... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
أما آن الأوان لمغادرة هذه الإخفاقات المتتالية؟

سهيل سامي نادر

تاريخ النشر       30/03/2010 06:00 AM


اعترف انني حزين للنتيجة البائسة التي حصل عليها "الشيوعيون" في الانتخابات، ليس لأنهم لا يستحقونها، ويستحقون افضل منها، وأفضل منها بكثير، بل لأنني توقعت هذا الاخفاق، وكنت ارى ان القيادة الشيوعية غامرت بسمعة الحزب واليسار في اشتراكها بلعبة خاسرة، وقد سددت لنفسها ضربة هائلة ، لأنها لم تتعب نفسها في القيام بتحليل سياسي وسيكولوجي لطبيعة المعركة الانتخابية وتغير المزاج الجماهيري .

                                      دعاية اخلاقية
احد اصدقاء الشيوعيين المقربين الذي توقع نتيجة مقاربة حثني على التصويت لهم قائلا: على الاقل يفوز ابو داوود! لا اقول نكتة هنا، بل هذا ما حصل فعلا. إنه اسقاط سيكولوجي صريح ، فهذا الهبوط بالاهداف، هذا التواضع المحزن، لا يصف لحظة سيكولوجية بائسة تقنع بالقليل، بل يصف عناصر كثيرة في السياسة الشيوعية : واقعية سياسية بلا افق ، قناعة بأن الدور الشيوعي لا يسعى الى تسجيل اهداف بل مجرد البقاء ، ممارسة الحكمة مع غير الحكماء ، القيام بدور المساعي الحميدة بين أسود السياسة العراقية وثعالبها الطماعين والمتخاصمين .
ماذا كانت النتيجة؟ الاسود ، والغيلان ، والافاعي، سلّموا للحزب الشيوعي بأخلاقه السامية وقالوا له وداعا.
نعم .. الكثير من اصدقاء الحزب كانوا يتوقعون هذه النتيجة الا الحزب نفسه، الا ابو داوود شخصيا ، بيد انهم لاسباب اخلاقية اعطوا اصواتهم لقائمة "اتحاد الشعب"، مقنعين انفسهم بأن الشيوعيين ظلوا اوفياء للشعب، وأبعدوا أنفسهم عن السرقة واللعب بحياة مواطنيهم .
ازاء توقع الفشل، والشعور بمفارقات الواقع وغدره، وانعدام الخطط أو غموضها، اختار الشيوعيون الحديث عن السراط المستقيم بوصفه طريق ممشاهم الاخلاقي والروحي اليومي، وقد ساروا عليه ، من دون أن يلتفتوا يمنة ويسرة، في الوقت الذي كانت فيه السياسة ترتبط بالسرقة وتجهز على ما تبقى من الدولة العراقية.
لم يتبق اذن غير الاخلاق يتباهى بها الشيوعيون. لماذا؟ لأن لم تعد السياسة في العراق اخلاقية. فهل توهموا بأن الاخلاق سوف تميزهم، وترفع من هاماتهم فوق اولئك الذين ملؤوا جيوبهم بسرقات الدولة العراقية المنهارة، اعلى من منافقي الوطنية الذين قبضوا الملايين من الجهات الاجنبية ، اعلى كالنسر المحلق فوق ذلك الدود الاسود الذي ينخر بترابنا ومؤسساتنا؟
لكن ليست هذه سياسة بل دعاية عائلية في مشروع خطبة يد آنسة مصون!

                                لقد اختاروا الصمت
دعونا نغادر هذه البيانات الاخلاقية الى الواقع الفعلي . فمنذ ان ظهر الشيوعيون في الشارع بعد نيسان 2003 طمعوا بممارسة دور سياسي من دون أن يمتلكوا قواعد جماهيرية ثابتة ولا تنظيم يستطيع ان ينهض بعمل. كان عليهم ان يبنوا كل هذا، وهو امر مشروع وضروري . كل سياسة تحتاج الى جسد تنظيمي ، الى حقل قوى خاص يدور حول نواة صلبة. إذن سيحتاجون الى وقت ، الى زمن يملأ عروق الحزب بالدماء الجديدة التي لا خبرة لها ، والدماء القديمة ذات الخبرة. بيد ان الشيوعيين قبل ان يبنوا شيئا من هذا غامروا بسمعتهم السياسية بالانخراط في العملية السياسية التي ادارها بريمر. ويبدو أنهم شعروا بالخوف من ان يمضي الزمن السياسي الجديد من دونهم ، وكان عليهم ان يلحقوا به بركوب نفس القطار المتهادي الذي ركبه الاسلاميون من جميع الملل والنحل وبعض التقدميين والاكراد المنظمين جيدا. لقد جرت كامل العملية السياسية التي ادارها بريمر في الكواليس، وانتهت باحتفال بائس اعلن فيه تشكيل مجلس الحكم . بدا هذا المجلس هو الافق الواقعي الوحيد ، هو السياسة المتبقية في زمن الحرائق واللصوصية. وحسب علمي كان للشيوعيين رأي آخر ، وهو تشكيل حكومة قوية تمثل توافقا وطنيا واسعا وتعبر مرحلة التحول هذه بأقل الخسائر. وكانوا على صواب مرتين ، مرة بطرح مشروع مستقل ، ومرة في ارباك المخططات الامريكية . لو نجحوا لتغيرت بعض المسارات اللعينة ، لو فشلوا لحازوا على احترام الناس، وما كانوا قد وصلوا الى هذا الفشل الناتج عن المساهمة في وليمة ليست معدة لهم. لكن حدث الآتي: بدلا من الانسجام مع حدوسهم الاولى ، وبدلا من اعلان هذه الحدوس على الملأ  لكي يميز الناس بين سياسة وأخرى ، بين الشيوعيين والأكراد على سبيل المثال ، بينهم وبين الاسلاميين كذلك ، مارسوا سياسة الكواليس وقوانينها المقدسة : الصمت !
لقد صمتوا حتى هذه الساعة على غدر الآخرين بهويتنا العراقية لمصلحة الاثنيات والطوائف. من يصمت يعني انه موافق. يتمحل الا انه موافق: هذا هو درس اخلاقي كذلك، الدرس الحقيقي للاخلاق من دون الدخول بمباراة تعداد مزايا شرف الحزب الذي لم يتلوث بعد.

                                  الصغار والكبار
إن قوانين الكواليس ستفرض هيمنتها على الصغار على نحو خانق، على الشيوعيين بوجه خاص، ولسبب مفهوم ، وهو ان الكبار طرحوا انفسهم كممثلي طوائف واثنيات، اي انهم ممثلو كتل تاريخية تريد ان تنتقم من "المظلومية" السابقة، وقد حازوا لهذا السبب على حقول قوى جاهزة، مبنية على التذكارات التعيسة الموصولة باحكام بالماضي الشعبي الطقوسي، ولها اهداف عاجلة، لتضيف اليها الشعائر والمناسبات الدينية مادة حية لتقوية التنظيم والدعاية ، فما الذي يمتلكه الشيوعيين بالمقابل لكي يعيدوا بناء حزبهم وينتشروا على ارض العراق المجرّحة؟ عيد الجلوس اللينيني؟ لكن آه- بلا سخرية لطفا- هناك ذكرى ثورة تموز التي باتت من كثر المدائح غير النقدية لها تماثل بيرقا ممزقا يلقي ظله المشظّى على هامات الشيوعيين. بيد انها موضوعيا سراج بلا نار، ذكرى بلا شرار، نشيد بلا حماسة. هذا ما تبقى!
وحدها سياسة العلاقات العامة هي التي جربها الامريكان ، وهي سياسة تفريغ الشارع العراقي من السياسة وتركه يرعى على بركة الارهاب المنظم واللصوص ومشعلي الحرائق والانفجارات والمفخخات. الكواليس هو الوجه الآخر لهذه السياسة، وقد انسجم الشيوعيون معها لعدم امتلاكهم جسما ولا حقلا للقوى غير هذه الزفرة الهزلية التي تصلح للبنات المراهقات: الذكرى ناقوس يدق في وادي النسيان!
لقد وجد الهوس التنظيمي الذي يتحلى به الشيوعيون تجسيده في العمل وسط الكواليس وليس بين الجماهير . فما الذي يقال عن هذا السلوك الغريب الذي لا يتفق مع التنظيم الشيوعي؟ سيقال أن الواقع معقد وخطر ، وعلينا ان نكون عامل تهدئة ، وأن نتحول الى جماعة عقلانية تحاول جمع الرؤوس المهووسة بالتمثيل الطائفي والاثني !
من الواضح ان الشيوعيين سيجدوا لهم عملا واسعا وسط جنون التمثيل الطائفي والاثني السائد ما داموا لا يشكلون خطرا على احد ولا ينافسون احدا. عمل يمكن عده وطنيا واستثنائيا، وهو ان يتخصصوا بتمثيل الممثلين في ايام الصخب والاخطاء والنذالات والدسائس. سيجمعوا الرؤوس حول طاولات النقاش، سيكملوا الجمل الناقصة، سيطيّبوا الخواطر المهتاجة ، سيضربوا المثل على العمل الدؤوب ، سيسلّموا للاكراد بقانون 140 ، ويسلموا لعرب كركوك بمخاوفهم ، وهكذا في الموصل، وبين البشبشة والضحكة، بين اجتماع واجتماع، بين جمع هذا الرأس الحامي مع ذاك الرأس الفصيح، سيلتمع خدا ابو داوود الحمراوين الحليقين، وتحلق شخصيته باناقتها الظاهرة ولثغتها الطفولية وأفقها الرياضي، وسيظن هو ولجنته المركزية أن ما يتحقق على المستوى "الوطني" سينعكس على الحزب، وأن حزبا يمارس دور عامل التهدئة والعقلانية قد يختاره الشعب لجائزة الوحدة الوطنية محمولا على الاكتاف، وهذا بالتأكيد سينعكس (يا لمرح النظرية الانعكاسية) على التنظيم. بيد ان الشيوعيين في الواقع سيجدوا انفسهم بلا كرسي يجلسون عليه، فليس كرسي مجلس الحكم لهم بل سجّل لحساب طائفة بعينها ومجيّر لها. أما الحصول على وزارة الثقافة في ظروف كان الناس يذهبون فيها الى بيوتهم منذ الساعة الثانية ظهرا فهي حصة "اللااسياد" في وزارة لا عمل لها ( بالطبع لا ننسى اشاعة مفادها ان الشيوعيين مثقفون)، وقد اتضح في ما بعد أن هذه الوزارة تليق لشرطي متهم الآن بجريمة قتل. أما وزارة التكنولوجيا ..هل هذا هو اسمها؟!

                                         الشجاعة والربط
لنتبارى مع الشيوعيين في ايجاد التبرير اللازم لهم. في الحقيقة اننا نسلّم بتعقيدات الوضع العراقي المحتل، بيد ان خياراتهم في جعل صوتهم اخفت من صوت عذراء، واعتمادهم على مبدأ الواقع ، هذا الواقع الذي لم يحلل، ولم يدرس سوسيولوجيا ونفسيا (تراث الشيوعيين العراقيين النظري يوازي صفرا) جعل من سياسة امر الواقع تنزل بالشيوعيين الى مستوى المسغبة في كل شيء. والحال أظهرت الوقائع ان بعض رجال الدين هم اكثر شجاعة منهم، وثمة رجال سياسة جدد من مختلف الاطياف رفعوا عقائرهم صدقا او كذبا وباتوا نجوما، بل أن رجال الحكم انفسهم انتقدوا ما آلت اليها الاوضاع وقالوا اشياء تقشعر لها الابدان ، في حين ظل سقف الشيوعيين منخفضا مثل اصواتهم.  لقد تسنى لي ان اراقب عددا من الشيوعيين في ندوات وحوارات تلفزيونية وهالني انهم بلا طعم ولا رائحة، هادئون، عقلانيون، كلامهم لا يجدح ، تصريحاتهم لا تقلقل ولا تسبب الاثارة، جملهم مفككة اشبه بالهمهمة ، فهل يعطي العراقيون اصواتهم لجماعة هامسة غير مستعدة للعراك في زمن العراك، وغير فعالة في اي حجاج علني في زمن الهلوسات والثرثرة والاساطير والالم والخوف؟
لا يخلو العمل بين الكواليس من نتائج. على الأقل يمكن الاطلاع من خلله على السلوك السياسي للقوى الاخرى، أو يعطينا صورة عما يجري، أو يقربنا من استنتاجات مهمة. ليس عمل الكواليس باطلا كله ما دام الجميع متفق على قضاء احتياجاته في الغرف والممرات، وما دام الامر يتعلق بمشاورات هدفها التأسيس: للبرلمان، للانتخابات، لتشكيل الوزارة، والاتفاق على اجراءات محددة تحتاج الى لجم الاندفاعات. فما الذي تعلمه الشيوعيون من سلوك الكواليس؟ الصمت كسياسة واقعية، ابتلاع الاهانات، سياسة الثعالب، وأخيرا وجدوا انفسهم بين الممرات التي تفضي في آخر المطاف الى شارع خال. والحال ان الشيوعيين فشلوا في اقامة رابط ديناميكي بين الكواليس والعمل السياسي في الشارع، حتى انهم نسوا معلمهم لينين الذين نعرف كم كان كلبيا (بالمعنى الفلسفي) في السياسة، وكم كان براغماتيا، وكيف كان يربط بين العمل في "الدوما" والنضال الثوري في المجتمع، بين الصحافة الصفراء وتنظيم اضراب. لقد ظلت سقوفهم منخفضة لا تتناسب مع سقوف الآخرين واساطيرهم ، معتقدين ان سلوك خصومهم ومحاوريهم هو مجرد سلوك سياسي ناتج عن احتكاكات او (انعكاسات) الوضعية الراهنة ، ولم يميزوا الجزء الاسطوري والرمزي والمصلحي الفعّال في سلوك الرجال ، في سلوك كل سياسة ، فكيف الحال مع سياسة تتمسك بالتمثيل الطائفي والاثني في القرن الواحد والعشرين ولا تحيد عنه الا بالتحايل ، أو بعد وقوع الفأس بالرأس؟
لكن من لا يحلل نفسه لا يستطيع ان يحلل الآخرين ، والشيوعيون الذين طالموا تباهوا بأنهم ورثة نظرية علمية في التاريخ والاقتصاد والمجتمع ، لا يعرفون من نظريتهم غير الصورة التي تتطاير منها افكار تجريدية تمارس وظيفة الماسحة لغرائزهم العادية الثورية التي هي اقل تضليلا وأكثر ذكاء كما اعتقد. انهم اذن لا يعرفون تحليل انفسهم ولا الآخرين وحسب بل ويضعفون قواهم الحقيقية القادرة على العمل وأخذ المبادرة ايضا.

                                 الاستقلالية والاخفاق
لقد حصل الشيوعيون على مقعدين في البرلمان بسبب وجودهم في كتلة العراقية، ثم خرجوا من هذه الكتلة من دون ان نتبين السبب الحقيقي. يقال ان علاوي يتفرد في الرأي، لكن ليس ثمة حيثيات على هذا في اي قضية اثير حولها الجدل اللهم الا ما نعرف ان علاوي له (رأي) في قضية كركوك وبعض القضايا الخلافية التي يشترك بها مع قوى اخرى من ضمنها القوى الاساسية في الحكومة . هل نصدق أن خلافات رأي مع علاوي تجعلهم يغادرون كتلته في الوقت الذي ظلوا سادة "المساعي الحميدة" و "اصلاح ذات البين"؟
والحال ان تحالفاتهم في الانتخابات المحلية " المترددة" أظهرت حقيقة افق ادارتهم السياسية التحالفية، وسر اخفاقهم الكبير الاخير. فهم يختارون حلفائهم من "خرج" الماضي، من المستودع القديم ، من اخلاصهم المتين للماضي وليس من خلل تحليل حسي لعلاقات القوى القائمة. لست ادينهم هنا لانهم غادروا قائمة العراقية ولكن لا استطيع ان اتبين ان سلوكهم ذاك كان اختيارا املته الاستقلالية وحدها. وأظن ان انتباههم الى استقلاليتهم الذي تجلى مؤخرا في قائمة "اتحاد الشعب" كان محاولة لمعرفة جماهيرهم الحقيقية من جماهيرهم الافتراضية. فبعد ان يئسوا من حلفاء الماضي والحاضر، وبعد ان قدموا عرضا ضعيفا في الانتخابات المحلية، لم تعد جماهيرهم نفسها تثق بأنهم سيحققون شيئا في موازنة وطنية جديدة. لقد عرفت الكثير من اصدقاء الشيوعيين انتخبوا قائمتي علاوي والمالكي، لانهم انتهوا الى نتيجة مفادها ان فوز " كلكامش " يحتاج الى خلق "انكيدو "، وفوز اي من "البطلين" هو فوز للاقوياء القادرين على حلحلة الكابوس المخيم على العراق. وفي كل الاحوال أمل هؤلاء ، حالهم حال الناس، من أن فوزا صعبا سيعلّم الفائز الواقعية والحذر والوفاء بالوعود.
شخصيا لا احب الاستقطاب، ونتائجه قد تكون وخيمة في بلد لا يمتلك تقاليد ديمقراطية. لكن من يستطيع ان يمنع تنافس الخيول السريعة ؟ سواء فاز الاول على الثاني بالتصوير أو بمسافة مريحة، فإننا نأمل ان ينتهي الامر بسلام بلا عض.  
إن عراقيي اوروك قبل نحو 6 الاف عام كانوا حكماء جدا عندما طلبوا من اللالهة خلق منافس لمستفرد، وفي النهاية انتصر مجلس حكماء المدينة على التهور وطالبي المجد والسلطة. إن قصص السياسة المغلّفة بالاساطير في العراق القديم انطلقت كلها من لحظة غير متوازنة لتحقيق التوازن. كان هذا ديدن العراق ولا زال. كان هذا ديدن السياسة في "الجمهورية" لافلاطون كذلك : التوازن والسعادة!
ما الذي عرفه الشيوعيون عن قواهم؟ لا اظنهم في موقع يستطيعون فيها أن يعرفوا، ليس لأنهم خسروا، بل لأنهم لا يعرفون لماذا خسروا، ولماذا كان رهانهم على استقلاليتهم قد فات اوانه، وقد فات حقا على نحو يماثل العقوبة. إنهم فوق هذا وذاك لم يدركوا طبيعة المعركة، على الرغم من انهم عاشوا في الكواليس لمدة طويلة، وتعرفوا على ابطال اللعبة. والحال انهم لا يمتلكون التنظيم الذكي الذي يحلل توازنات القوى على نحو موضوعي، وهم حتى الان، وقد اختاروا المراهنة على قواهم وحدها، لم يحللوا النتائج السياسية التي تطفوا من حولهم والتي قررت موضوعيا اهمالهم وعزلهم. لقد استخدموا التصنيف الاخلاقي البائس في الدعاية الذي قد يفيد في الحواشي وليس في المتن السياسي والفكري. ولا اظنهم سيفيقون من هذه الصدمة ويتعلموا منها، فهاهم يتهمون مفوضية الانتخابات ويكيلون النقد للنظام الانتخابي الذي خبروه حقا، ولكن لم يشيروا في نقدهم ، ولا حتى بالتلميح، أن كلا من المفوضية والنظام الانتخابي هما من صنع الكواليس والنظام السياسي الحالي. حتى وهم ينتقدون يختارون اهدافا سهلة. وعمليا يبدو ان نقدهم للمفوضية يخدم البعض ولن يخدمهم .
إن لعبة الصغار الذين يمارسون الذكاء والتمحل انتهت. النظام السياسي يعمل وأبطاله لا يحتاجون الى خدمات الصغار الا اذا مثلوا شيئا.

                                  استدراك ونتائج
 ادرك ان الشيوعيين سينزعجون من هذه المقالة، وادرك ايضا ان بعض القوى ستريحهم جدا. لست مسؤولا في الحقيقة عن اي التباس، عن الانزعاج وعن التهليل. لكن ما دام الشيوعيون سيشرعون في تقويم تجربتهم ، وهذا ما اظنه ، فعليهم ان يدركوا الان قبل الغد ان اخفاقهم المجلجل يتجاوز هذا النقد. إن صحيحي الفؤاد والعقل وحدهم من يتعلم من الاخفاق، ويتعلم من خمشات النقد، وجروح التجربة. هذا هو المبدأ . بيد انني اصارحهم القول بكوني اكثر يأسا من ان ابني توقعات خاصة بتعلمهم في حدود هذه التجربة التي تمتصها وضعية تاريخية كاملة وتعيد وزنها بمعايير روح هذا العصر. لقد دأب الشيوعيون على نقد اخفاقاتهم السياسية المتكررة من دون ان يتغير الطابع النوعي لثقافتهم السياسية ولمبادئهم التنظيمية، لعل السبب انهم ظلوا يحومون فوق ماضيهم وتراثهم المليء بالجراحات والاخفاقات والمناورات والانشقاقات والخسائر غير المبررة وغير قادرين على انتزاع انفسهم منه. وبكلمة ظلوا شيوعيين. هذا هو مربط الفرس. ولقد ظلوا شيوعيين بالمعنى السيء للكلمة، بمراجع فكرية وسياسية قديمة ومهلهلة، وبالاعتماد على نفس الذكريات والرموز التي ينفخون بها كل عام بالمناسبات. لا شيء تغير في الحقيقة . إن الماضي الشيوعي ظل مرجعا ، وكلما زادت الاخفاقات في الحاضر ارتكنوا الى تاريخ الحزب مجددا بوصفه تاريخا حيا ، هنا والآن، والى الرمزية الشيوعية المدوخة بوصفها ربة الحكمة والاخلاق، ولهذا السبب لم يستطع هذا الحزب ان يكون نواة للقاء اليسار العراقي او للديمقراطيين التقدميين. من لا يتغير لا يستطيع ان يقود اي تغيير. ومن لا يعرف ان الشيوعية غادرت الميدان الفعلي سيجتر تاريخا غادره التاريخ. أما آن الاوان ان تنضاف  حيوية الشيوعيين العراقيين التنظيمية الى حزب ديمقراطي اشتراكي جديد؟ إنه اقتراح.
استخدم في النهاية ماركس الذي يتذكره الشيوعيون لكنهم لا يعرفونه : " لقد قلت وخلّصت نفسي".  

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سهيل سامي نادر


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni