... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
اللاجئون والحكومة... التزامات أم مكرمات؟

د. يحيى الكبيسي

تاريخ النشر       28/06/2010 06:00 AM


قررت الحكومة العراقية في جلستها رقم 21 بتاريخ 25 /5 /2010 الموافقة على تحويل مبلغ (5.9) مليار دينار إلى المصارف العراقية في البلدان العربية (لبنان وسوريا والأردن)، لتوزيعها رواتب على العوائل المهجرة في تلك الدول، وقد صرح وزير الهجرة والمهجرين عبد الصمد سلطان لإذاعة العراق الحر يوم
2 /6 /2010 بأن عملية التوزيع تعتمد على القوائم المقدمة من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تحديد أعداد العوائل النازحة والمهاجرة. وأكد أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعاني من ضائقة مالية، لذا فقد قررت الحكومة العراقية إعطاء منحة تبلغ 200 دولار للعائلة المهجرة، لكنه أوضح أن هذه المنحة لا تتعارض مع إستراتيجية الوزارة في تشجيع اللاجئين على العودة الطوعية للعراق.
وتعد هذه أول خطوة عملية لمساعدة اللاجئين العراقيين في الخارج بشكل مباشر تقوم بها الدولة/الحكومة العراقية، وهي ثاني منحة مالية تقدمها، بعد منحة الـ 25 مليون دولار التي قدمتها لسوريا والأردن عام 2007.
وعلى الرغم من أهمية هذه الالتفاتة الحكومية المتأخرة، إلا أن السؤال الذي يطرح هنا هو: هل تتناسب هذه المبالغ مع أعداد اللاجئين العراقيين في الخارج ممن هم بحاجة ماسة إلى المساعدات؟ فالمبلغ المخصص يعادل 5.042.735 مليون دولار، وتبعا للأرقام التي أعلنها السيد وزير الهجرة والمهجرين، فان عدد العوائل التي ستحصل على هذه الرواتب هي (25.214) عائلة عراقية فقط، في ثلاث دول هي سوريا والأردن ولبنان. ثم أن السيد الوزير يتحدث عن ضائقة مالية تعاني منها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، في حين أن ميزانيتها المخصصة للعراق لهذا العام فقط تصل إلى 264.285.225 دولار!!!
ليست ثمة إحصاءات دقيقة، أو أرقام موثقة لأعداد اللاجئين العراقيين في كل من البلدان المتقدمة، فالجهات العراقية لم تعلن أرقاما رسمية، إذ لم تقدم وزارة المهجرين والمهاجرين المسؤولة قانونيا عن (جميع الأمور المتعلقة باللاجئين والمبعدين العراقيين) كما ينص على ذلك أمر إنشاءها، بيانات- أو إحصاءات- عن اللاجئين العراقيين، كما كانت تفعل أحيانا فيما يتعلق بالنازحين داخليا. فيما تقدم الدول المستقبلة للعراقيين أرقاما يرى البعض أنها مبالغ فيها لأعداد اللاجئين العراقيين. فالحكومة السورية تتحدث عن نحو مليون عراقي على أراضيها، مقابل 1.4 مليون كانوا موجودين قبل تطبيق شروط الحصول على الإقامة عام 2007. أما الحكومة الأردنية فما زالت تعتمد النتائج التي توصلت إليها الـ Fafo بالتعاون مع الحكومة الأردنية وال UNFPA منتصف العام 2007؛ والتي قدرت عدد العراقيين فيها بين 450 و 500 ألف لاجئ. ولا يقدم لبنان أية أرقام رسمية عن العراقيين فيه.
إن الملمح الرئيس لطريقة تعامل هذه الدول مع اللاجئين إليها، هو أنها جميعا لا تعترف بهم بوصفهم لاجئين وفق ميثاق 1951 و بروتوكول 1967، اللذين يعرفان اللاجئ بأنه الشخص الذي "يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأى سياسي ، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف ، أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد..." (اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين). إما لأن هذه الدول ليست اعضاء في هذه الاتفاقية، أو لأنها تأخذ بالتأويل الذي لا يعد المدنيين الفارين من الصراعات، لاجئين؛ أي أنها لا تلتزم بالتأويل الذي تعتمده المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، الذي يرى أن الذين يفرون جراء مثل هذه الظروف، والذين تكون دولتهم غير مستعدة لحمايتهم أو عاجزة عن ذلك، ينبغي اعتبارهم لاجئين. ومن ثم، ظل التعامل مع اللاجئين العراقيين خاضعا لمقتضيات خاصة بهذه الدول، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، وتحولاتها، أكثر من خضوعه لمعايير قانونية عامة تحكم الجميع دون استثناء. وهو ما يصدق أيضاً على طريقة تعامل هذه الدول مع اللاجئين المسجلين رسميا لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من طالبي اللجوء الذين حصلوا على بطاقات طالبي اللجوء، أو اللاجئين المعترف بهم، أو الذين تم رفض طلباتهم، خاصة فيما يتعلق بإجراءات ترحيل المخالفين منهم للمدة المحددة للإقامة.
أما المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، فإنها أيضاً لا تقدم سوى أرقام تقريبية لعدد اللاجئين العراقيين، حيث لم تقم أي منها بإجراء إحصاء دقيق لهم. وآخر تقرير أصدرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR في كانون الثاني 2010 يقدر العدد بـ مليون و385 ألف و 650 لاجئ، موزعين كالآتي:
ـ في سوريا، تقول المنظمة إن أعداد المسجلين لديها في تناقص، ولكنه ما زال بالآلاف كل شهر. 39 % من المسجلين بحاجة إلى احتياجات محددة، وإنه ليس هناك عودة واسعة النطاق. وهي تقدر عدد العراقيين في سوريا بـ 747.910، منهم 167.840 يتلقون مساعدات من المنظمة.
ـ في الأردن، مازال الرقم المعلن هو 500 ألف، منهم 66.480 يتلقون مساعدات منتظمة من المنظمة.
ـ في لبنان 48.200 ألف، منهم 10 آلاف يتلقون مساعدات من المنظمة.
ـ في إيران 44.400 ألف، وجميعهم يتلقى مساعدات من المنظمة.
ـ في مصر9.200 ألف، وجميعهم يتلقون مساعدات من المنظمة.
ـ في تركيا 8940، وجميعهم يتلقون مساعدات من الأمم المتحدة.
وهذه الأرقام تعني أن عدد اللاجئين ممن يتلقون مساعدات منتظمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو: 306.860 ألف لاجئ، أي ما نسبته 22.1 % من مجمل اللاجئين.
لقد قصر قرار مجلس الوزراء العراقي توزيع الرواتب على ثلاث دول فقط، ولم يشمل الدول الثلاثة الأخرى التي يتواجد فيها العراقيون, كما أن المبلغ المقرر لن يغطي سوى نسبة 8.9 % فقط من مجموع الذين يتلقون المساعدات في هذه الدول، ولن يغطي سوى نسبة 15.9 %من مجموع اللاجئين، تبعا لأرقام المفوضية نفسها. والغريب أن الدول الثلاثة التي استثنيت من توزيع الرواتب (وهي إيران ومصر وتركيا)، تتميز بان جميع العراقيين فيها من الفئات الهشة، وهم جميعا يتلقون مساعدات منتظمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
هكذا لا يكون اللاجئ بالنسبة للدولة/الحكومة سوى رقم تجريدي هي قادرة على اختزاله، وربما محوه في لحظة لاحقة. لا نتحدث هنا عن أشخاص بعينهم، وإنما عن نسق عام في تعامل الدولة العراقية، بسلطتيها التنفيذية والتشريعية مع هذا الملف؛ سواء من خلال السكوت والتغاضي، وفي أحسن الأحوال التقليل من أهميتها، أو المبالغة والتهويل، لغرض الاستخدام السياسي، بوصفها جزءا من أدوات الصراع بين الأطراف السياسية المختلفة.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. يحيى الكبيسي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni