... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
هل يقلب العراقيون السحر على السحرة؟

محمد عارف

تاريخ النشر       11/03/2010 06:00 AM


"الأكراد بيضة القبّان"، يستنتج ذلك استبيان "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية" الذي تديره وصال العزاوي، العميدة السابقة لكلية العلوم السياسية بجامعة النهرين في بغداد. شمل الاستبيان أكثر من 17 ألف مواطن صوّت أغلبهم لقائمة "أياد علاوي" العراقية (23.4 في المئة)، تليه قائمة عمار الحكيم (21 في المئة)، ثم ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي (17.80 في المئة)، ورابعاً قائمة التحالف الكردستاني (12.70 في المئة).

أرقام مغايرة توصل إليها تحليل علي المؤمن، مدير "مركز دراسات المشرق العربي"، الذي توقع الأغلبية للمالكي (90 مقعداً)، يليه الحكيم (60)، ثم تحالف البرزاني-الطالباني (55)، وبعده علاوي (50). لكن العرب، حسب "المؤمن" منقسمون وفق مذاهب ومعتقدات سياسية متعارضة، بينما الأكراد "مندّكون" بالرابطة القومية، حتى "الحزب الشيوعي" عندهم اسمه "الحزب الشيوعي الكوردستاني"!

والأكراد "نازانم"، ومعناها بالعربية "لا أعرف"! فمن جانب هم القوة التي سيسعى لخطب ودها الجميع، حسب سكوت كاربنتر، نائب وزيرة الخارجية الأميركية السابق. ومن جانب آخر يحذر كاربنتر الأكراد من المغالاة في الثمن أو إطالة المخاصمة. فالائتلافات العربية الثلاثة الكبيرة المتنافسة، قد تشكل حكومة من دونهم، وربما يؤدي ذلك إلى حرب أهلية.

وسنرى اليوم، وربما الأيام أو الأسابيع القادمة صحة الأرقام والتوقعات، وقد يكلف ذلك العراقيين حمّامات دم على غرار انتخابات عام 2005. والنتيجة في كل حال، كما حدث بعد الاحتلال، يفرضها العراقيون الوطنيون، سواء من قاطع الانتخابات لأسباب وطنية، مثلي ومثل شقيقي الأصغر وشقيقتي الصغرى، ونحن مع الأقلية، أقل من 40 في المئة من مجموع الناخبين... أو من شارك فيها لأسباب وطنية، مثل شقيقي الأكبر وشقيقاتي الكبرى الأربع، وهم مع الأغلبية، أكثر من 60 في المئة.

وفرحتُ مرتين عندما علمتُ بأن الفنان ضياء العزاوي ذهب للادلاء بصوته في الانتخابات. فرحت أولاً لأن هذا يعني تراجعه عن قرار أعلنه ربيع العام الماضي لصحيفة "ذي ناشونال" The National التي تصدر بالإنجليزية في أبوظبي من أنه لن يعود قط إلى بلده. وفرحت ثانية، وأعترفُ أنه فرحٌ لئيم، عندما لم تسمح له مفوضية الانتخابات بالتصويت.

وبعض الفنانين لا يرسمون بصورة سريالية فحسب، بل يتصرفون بسريالية. ولولا قذاعة شتائم العزاوي في احتجاجه على مفوضية الانتخابات لأوردت رسالته هنا. شتائم ساطعة كألوانه التي جعلت النقاد يعتبرونه أفضل فنان عربي في التلوين. وسأحجز نسخة مذيّلة بتوقيعه من استمارة مفوضية الانتخابات في محطة التصويت رقم (1) بمنطقة "ومبلي" شمال لندن. في هذه الاستمارة، التي أتوقع أن تصبح ملصقاً فنياً عالمياً، تقول مسؤولة المحطة مهى العطار إن سبب حرمان العزاوي من التصويت "عدم قبول وثائقه"!

وما أوثق من جوازين، بريطاني وعراقي يثبتان مكان المولد في بغداد؟ وهل يحتاج فنان معروف عالمياً بعراقيته إلى وثائق إضافية تثبت هويته؟ معرضه الحالي "موطني" في غاليري "آرت سوا" ArtSawa في دبي يرافق أكبر سوق عالمية فنية في المنطقة، ويشارك فيه عدد من أبرز فناني بلاده المغتربين، بينهم رافع الناصري، وغسان غايب، وكريم رسن، ونزار يحيى.

وتوضح المعروضات، وهي أشياء مصنوعة من مواد مختلفة، معنى قول بيكاسو "الفن كذبة تمكننا من رؤية الحقيقة". قطعة محمود عبيدي وعنوانها "هويات في ثلاجة" تتكون من دولاب معدني تطل من رفوفه أقدام مربوطة بيافطات. قطعته الأخرى وعنوانها "عيّنات مستخرجة من التربة العراقية" رفوف مصفوف فيها جثث مكّفنة. وقطعة العزاوي وعنوانها "أجداد أبي" مصنوعة من خشب وبلاستيك، مطبوع عليها صورة والد الفنان ووجه رجل سومري. لباس الرأس العراقي "الجراوية" التي يرتديها العزاوي الأب لم تتغير منذ خمسة آلاف عام!

الفنانون المبدعون يرونا ما لا نرى. كذلك تفعل المؤسسات الدينية العريقة مثل "مدرسة الإمام الخالصي" في الكاظمية ببغداد، التي تميزت تاريخياً بموقفها الوطني. خطبة صلاة الجمعة للشيخ محمد مهدي الخالصي شدّدت على "وجوب الرفض القاطع للانتخابات في ظل الاحتلال لكونها استهانة بسيادة الوطن، وتزييفا لإرادة الشعب ومصالحه، ولكونها محسومة النتائج مسبقا لمصلحة المحتل، وإفسادا متعمدا للعملية الديمقراطية التي يزعمون رعايتها". واختتم الخالصي الخطبة بالآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".
ويعلم العراقيون كيف تحولت الانتخابات في دورة واحدة إلى ما يقول عنها كاتب غربي ساخر: "تُعقد الانتخابات لاختيار من يسرقنا في الخمس سنوات القادمة"! وقد استهل السرقات أول برلمان مُنتخب خصص مرتبات فاحشة لأعضائه، وبينهم رجال دين محافظون ومثقفون تقدميون. "الله لا يرضى عليهم" كما كانت تقول الوالدة رحمها الله. وكيف يرضى الله على من يتقاعد في منتجعات أوروبا بمرتب شهري قدره سبعة آلاف دولار مدى الحياة، إضافة إلى نفقات حماية؟

وتقع الآن على عاتق المثقفين الوطنيين مهمة رأب الجروح ومسح دماء ودموع ملايين العراقيين. تكشف عمق هذه الجروح وثيقة فريدة تتضمن "مشروع قانون تحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق". أعد المشروع المستشار القانوني عبد الحسين شعبان، وهو مثقف يساري مستقل من خارج الهيئة التشريعية والقضائية. ويعتبر مشروع القانون الذي يضم 17 مادة، الطائفية جريمة "ترتقي إلى مصاف جرائم الخيانة العظمى إذا ما اقترنت بأفعال وأنشطة من شأنها أن تؤدي إلى اضطراب وفوضى في المجتمع". ويحظر القانون المنشور في كتاب شعبان الأخير، "جدل الهويات في العراق"، الأحزاب القائمة على أساس طائفي، ويمنع منعاً باتاً استغلال المناسبات الدينية في الترويج للطائفية، واقتسام المناصب على أساس الانتماء الطائفي والمذهبي في جميع دوائر الدولة، بما في ذلك القوات المسلحة، والقضاء، وعضوية المجالس التشريعية والبلدية، ويحرّم استخدام الشعارات الطائفية والمذهبية في المدارس والجامعات، بما في ذلك الدينية منها، ولا يعترف بشهادات مدارس ومعاهد تقوم على أساس طائفي، ويحظر إنشاء مستشفيات ومراكز رعاية صحية على أساس طائفي، وينص على إخضاع الموجود منها لرقابة الدولة، ويشترط عليها فتح أبوابها لجمع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو القومية أو السياسية.

منذ سبع سنوات وأنا أتابع بالعقل والقلب نبض وطني المحتل، وأتأمل وجهه في يقظتي ومنامي. وأعتقد أنني أعرف كيف ينتصر العراقيون، حتى عندما يخسرون، وكيف يخسرون حتى عندما ينتصرون. وأستطيع القول إن الوطنيين العراقيين الذين شاركوا بالانتخابات، أو قاطعوها سيقلبون السحر على السحرة. هؤلاء الناس مصنوعون من مادة الأحلام والكوابيس، وهذه عبقرية بلاد ما بين النهرين، بلاد ما بين البلدان والأمم والحضارات، بلاد ما بين الأديان والمذاهب والعقائد. لقد دفعهم الاحتلال والطائفية إلى تخوم اليأس القصوى، والحياة الإنسانية، كما يقول الفلاسفة، تبدأ على الجانب الآخر من اليأس.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  محمد عارف


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni