... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
قمرية انتخابية

احمد السعداوي

تاريخ النشر       16/03/2010 06:00 AM


بعد يوم واحد فقط من الانتخابات اختفت الدعايات الانتخابية من شوارع وجدران واعمدة الكهرباء في منطقتنا السكنية. اختفت بشكل حاسم ونهائي، وشعرت بالفخر لدقة وسرعة عمل كوادر امانة بغداد، هذا الاحساس رافقني حتى اخبرني احد الجيران بأنه نقل، بعد انتهاء الانتخابات وفي الليل، مع اثنين من اولاده البوسترات الدعائية الكبيرة لأحد المرشحين والمصنوعة من الفلكس، نقلها هذا الجار الى بيته لتعزيز (القمرية) التي تهرأت ولم تعد تحجب اشعة الشمس الحامية عن مداخل الغرف في البيت.
كان الجار سعيداً، فهذا الفلكس مصنوع من مادة قوية تقاوم الظروف المناخية، وهو مناسب تماماً للقمرية. وبعد وضعها ظل وجه المرشح المتحمس يطل عليه من بين ثقوب القمرية القديمة. جزء من ابتسامة المرشح الكبيرة وعين جاحظة تبرز من الثقوب كلما نظر الجار الى الاعلى للتأكد من جودة عمل القمرية.
وحين سألته عن انواع المرشحين الذين حملهم الى بيته، أكد لي بأن كل البوسترات التي “ حوسمها “هي لمرشح واحد، وهو الآن حاضر في بيته أينما توجه. على الرغم من انه، في يوم الاقتراع العام، اعطى صوته لمرشح آخر، وكان بوده لو احتفظ كتذكار بصورة او بوستر لمرشحه الاثير، ولكن على ما يبدو، هناك معجبون آخرون سبقوا جاري العزيز الى بوسترات هذا المرشح ونزعوها قبل ان يصبح عليها الصبح.
لم يخف جاري، وهو يتفيأ بظل القمرية “ الانتخابية” مشاعر الألم التي تعتصر قلبه على هذه الاموال التي أهدرت من اجل “ عرس” يوم واحد. ملايين الدولارات من اجل يوم واحد.
ـ هذه الملايين ساعدت في تحفيزك على الانتخاب ودلتك على المرشح المناسب لك.
قلت لجاري موضحاً قيمة الدعايات الانتخابية، ولكنه رد عليَّ سريعاً، بانه (قافل) على مرشحه منذ سنوات، حتى لو لم يعمل دعايات انتخابية فهو سيذهب اليه ويصوت له.
ـ حرامات هاي الملايين... لو موزعيها على المواطنين مو احسن؟
تساءل جاري العزيز متحسراً، وشعرت بأن حوارنا يفتقر للغة مشتركة، فاردت مشاكسته قائلاً:
ـ ربما لو وزعوا هذه النقود على المواطنين، لن تحظى حينها بهذه القمرية الممتازة؟
نظر إليّ الجار باستخفاف وقال واثقاً:
ـ لو وزعوا فلوس على المواطنين وما سووا دعاية.. اشتري جادر واسوي قمرية... هي هاي الصعبة عندك؟
في النهاية خامرني احساس، وانا ألقي نظرة اخيرة على ملامح المرشح (القمري) بأنه محظوظ ايضاً، حتى لو لم يفز بمقعد في البرلمان القادم. لقد حظي، رغم كل شيء، بشكر وامتنان غير متوقع، لخدمة غير متوقعة. وهذا مصير لم يحالف الكثير من الدعايات الانتخابية التي مازالت موزعة على شوارع بغداد، ومازال المواطن غير متحمس لـ “حوسمتها” واعادة استخدامها، ومازالت الأمانة وكوادرها تتكاسل في رفعها.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  احمد السعداوي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni