... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
نداءان متناقضان من واشنطن والمطلوب مساعدة اوباما

سرمد الطائي

تاريخ النشر       03/08/2010 06:00 AM


نعم، الرئيس باراك اوباما يقوم بتحويل جذري لمهمة واشنطن في العراق. بيد ان الحكاية تبدو مثيرة اكثر مما كنا نتصور. لقد كانت واشنطن تحاول مساعدة بغداد طيلة 8 اعوام، وكان التقدم في العراق هو الهدف. لكن الادارة الاميركية الحالية تقول ان على بغداد اليوم ان تقوم هي بمساعدة واشنطن، وان التقدم بين اروقة البيت الابيض، هو الهدف!

كانت اميركا تحاول تصحيح الاوضاع في العراق. وبناء على خطة اوباما فإن على العراق اليوم، ان يتولى هو تصحيح الاوضاع في اميركا! يا للعجب.

تخيلوا المفارقة. الضعيف المدمر والمشلول عليه ان يعين العملاق القادر، الآمر الناهي بين السموات السبع والقارات السبع.

ولعل من متطلبات هذا بنظر واشنطن ايضا، الابقاء على كل تفاصيل الصورة كما تركها الجنرال ديفيد بترايوس العام 2003، اي الوقوف بوجه التغيير السياسي ايضا، وتجنب اي تحول قد يعد مجازفة بنظر اوباما، تطيح بآمال الانسحاب.

هل يقنعني احدكم بأن هذا النوع من الخطط لا يثير الفزع حتى في المخادع الزوجية لرؤساء العالم؟ هل يتحملون خللا بهذا المستوى في المعادلة؟

اوباما يريد ان ينسحب نهائيا دون ان يترك اي طائرة مقاتلة او بارجة حربية في سماء العراق ومياهه. وذلك قبل ان يساعد العراق في امتلاك ولو ربع القوة المطلوبة لملء السماء والمياه الاقليمية، التي تحيط بها تحديات قاسية للغاية.

كنت اتحدث مع ضابط عراقي رفيع صباح اليوم. سألت: هل تصدق الخطة التي يتحدث عنها سيد البيت الابيض، وبماذا ستملأون السماء حين تختفي طائرات اميركا وتترك لديكم 50 هليكوبتر ضعيفة التسليح و10 طائرات مراقبة اشبه بالطائرات الشراعية؟

قال الرجل بأسى شديد: لا احد يجيب على هذا السؤال. ان الخطة التي نعتمدها في العراق والتي سيبدأ تطبيقها في 31 – 12 – 2011 بعد انسحاب اميركا نهائيا، هي ان ندعو الله كي يدفع عنا اي دخيل. اي ان الخطة العراقية ستقوم على افتراض ان لا يعتدي احد على العراق!

كيف يتقبل الرأي العام الاميركي ذلك يا ترى؟ لقد كان لدينا حتى نيسان 2003، جيش. نعم انه متداع ومدمر لكنه جيش على اي حال. قامت واشنطن بحله. ولم تخلق بديلا له. ثم تريد ان تنسحب لترك العراق بلا غطاء؟ من هو الأسوأ يا ترى قرار اجتياح العراق وتدمير ما تبقى منه، ام قرار تركه على هذا النحو؟

ايضا، اليس الأسوأ هو خشية المجتمع الدولي، من ان يمتلك العراق جيشا قويا لحماية نفسه، خشية ان يعود هذا الجيش ثانية ليهدد ويغزو ويعربد؟

اي مأساة هي ذلك. "لن نسمح للعراق بامتلاك جيش خشية ان يسيء استخدامه". هذا ما يقوله المجتمع الدولي. طيب لقد وافق العراقيون على الامر كما يبدو، ولكن شريطة ان يقوم المجتمع الدولي نفسه بملء الفراغ. اما ان يجري منع العراق من امتلاك جيش، وحرمانه في الوقت نفسه من اي غطاء، فهذا ما يجب ان يقف عنده قادة العالم طويلا. اتمنى ان اصدق خبراء اميركان يقولون ان هناك مراجعة للاتفاقية الامنية ستتضمن ابقاء قواعد عسكرية اميركية تساعد على حفظ الاوضاع حتى يكتمل بناء القوة العراقية. لكن لا وجود لأي مؤشر في هذا الاتجاه.

اتمنى ان اسمع من القادة الاميركان امكانية حصول مساعدة لتزويد العراق ولو بقوة رمزية، قبل الانسحاب. لكنني لا اجد مؤشرا.

قد يشعر جمهور اوباما المعارض لجورج بوش، ان احتلال العراق خطأ اخلاقي. ولكن لا ادري كيف يتقبل العقل الغربي ان يترك العراق مكشوفا بهذه الطريقة، دون ان يشعر بأي حرج اخلاقي؟

لقد اسميت هذه الاسئلة في حوار مع زملائنا المعلقين والمحررين، بأنها استفهامات تتعلق بمنطقة غامضة من مشروع الانسحاب. انها اسئلة تتجنب واشنطن الاجابة عليها، ولم نعد نستغرب ذلك. لكن الغريب في الامر ان المسؤولين العراقيين انفسهم يتهربون من مواجهة هذه الاسئلة ايضا، بينما يتنقل تنظيم القاعدة بخفة احسده عليها، بين الاعظمية والمنصور ليرفع اعلامه ويقتل الجنود العراقيين بدم بارد، خلال اقل من اسبوع (بين الخميس والثلاثاء). الامور تجري الآن على مرأى مجلس الامن الدولي. الخمسة الكبار هناك جميعهم لديهم شركات بترولية عملاقة تستمثر في اخطر اماكن العراق من منظور الجغرافيا السياسية. وفي واحدة من اكثر مناطق العالم قابلية على ان تتفجر في اي لحظة، هناك مئات المهندسين والخبراء الاجانب يبدأون مسيرة الاعوام العشرة لتطوير انتاجنا النفطي. كيف سيترك اوباما هؤلاء؟

هل حقا ان هناك منطقة غامضة من خطة اوباما، لا احد يعرفها حتى الآن؟

اسوأ ما في الأمر ان يكون الرئيس الاميركي مصابا بالقرف الشديد من اعقد ملفات الدنيا، ويحاول الهرب من "خطيئة" التواجد هنا، الى درجة تجعله يقترف خطيئة أخرى بتسليم العراق الى المجهول. وأخطر ما في الامر هو خطط خصوم اميركا التي ستحاول ملء الفراغ على طريقتها، وحينئذ ووفق كابوس نأمل جميعا ان لا يتحقق، فسيتحول اقتصاد العراق وسياسته والمستثمرون الاجانب الكبار الذين جازفوا وبدأوا العمل، الى رهائن بيد الجميع.

المراقبون في اميركا يحذرون من هذا الكابوس ويحذرون اوباما من ترك مكان، قد يجد نفسه ملزما بالعودة اليه ثانية. وبنفس الطريقة، فإن على الطبقة السياسية العراقية ان تحذر من تصفيقها لانسحاب اميركا المتعجل، كي لا يتحول التصفيق الى استغاثة تتوسل عودة المارينز لردم الهوة الامنية.

اوباما يطلب من بغداد المساعدة بأن تبقى كما هي، حتى آخر لحظة من الانسحاب. كأنه يقول للعراقيين: اضمنوا لي ان تحافظوا على الصورة التي تركها بترايوس عام 2008، سياسيا وأمنيا. لا تغيروا شيئا. لأن جمود الاشياء في بغداد يساعدني على تغيير واشنطن. خلال 8 اعوام سمع العراق ندائين مختلفين من الدولة العظمى. الاول اطلقه بوش: ارجوكم تغيروا. والثاني اطلقه اوباما: ارجوكم لا تتغيروا. والسؤال هو: الى متى يحتمل العراق المنهك كل هذه النداءات المتناقضة وأيها سيجيب؟


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سرمد الطائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni