... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
عدسات مفتوحة .. على العراق

يقظان التقي

تاريخ النشر       12/07/2010 06:00 AM


"عدسات مفتوحة" (العراق) كتاب مصور ليوجيني دولبرك، يضم مجموعة من الصور الفردية وثماني مقالات لنساء من بغداد والبصرة والفلوجة وكركوك والموصل في عامي 2006 و2007. هؤلاء النسوة لسن مصورات ولا كاتبات وإنما جمعتهن حاجتهن لتوثيق قصصهن.
كتاب يلتقط كثيراً من الأشياء بالشكل والجوهر في العراق أشبه بريبورتاج وثائق فوتوغرافي مصور، تستلهم من الصور الكثير من المعاني وتتمتع النصوص المنقولة بالقدرة على الكشف عن الكثير من جوانب الشخصية العراقية اليوم إزاء تحديات كبرى تواجهها.
الصور تقترح مادة للتأمل العميق والمؤلم في ما آلت إليه الأمور والنصوص بقدر أكثر عنفاً من الصورة حيناً ومن الواقع المباشر نفسه.
وهي بالتأكيد غير صور مجتمع الرفاهية والازدهار في نظرة عميقة على الحزن والسواد وتقفز إلى الأبصار والاسماع قصة الناس العاديين والفهم العميق الذي لدى الناس من أبناء البلد لمجتمعهم.
صورة تظهر مدى العنف الذي تعرضت له الطبقة العراقية فيما يشبه العبث والوحشية والسوريالية في مدى تضطر معه الناس إلى التحمل من أجل البقاء على قيد الحياة وسط القتل على الطرقات وتعرض الأجساد للانفجار. ففي غضون 26 عاماً من الحروب المستمرة و13 عاماً من أقسى العقوبات عبر التاريخ تمكنت النسوة في العراق من إدامة تماسك المجتمع فيما رجالهن في ساحة القتال. هنّ من كن يمسكن بلقمة العيش وهن من حافظن على وحدة العائلة وتزامن ذلك مع الضغط النفسي للتعايش مع جيل من الرجال العراقيين الذين أفنوا زهرة شبابهم في الحروب.
قصص مصورة في خدمة قضايا اجتماعية وأحداث سياسية اجتاحت النساء في مشروع جرى تنفيذه في سوريا بديلاً من العراق وهناك أتيح للنساء أن يتلقين فن التصوير ويتشاطرن تجاربهن قبل أن يعدن إلى العراق لالتقاط الصور في الكتاب وكتابة قصصهن المصورة.
مرارات
استنكارات مريرة وأشياء معزولة في ظلمتها وخربشات القلم على الورق وكلمات تراها تشتعل عبر الحروب والعقوبات والزيجات الفاشلة واللوعة والحب والسعادة وأوقات المقاومة والانجازات والانتصارات الصغيرة وخرائط حياة كاملة تزينها قصائد وملاحظات وأقوال مأثورة وصور شخصية. وكل واحدة تقدم في الكتاب خارطة لحياتها للمشاركات الأخريات بذلك المدى من التنوع الاجتماعي والديني والسياسي.
كان على المشاركات أن يقمن بدراسة عوامل مختلفة للتصوير ويتحولن في أزمة المدينة العنيفة ليصورن ويراجعن لقطاتهن وبتقنيات التصوير اللازم لفرض استخدامها للتعبير عما يرغبن بقوله.
وجهة نظر النسوة صريحة شديدة الوضوح وسط انهيار العوالم من حولهن ووسط التهديدات اليومية بالقتل والخطف من قبل الميليشيات والتفجيرات وحظر التجول وإغلاق الحدود، ناهيك عن قطع الكهرباء وقطع الطريق وطوابير البنزين وانقطاع المياه وشبكات المواقف التي كانت جزءاً من الحياة اليومية.
قصص هي الشاهد عن الإنسانية المخفية خلف تقارير الأخبار حيث البشر يتحولون إلى أعداد، والقصص شهادة على شجاعة أولئك النسوة التي مررن بها لا يخطر على البال من ذعرٍ نتج من اجتياح العراق.
عندما دخل الأميركان قطعوا معظم الشوارع الرئيسية وصارت الحواجز والأسلاك الشائكة جزءاً من "معمار" بغدادنا.. قبل الاحتلال كان هذا المكان محطة كبيرة لمغادرة ووصول آلاف الناس يومياً من بغدد وإليها" (لجين).
"ذهبت لزيارة صديقتي في الجامعة المستنصرية، صدمتني رؤية بقايا أشلاء الضحايا على النخيل، في اليوم السابق فجر رجل نفسه حيث باص لنقل الطالبات.. سارع الناس لإنقاذ الجرحى فانفجرت سيارة أخرى قتلت المسعفين أيضاً سيارة أخرى انفجرت وحصدت من بقيا حياً.. (لجين)
"البصرة ميناء يعوم على بحر من النفط.. كانت دائماً أرضاً خصبة للزراعة.. برغم كل هذا، يعيش في فقر مدقع، كل شيء ملوث، الشوارع المدمرة مهملة، طفح المجاري، والأمطار المتجمعة.. أكوام القمامة...
ازداد الدمار من حولنا... ازددنا خوفاً من بعضنا وازددنت قسوة النظرات.." (نور البصرة).
"نخلنا اليوم يحترق ولا يمكنني أن افهم لماذا؟" (نور البصرة)
بعد الاحتلال، بدأ الناس يبحثون عن أولادهم المفقودين، كثيرا في سجون الأمن العام، كانوا ينادون عليهم، يطرقون الأرض، ينصتون آذانهم عليها.. يصغون.. عندما تمكنوا في النهاية من ثقب الأرض، لم يجبروا أحداً بالطبع" (نور البصرة).
"بوش سماها "عاصفة الصحراء".. سماها صدام حسين "أم المعارك" ونحن سميناها "ام المهالك".. (أم محمد).
"هذا متحف التاريخ الطبيعي في البصرة.. أتذكر ان مدرسة العلوم اصطحبت صفنا لزيارة المكان كان ممتلئاً بالحيوانات وآثار الانسان القديم.. بعد الاحتلال حطم المكان بأكمله" (أم محمد)
"خالد في الثالثة والعشرين، يعمل حلاقاً قبالة مركز شرطة قريب" توقفت شاحنة، قفر سائقها، خرج خالد من محله صارخاً "مفخخة".. انفجر المكان، لم يبق من خالد سوى صورة..."
"كانت البصرة مركز جذب لكثير من الأشخاص والحضارات.. مكاناً حميماً وأنيقاً.. اليوم سلب منا كل ما أحببناه في المدينة.. لم تعد البصرة التي عرفت، مرارة الخسارة تعصر قلبي" (عند نهر العشار ـ البصرة).
(كنت في الخامسة من عمري عندما أخذني خالي إلى سينما الكرنك لمشاهدة فيلم "عنتر وعبلة".. بعد الاحتلال أنهى الآخرون حياة السينما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ فساد الأفلام ـ دمروا السينما (سينما الكرنك).
"داهموا منزلنا في الفلوجة الثالثة ليلاً.. رفعت الشراشف.. أردت أن أغطي شعري، منذ ذلك اليوم.. غيرت مكان سريري ليكون بمواجهة الباب لا أنام" (مريم ـ الفلوجة).
" لا أستطيع العمل.. لا أستطيع الذهاب الى أي مكان. لم يخلقنا الله أمواتاً، نريد ان نكون أحراراً.. الحياة أكبر من هذا المكان الصغير الذي أسير فيه بين النوم واليقظة.. بين الليل والنهار. (بيتي بالفلوجة).
".. أحاول النوم.. أصوات النساء تملأ جمود عالمي، ويغزوني القلق.. لساعات وساعات أحدق في سقف الغرفة (بيتي بالفلوجة).
"كل يوم أودع ابنتي في طريقها إلى الجامعة.. أقبلها أقف عند الشباك واصلي ان تصل بسلام.. أشعر أني اتمزق. في الموصل حياتي وحياة أطفالي، بيتنا، ذكرياتنا.. كل ما نعرفه ويعني لنا.. ولكن.. لا أظلمهم بالبقاء، وان غادرت إلى أين أذهب، أي مستقبل يمكن أن امنحهم حينها"! (انطوانيت ـ الموصل).
"كنت طفلة شديدة الخجل.. أخاف من أي صوت ومن العتمة.. تأتأت حتى بلغت الصبا.. منذ أن أصبحت أماً. توقف كل هذا. لن أسمح لأحد.. لا للإنفجارات ولا للجيوش ولا لأي بشر أن يزرع الخوف في أولادي". (أنطوانيت الموصل).
"أهرب الى فراشي عسى أن تفارقني مخاوفي. توقظني أصوات الإطلاقات النارية والهاونات.. لم يعد حتى النوم مهرباً". (سراب بغداد).
"أذكر رائحة الدم وصراخ الناس وهم يركضون من الانفجار.. كانت شظايا صغيرة تملأ حجابي". (سراب بغداد).
"أمضي ساعات طوال أمام ماكنة الخياطة. يختفي العالم من حولي.. وتنقطع الكهرباء.. فأعود إلى ظلمة غرفتي.. ماكنتي بلا حياة مثلي". (سراب بغداد).
"أراقب الشارع من خلال فتحة في الباب.. لا أكاد أرى من المارة غير ظلهم الناطق وهو يذكرني أن هناك ما هو خارج جدران حديقتي.. عالم أبعد من الخوف". (سراب غرب بغداد).
".. هذا هو المكان الذي أخذوني إليه بعد اختطافي.. وضعوني في حفرة وسكبوا البترول على جسدي رائحة البترول لم تفارقني لأيام، وكلما مررت من تلك الأرض الخلاء، تعافى جسدي ولكن ما زلت أحمل خوفاً ورائحة تنبعث من جديد". (لؤلؤة كركوك).
"تعبت من همومي غير أن عالمي يطاردني أينما ذهبت أعود الى بيتي مهزومة". (لؤلؤة كركوك).
"نقف على الأطلال.. نستذكر، بصمت أحباء.. وها نحن نقف حيث غادرناهم.. العديد العديد ممن لم نعرف لهم اسماً حتى...". (ريا بغداد).
"كان مقهى الشاهبندر، المقهى الأدبي الوحيد الذي يحتوينا جميعاً.. إنه المقهى الوحيد الذي أجلس داخله من دون حرج من عورتي. أنا الأنثى التي أحال الدين كمثرتي المتدليتين من صدري خزياً، وجعلني أحمل الزنبق بين فخذي عاراً.. ولدوا من أرحام تشبه رحمي لكنهم تخلوا عن رحمة الرب". (مقهى الشاهبندر في شارع المتنبي بغداد).
"كان جسر الشهداء، أحد أماكني المفضلة في بغداد.. الأسماك والنوارس.. الجسر اليوم مغلق". (جين بغداد).
".. ترى أي مستقبل ينتظرنا إن غيّب الجهل هذه الأغلبية الصامتة! (جين بغداد).
هي صور العراق بعد تدميره، وسنوات على القضاء على نظام صدام حسين ولا تترك مجالاً للأوهام عن أيام كانت طاغية على حياة العراقيين وما تزال طاغية في سلوكيات الحياة السياسية المعقّدة ومن خلال الأعمال التي تكشف عن أيام جادة مؤلمة.
تسجل الكاميرات على عفويتها مهارتها في التقاط الأحوال وأخذ الوضعيات والملامح والإطار لمشهد هو أقرب الى الحقيقة. صورة لها طابعها السوسيولوجي، والتاريخي وما يترك ويحفر أثراً على أرض العراق وليست عنصراً دعائياً وتقنياً وجمالياً فقط. وحيث تجرى الصورة ومعها النص هناك التمزق الغاضب والصورة ومضمونها القاسي ويشحن النص غضب كبير على ما جرى وما يجري في العراق.
كتاب يظهر عنفاً وحساسية المشهد من العراق اليوم والتنديد بما يجري من العنف الظاهر والذي يبلغ حد التشهير وبالشراسة الذاهبة بألوان العراق وازدهاره وبكل ذلك العنف والفظاعة، وعالم صار معلقاً على حساسية مفرطة تدعو إلى التأمل حيناً والكثير من الصراخ أحياناً إذ لا مجال للتسامح مع كل ذلك الظلم والفسق والخضوع الجديد لسياسة القوة وكل ذلك العبث الملقى على الناس.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  يقظان التقي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni