما: «الليل والنهار صفحتان/على ورقة واحدة: اليوم/الزمن يعيد قراءتهما/بالتناوب». بينما يقول الثاني: «كل يوم جديد/ورقة من كتاب الزمن/غالباً ما تكون متشابهة/ومع ذلك نقرأها».
وغالباً ما يترك الشاعر هنا سؤاله بلا جواب، مثل كتاب مفتوح النهايات: «ما الذي تكتبه الموجة/على الصخر/قبل أن تموت؟».. ويجد «بعد كل عاصفة/يقلب البحر أمواجه»، وتأخذ الكتابة عنده بعداً آخر: فـ «سيف الجلاد/قلم السلطان الأثير/لكتابة التاريخ».
وهكذا يبدو الشاعر مأخوذاً بأصوات بعضها نابع من الداخل، داخله هو، وبعضها يمر به مثل طيف ذكرى، وبعض ثالث يتداعى إليه فيهتز منه (وليس له) قلبه... ويكون بعض هذه الأصوات ندياً كالزهر، وبعضها الآخر جافاً مثل صحراء، ومنها ما يكون صاخباً كالبحر. ومع هذه الأصوات كلها يبقى صوت الوحدة والعزلة الأكثر هدوءاً بحكم اسدتسلامه للغربة، وفي الوقت ذاته هو الصوت الأقوى والأكثر تنافذاً مع رمزه: الكتاب - الذي هو بطبيعته تعبير عن العزلة، إن تأليفاً وإن قراءة.
إن هذا العمل، على صغر حجمه، عمل متعدد الرؤى، ويثير أكثر من سؤال في شأن الإبداع وما لنا أن نعده عملاً إبداعياً... ولعل اكثر هذه الأسئلة إلحاحاً السؤال عما إذا كان ممكناً، في ضوء ما يقدم من رؤى وتمثيلات، الكلام عن «إبداع استثنائي» في الشعر؟ أو لنصغ السؤال على نحو أدق فنقول: عن ما بعد القصيدة؟ وأعني بهذا، على وجه التحديد: الفكر في صورة من صور الرؤية، وكما هو في تمثلات الرؤيا وتمثيلاتها - والمتحققة هنا في وعي الوجود الإنساني حركة إزاء/ ونحو ما يحف بهذا الوجود من أشياء (تتداعى هنا على أكثر من صورة، وترتسم بأكثر من وجه من وجوه التمثل/التمثيل)؟ ففي «كتاب الكتاب» هذا نجد رسماً لوجوه، وتشخيصاً لملامح، وتعبيراً عن حالات، وتمثيلاً لمواقف، أكثر مما نجد «معماراً فنياً» كما الحال في «قصيدة الشعر»... وهي جميعاً مشفوعة بإحساس أكثر من تداخلها مع مشاعر، ومرتبطة بحقائق الوجود أكثر من إنحدارها من عالم الرؤى. فهو، في مضمونه ومنحاه، أقرب الى الرؤية الفلسفية مصوغة في إطار شعري، وفيه ضرب من الاختبار الوجودي تعبيراً عن حقيقة المعنى ومؤداه، كما أنه يتضمن إفصاحاً عن عديد المعاني الصادرة عن/ والتي تشكل علاقة حيوية وحية بين الذات والوجود.
ويبقى السؤال: أين الشعر في «كتاب الكتاب» هذا؟ فهل هو في الروح التي نجدها مستيقظة فيه تجوب مجالي الوجود الإنساني؟ أم هو في الفكرة التي تتجدد سؤالاً؟ وهل الشعر، جوهراً وتكويناً، وجد لتعيين خلاص ما للإنسان؟ أم هو تجربة انصهار الزمن الفردي في الزمن الجماعي - الاجتماعي لهذا الإنسان؟
وما غاية الشعر: فهل هي غاية إنسانية - تاريخية شاملة، أم أنها فردية وفي نطاق الذات؟ هل هو محاولة لخلق أسطورة الإنسان في الوجود؟ أم هو خلق لأسطورة الوجود ذاتها من ذاتها بوساطة هذا الإنسان؟ وهل الشعر إعادة تمثل للإنسان، وتمثيل لحياته، من خلال رموز حياته ذاتها: صلة بها وانبثاقاً منها (كما هو الحال في رمزي الكتابة والكتاب هنا) عبوراً منها الى الواقع الحي؟
والسؤال الأخير هو: هل مهمة الشعر (وبالتالي الشاعر) أن يقدم «معاينات» أم يجسد «معاناة»؟
إن هذه الأسئلة والتساؤلات على صلة بطبيعة هذا الكتاب الذي اعتمد صيغة التراكم في الرؤى والتمثيلات أكثر من اعتماده على النمو والإمتداد في تطوير الفكرة/البنية الأساسية فيه.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ماجد السامرائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni