... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  نصوص شعرية

   
هاربا أصل نهرا

فاضل العزاوي

تاريخ النشر       11/02/2010 06:00 AM


هاربا ً من حصن منيع
تذرعه وحوش تقضم ملائكة
من معتقل يلتمع مثل راية مخروقة
يوقد أعراب الصحراء نيرانهم امام ابوابه المغلقة
ويطلقون كلابهم النابحة ورائي
التقي البومة جاثمة على شجرتها
والغيوم ترعد، متدافعة، مثل جيوش في حرب
فأدخل واديا في متاهة لرغبة مستحيلة
واترك آثاري فوق الصخور
للقادمين بعدي.

 معابدُ كثيرة تركتها للغزاة
وأخرى طوقتها بالاسلاك الشائكة
أقفلتُ أبوابها بالشمع الاحمر.

 هاربا أصل نهرا تعبره بغال محملة ببنادق
يجرها لصوص عائدون من جبال مغطاة بالثلج
تقصفها المدفعية من بعيد
مدن تُقفل ابوابها
من رأس حراسها تأكل الطير.

 هناك اذ الاعمى يبلل ابهامه بلسانه
ويعد دنانيره المخبأة
أقلبُ اعوامي الكثيرة
جامعا إياها بالملقط من الخرائب
مثل لآليء أقلد بها عنق الاشباح
عارفا أن الذكرى دفتر توفير
في شتاء الشيخوخة القارس
والحياة
هي ماتراه العين بعد اليقظة الاولى.

 هناك اذ لامدينة في نهاية الرحلة
أقيم مدينة تتكيء على قلعتها القديمة
وأسير مع مجانينها العائدين في الليالي من المقاهي
مطلقين اغنياتهم للنجوم.

1991

 نشيد في شوارع الجزيرة العربية

 نحن الشعراء المبتهجين الممتلئين سلاما ً نخرج للنزهة في وادي العشاق،
نغنـّي كالأطفال نشيدكِ ياصحراء العرب المسجونة في الاحلام.
نسري تحت خباء نجوم تتدلى موقدة فوق الكثبان الى المدن الملغومة
بالاعداء، مخضبة بجراح ضحاياها الابديين المرميين على الرمل، نهلل
للاسلاف المنحدرين من الماضي في عربات المستقبل، طالعة من جسد الايام، كأشباح هائمة في طرقات الاجيال
نتسلل مثل لصوص في ليلك بين الاسوار ونهدم في الريح العاصفة الرملية
بأظافرنا اسوار سجونك، غائمة بين غيوم، جارحة مثل بكاء في مركب نوح مثقوب، نقلعها حجرا حجرا، في كل رماد في واديك نموت ونحيا ونقول:
سلاما ً ياقائدةَ البدو المحتشدين أمام خليج العالم!

 في النار وقفتُ لأكتب تاريخكِ في دفتر أحلامي الضائع
في النار فتحتُ المستقبل موعودا ً نافذة لي
وصعدتُ الى أعرابكِ، منحدرا ً من آخر برق ٍ في هذا الأفق النائي
متشحا ً مثل نذير مهموم برداء خساراته يمضي بين مغول يلتهمون قلاعك في الظلمة
فاجتزنا في وحدتنا الانهار المفروشة بالطحلب والعوسج والبردي
جيش وثنيٌ في وادي الآلام. سألتُ، حيث يسيل الدم من نبع في خاصرة الارض:
أأقدرُ أن أحذف هذا التاريخ الدموي وأكتب تاريخي وحدي؟

 في ليلك أصرخ ياصحراءَ جدودي مبتهجا:
ليعمْ وديانك ِ حبي
حتى ان كنت ِ ترابا ً مغسولا بدمائي
أو وطنا ً من دمع يُسكب ُ فوق حجارك ِ في الفلوات
نهرا ً يجرفني حتى آخر مرسى في ضفتي
سيفا ً في عنقي
أو بلطة جلاد في أطرافي

 بدويون يعانون الوحشة!
بدويون بروح وبدويون بلا روح
يسرون كأسرى أبدا ً في السيل العارم
مشدودين الى قاربك الجانح!
بدويون يلوذون بنارك من أنفسهم في العتمة
بدويون ينامون على كتفيك لينسوا في وحدتهم ضجر الاعوام، تلفّ على مغزلها الدائر.

 آهٍ، هات يديك، اقتربي مني يا صانعة تاريخي
فأنا الواقف بين الموجة والموجة،
كل حرائق ثورات العالم، هادرة ً تبدأ مني
أتسلق سلمكِ الممتد الى آخر َ روحي في معراجي
أبحث عن كنزك مدفونا ً في ذاكرتي
أصعد فوق الصخرة في تلّ يعصمني
مكتويا ً باللعنة والحمى وانادي:
أين النسغ الساري في أعراق الاشجار؟ وأين العربي القادم من منفاه يواسي نفسه مثل ملاك ٍ مطرود في الاغلال؟

 آه أنت الاخرى، أيتها الممتدة كالصرخة ياطرقي
امبلجي، انبثقي
في وجه قوافلك المنسية تائهة في بيداء الربع الخالي
خارجة من جرح الأجيال!

 انفتحي، احترقي
بشموسك أحملها أبدا ً في كفي،
أدلقها واحدة بعد الاخرى من اجلك فوق ظلام العالم،
لاضيء وامضي، يكبرُ بي ألَقي،
فأنا الوثني الموعود أرى الرعد، أرى البحر الخالق يأتي، أرمي نفسي في لجته،
أغرق فيه وفي فمي الكلمة، أطلقها مثل نشيد سريّ
أتردد بين الحاضر والماضي. أسأل: هل أصعد أم أهبط في واديك السحري؟
وكيف أشق طريقي في بيدائك إن لم يغمرني فجرك، مطليا ً بنجومك
تومض في درب التبانة؟
فأراك مجللة بسوادك تأتين الي ّ الليلة َ بعد الاخرى لتناديني
فنسير معا نتنزه بين خيامك في الجنة
ونشمّ ربيع جداولك المسكوبة في الواحات.

 ها أنذا آمل أن أعبر وديانك نحو مضارب آبائي
أن أجلس في فردوسك، هذا المنسيّ أناجي أيام الانسان الطالع مثل ربيع في غابة
من كل رماد مسكوب في الريح
من كل دم ٍ مسفوح في البرية
ها أنذا أسمع أجراسك تقرع،
أسمعها أبدا تقرع صاخبة لي.

 آه، في الليل وقد صلب العاشق والمعشوق هنا في حفلك، هذا القائم من أجلي أبدا، حيث يغني قديسوك المهوسون قصائدهم للريح
في الليل وقد فار التنور علينا
أيقظت رجالي. سافرنا في الامطار الى أوطان لاتعرفنا
فرأيت البحر امرأة حبلى بي والملك المجنون
بالسيف يموت.

 أيتها الراعية المسحورة في خيمة أجدادي، ياناهضة كالشمس المرة في مملكة البدو المخمورين من العشق، أنا العاشق أجرع من قربتك الملأى خمري.
في صوتي غضب الريح، أنا البازغ من نفسي، جسدي الصحراء الليل الموت الغابة والمنفى. هل أهرب من نفسي أم أترك مرتعبا لذئاب عاوية أبدا جسدي؟

 في واديك المهجور أرى أجيالا تصعد نحو قرى العميان
وأنا أبحث عن خاطة لتضاريس حياتي
فيفور على قدمينا البحر الآتي
ونعود مع الموجة، مطرودين الى ساحلك الرملي
لنبدأ رحلتنا ثانية قبل وصول الطوفان.

 أصعد مجروحا ً بحياتي بين طريقين
وأقصد ينبوعا يتدفق بين صخور
أتجول في أحلامي فألاقي رجلا مجنونا يشبهني
يتقدم صوبي في قافلة تزحف غاضبة
تطلب رأسي
تتحرك قربي غابات موحشة
فأضيء كبرق فوق رؤوس الاشجار
وأؤاخي في ليلك نفسي

 آه، أين الانسان المطرود من الجنة؟
هذا الجالس في مقهى العالم يصطاد الالفاظ؟
هذا القادم من حرب خاسرة أبداً؟
هذا الواقف عند بيوت المنفيين؟
آهٍ أطلق صرختنا حتى إن لم يسمعها أحد في الريح
حتى إن ظلت خرساء على فمك ِ الاخرس
وتعال ادخل مملكتي من نافذتي المفتوحة من أجلك منذ عصور
لنؤلف جيش العودة، حيث نقاتل في صف المنسيين 
ونبني عاصمة اخرى للعالم.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  فاضل العزاوي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni