... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
الزهايمر السياسي والمصداقية

د. يحيى الكبيسي

تاريخ النشر       25/04/2010 06:00 AM


حققت القوات الأمنية العراقية نجاحين كبيرين الأسبوع الماضي، الأول القضاء على زعيمي القاعدة: أبو عمر البغدادي زعيم دولة العراق الإسلامية، وأبو أيوب المصري أو أبو حمزة المهاجر، وزير دفاعه، وقائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين؛ وذلك من خلال عملية عسكرية مشتركة أسقطت فيها مروحية أميركية، وتمت فيها الاستعانة بالقوات الجوية الأميركية من اجل قصف الموقع. والثاني إلقاء القبض على "والي بغداد" المدعو مناف عبد الرحيم الراوي المسؤول، تبعا لما صرح به الناطق باسم عمليات بغداد، عن جميع العمليات النوعية خلال الأشهر التسعة الماضية، من عملية تفجير وزارتي الخارجية والعدل في آب 2009، إلى عملية تفجير السفارات في نيسان 2010.
ولكن لا أحد من السياسيين، أو الناطقين الرسميين، أو القادة الأمنيين، تحدث، أو حتى أشار إلى تصريحاته، وتأكيداته السابقة، وما ترتب عليها من مواقف، وبالتأكيد لم يفكر أحدهم بالاعتذار عن تلك "الأخطاء"، وكأن الجميع أصيب بزهايمر مؤقت. فمنذ العام 2007 ونحن، العراقيين، أمام سيل من الأخبار تتعلق بالرجلين الأولين:
ـ في 16/2/2007 المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، يعلن أن قائد تنظيم القاعدة في العراق الإرهابي أبو أيوب المصري أصيب بجروح خلال اشتباكات جرت قرب بلد شمال بغداد. وأن احد مساعدي المصري قتل في الاشتباك.
ـ في 3/5/2007 المتحدث باسم وزارة الداخلية يعلن عن وجود معلومات استخبارية "مؤكدة" تشير إلى مقتل أبو أيوب المصري في اقتتال داخلي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تحديد المنطقة التي قتل فيها "قرب جسر في بلدة النباعي شمال بغداد"! بل حدث مسؤول الاستخبارات في الوزارة إن " جثة أبو أيوب المصري صارت بالفعل تحت سيطرة الحكومة وسيتم عرضها في الساعات القادمة بعد الانتهاء من بعض الإجراءات".
ـ في 23/4/2009 الناطق باسم عمليات بغداد يعلن إلقاء القبض على أبو عمر البغدادي "خلال عملية دهم وتفتيش شنت إثر ورود معلومات استخبارية دقيقة"، ولكن سيتحدث أيضا عن أنه تم اعتقاله "في سيارته لأحد التقاطعات في قاطع الرصافة ببغداد"!
ـ في 27/4/2009 المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع يؤكد أن الشخص الذي أعتقل هو أبو عمر البغدادي.
ـ في 28/4/2009 مجلس الوزراء يؤكد ان المعتقل هو البغدادي نفسه، وأن "هذه العملية النوعية تمثل انتصارا جديدا للقوات الأمنية وردا حاسما على فلول الإرهاب وإعلانا لهزيمة القاعدة". وفي اليوم نفسه سيعرض الناطق باسم عمليات بغداد صورا للبغدادي، مؤكدا بأنها "تطابقت مع ما موجود لدينا من معلومات استخبارية مؤكدة"، مبينا أن عملية الاعتقال " نفذتها قوات عراقية بعد جهود استخبارية استمرت لمدة شهرين قادت الى استدراج البغدادي الى احدى الساحات بمنطقة الرصافة، ثم اعتقاله بشكل مباغت"، وان البغدادي يخضع للتحقيق الآن، وسيحال الى القضاء بعد انتهاء التحقيق".
ـ في 18/5/2009 الناطق باسم عمليات بغداد يعرض شريطا تلفزيونيا مسجلا لاعترافات أحمد عبد خميس المجمعي المعروف بأبي عمر البغدادي، يقول فيها "انا موظف في شركة الكرامة التابعة لهيئة التصنيع العسكري المنحلة، وفي عام 2005 عملت مع تنظيم القاعدة في العراق وبعد عام اخترت كأمير للتنظيم في العراق وأطلقوا علي تسمية ابو عمر البغدادي الحسيني".
وحول علاقة القاعدة بدولة العراق الإسلامية وبحزب البعث يقول " العلاقة بين هذه التنظيمات واحدة لان مصدر تمويلها واحد وعمليات مشتركة". ويؤكد الناطق باسم عمليات بغداد أن البغدادي "كشف عن تلقي تنظيم القاعدة نوعين من الدعم المالي الاول خارجي من جمعيات خيرية من دول سوريا ومصر والسعودية وداخلي من عمليات التسليب ونهب رواتب موظفي الدولة"، وأضاف ان "الاعترافات التي أدلى بها البغدادي هي جزء من تحقيقات القضاء العراقي".
ـ في اليوم نفسه يشن الحزب الإسلامي العراقي هجوما عنيفا على المتحدث باسم عمليات بغداد وقناة العراقية على "المعلومات المفبركة" التي جاءت في اعترافات البغدادي المتلفزة حول علاقته بالحزب الإسلامي. وأكد الحزب أن محاولة الإيحاء بوجود علاقة بين الحزب والقاعدة " باتت كذبة مكشوفة واسطوانة مشروخة وحيلة رخيصة ومحاولة طفولية ساذجة". بل لقد اتهم سليم الجبوري المتحدث الرسمي لعمليات بغداد ، صراحة، بان ما قام به "هو رد فعل جاء بإيعاز"، وأن التوقيت الذي أعلنت فيه هذه المزاعم "عليه الكثير من المؤشرات".
ـ في يوم 20/5/2009 يعلن قائد شرطة ديالى أن البغدادي "واسمه الحقيقي احمد الأحمدي هو زعيم ما يسمى دولة العراق الإسلامية وشغل منصب عضو في المجلس البلدي لناحية بهرز سنة 2005 سيّما وأن الناحية ومناطق الكاطون والهاشميات والحديد، ظلت لفترة طويلة من اهم معاقل تنظيم القاعدة في العراق".
وأضاف أن "قواتنا قدمت معلومات استخباراتية دقيقة عن تحركات البغدادي للأجهزة الأمنية في العاصمة بغداد وهو ما أسهم في القبض عليه".
ـ في 26/5/2009 قائد شرطة ديالى يعلن أن "قوات مشتركة من استخبارات مديرية شرطة ديالى وقوات الطوارئ نفذت عملية عسكرية فجر اليوم الثلاثاء استهدفت معقلا مهما للقاعدة في جلولاء، أسفرت عن اعتقال شقيق أبو عمر البغدادي والمدعو زيدان عبد احمد المجمعي"!
أما في ما يتعلق بمناف عبد الرحيم الراوي، فقد أعلن المتحدث باسم عمليات بغداد يوم 22/4/2010 ، أن هذا الشخص مسؤول عن عمليات إرهابية عدة منها "الإشراف على تفجيرات وزارات الخارجية والمالية والعدل ومجلس المحافظة ومحكمة التمييز والمعهد القضائي"، فضلا عن "إشرافه على التفجيرات التي استهدفت السفارات والفنادق في بغداد". ولنتذكر:
ـ يوم 22/8/2009 وبعد ثلاثة أيام فقط من تفجيرات أربعاء الرماد، يعلن السيد رئيس الوزراء إلقاء القبض على المتورطين بتفجيرات الأربعاء. ويعلن المتحدث باسم عمليات بغداد في اليوم نفسه اعتقال شبكة إرهابية اعترف أفرادها "بارتباطهم بصورة مباشرة بحزب البعث المنحل وبأنهم مكلفون من قبله بتنفيذ هذه الهجمات".
ـ يوم 23/8/2009 المتحدث باسم عمليات بغداد يقول ان "المتهم محمد يونس الاحمد هو المسؤول الرئيس عن العملية الانتحارية التي استهدفت وزارة المالية "، ويعرض اعترافات "المسؤول الأول" عن تفجيرات الأربعاء، يعلن فيها بأنه عضو في حزب البعث المنحل جناح يونس الاحمد، وأن حزب البعث هو المخطط والمنفذ لهذه العملية!!
ـ يوم 25/8/2009 الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية يعلن أن "مجلس الوزراء قرر في جلسته الاعتيادية المنعقدة اليوم، مطالبة حكومة الجمهورية العربية السورية بتسليم محمد يونس الأحمد، وسطام فرحان لدورهما المباشر في تنفيذ العملية الإرهابية".
ـ يوم 10/11/2009 السيد رئيس الوزراء يعلن في مؤتمر صحفي أن التحقيقات الخاصة بتفجيرات الأحد "التي استهدفت مقر وزارة العدل أسفرت عن إلقاء القبض على 74 شخصا ينتمون إلى حزب البعث المنحل نفذوا هذه التفجيرات".
ـ يوم 22/11/2009 عمليات بغداد تعرض اعترافات "المتورطين" في تفجيرات الأحد تشير إلى "وقوف تنظيمات البعث وراء التفجيرات"، وبأن "من خطط ونفذ التفجيرات هم أشخاص ينتمون لتنظيمات حزب البعث".
فجأة صار هذا كله نسيا منسيا؛ التصريحات والتأكيدات، والأهم الاعترافات المسجلة التي قلنا عنها مرارا أنها ليست قانونية، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة، طبعا من دون إثارة موضوع حقوق الإنسان الغائبة دوما، والظروف التي دفعت هؤلاء الذين عرضوا على شاشات التلفزة الى الاعتراف المزيف.
ولا أحد كلف نفسه مشقة توضيح هذه التناقضات، لا سيما أننا لسنا بإزاء مجرد "أخطاء فنية"، وإنما بإزاء مواقف سياسية تم بناؤها على أساس هذه المقدمات. والأخطر من ذلك كله هو الاستخدام السياسي لهذا الملف الخطير. أما الحديث عن المصداقية وحدودها في العمل السياسي، فستظل موضوعا غير مفكر فيه أصلا.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. يحيى الكبيسي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni