... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
ثلاث وقفات مع المالكي في حواره الخاص

ضياء الشكرجي

تاريخ النشر       22/08/2010 06:00 AM


منذ أكثر من شهرين، وخلاف عادتي، لم أكتب مقالة سياسية. لا أدري، ربما تكون هناك عدة أسباب أدت إلى هذا التوقف الموقت – ولكن الطويل نسبيا - عن الكتابة. ولكن أحد أهم هذه الأسباب هو أن أداء ما بعد السابع من آذار لسياسيينا جعلني بصراحة كلما أردت أن أكتب في الشأن السياسي، ينهرني رادع خفي، مستهجنا المشهد السياسي العراقي ومستهجنا عملية التحليل السياسي، طبعا بالنسبة لي شخصيا، مع جليل احترامي لما يدلي به المحللون والكتاب المحترمون.

على أي حال أخيرا استفزني اليوم برنامج «حوار خاص» الذي أجراه فلاح الذهبي مع رئيس الوزراء للمرحلة البرزخية على «الحرة». لا أريد أن أسهب في الكتابة والتحليل، ولكن أحببت أن أقف فقط ثلاث وقفات عند ثلاث محطات من هذا الحوار، هي:

1.      حرص المالكي على الالتزام بالدستور.

 2.      بديهية شيعية رئيس وزراء العراق.

 3.      أوحدية المالكي كمرشح للمنصب.

 ولنمر سريعا على هذه المحطات الثلاث.

 1.      الوقفة الأول - الحرص على الالتزام بالدستور: هذه الإسطوانة، إسطوانة أن يكون المرشح من القائمة الأكبر، بحسب فهم المالكي وبقية المتحدثين عن «دولة القانون»، أصبحنا نسمعها منذ أشهر يوميا تقريبا، لاسيما منذ فسّرت - أو أوّلت - المحكمة الاتحادية الطلسم الدستوري «الكتلة النيابية الأكثر عددا» بما يخدم القائمتين الإسلاميتين الشيعيتين، الشقيقتين المتعاديتين، «دولة القانون» و«الائتلاف الوطني»، وبالتالي يخدم توجهات وأجندات الدولة الراعية للتيار (الإسلامي/الشيعي) في العراق. وهنا لا يسعني إلا أن أعيد ما كتبته في مقالة سابقة مضمونا، ألا هو إن هناك عرفا ديمقراطيا عالميا تكاد تجمع عليه كل الدول التي تعتمد الديمقراطية نظاما لها، ألا هو إن المعني بداهة بالكتلة الأكبر الممنوحة دستوريا صلاحية أن تقدم مرشحها لرئاسة الوزراء وتقود التفاوضات الائتلافية لغرض تشكيل الحكومة، في حال عدم امتلاكها للأكثرية البرلمانية المطلقة (النصف + 1)، هي الكتلة الفائزة عبر الانتخابات بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وليس المتشكلة من ائتلاف مابعدانتخابي. إذن تفسير أو تأويل المحكمة الاتحادية مخالف للعرف العالمي لكل النظم الديمقراطية، مما يعد دستورا، وإلم يكن مكتوبا. إذن أين هذا من دعوى المالكي وإصراره على الالتزام الحرفي بالدستور؟ وإلا فكلامه من حيث المبدأ لا من حيث النتيجة حق، أريد به ما يجانب الحق، من حيث أنه قال محقا من الناحية النظرية، بما مضمونه أن الالتزام بالدستور أمر لازم حتى بالنسبة للمعترضين على بعض مواده، ما زال هذا الدستور نافذا، ولم يجر عليه تعديل. صحيح إن المادة 76 من المتشابهات الدستورية، وإن المتشابهات تحتاج إلى تأويل، ولكن هل هذا مما ينطبق عليه أيضا قول «وما يعلم تأويله إلا الله»، أو في أحسن الأحوال «إلا الله والراسخون في العلم»؟ ومن يا ترى ينطبق عليه هنا «فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله»؟ أترك الإجابة على هذا التساؤل. ثم حتى مع التسليم بكون «التحالف الوطني» المتشكل من الائتلافين الشيعيين الإسلاميين هو الكتلة البرلمانية الأكبر، فالكل يعلم أن هذا (التحالف) بحكم المُسجّى الذي ينتظر تجهيزه للمأوى الأخير. لكننا تعودنا ومنذ أشهر على هذه المغالطات من أعضاء «»دولة القانون«» بالذات، ولكن بدرجة ثانية أيضا من «الائتلاف الوطني».

 2.      الوقفة الثانية - بديهية شيعية رئيس وزراء العراق: وقفتي الثانية مع رئيس وزرائنا المنتهية ولايته هو هذا القول الغريب، وشدة غرابته تتأكد عبر صدوره من رئيس الوزراء لدولة يفترض بها أن تكون ديمقراطية مدنية، ألا هو اعتباره من البداهة أن يكون رئيس الوزراء العراقي شيعيا، فمراعاة مكونات الشعب العراقي تتطلب عنده أن يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس الجمهورية كرديا، ورئيس مجلس النواب سنيا، ورئيس المجلس الوطني للاستراتيجيات السياسية من (العراقية). ولم يلتفت أنه بذلك امتدح القائمة المنافسة الندّ بأنها الوحيدة (العراقية)، بينما بقية القوائم ليست إلا شيعية أو كردية أو سنية، وإن كان في مقطع آخر كرر اعتباره (العراقية) ممثلة للمكون السني في العراق. بينما وجدنا سياسيا آخر من (العراقية) في حواره قبل يوم في برنامج «سحور سياسي» على «البغدادية»، وهو أسامة النجيفي يؤكد عراقية التوجه، وإصرار قائمته على تأكيد عراقية المناصب، وليس شيعيتها أو سنيتها أو كرديتها أو عربيتها، فعبر عن استعداد القبول برئيس وزراء شيعي أو سني أو كردي أو تركماني أو مسيحي، وهذه هي رؤيتنا كعلمانيين ليبراليين، إذ نرفض أية هوية للسياسي – لاسيما القيادي – غير الهوية الوطنية العراقية. فكم هو غريب أن يفكر رئيس وزراء على هذه الشاكلة، ولا يكتفي بأن يفكر به، بل يفكر بصوت مسموع في تصريح علني، وبإصرار وما لا يقبل التأويل إلى معنى آخر.

 3.      الوقفة الثالثة - أوحدية المالكي كمرشح للمنصب: عندما سأله مدير الحوار فلاح الذهبي عن سبب الإصرار على حصر الترشيح في شخص المالكي في الوقت الذي يقال فيه «لا أحد يريد المالكي»، رد عليه بقوله «إذن يريدون من؟»، ثم عقب: «أعطني من هو المرشح المقبول في الساحة؟» ليس دفاعا عن علاوي، ولكن لا أدري كيف يفكر رئيس وزرائنا بهذه الطريقة، وهو يعلم أن الكتلة البرلمانية ذات العدد الأكبر وهو 91 مقعدا مجمعة على ترشيح علاوي، ولطالما صرح آخرون من داخل كتل برلمانية كبيرة نسبيا مثل التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني أن ليس لديهم خط أحمر على أياد علاوي. بينما نجد الائتلاف الوطني كله يرفض المالكي، وإن رفضه حقا يراد به شيء آخر، علاوة على رفض كل أعضاء (العراقية) وقسم كبير من الكرد. فكيف يكون المالكي هو المرشح الوحيد، وليس من «مرشح مقبول في الساحة» سواه؟

 يكفي المالكي أن يكون رئيس قائمة تعتبر وباستحقاق المعرقل الأساسي لتشكيل الحكومة منذ ظهور النتائج الانتخابية، وهنا كسر المالكي الرقم القياسي لسلفه الجعفري، الذي عطل العملية السياسية وقتئد لبضعة أشهر بسبب إصراره على الترشح وعلى دعوى أنه يمثل اختيار الشعب العراقي. فهل ستشهد انتخابات 2014 تحولا عن الإسلاميين الشيعة، كما تراجع رصيد الإسلاميين السنة، ليختار الشعب من هو أحرص على المشروع الوطني الديمقراطي، بعيدا عن منهج أسلمة المجتمع ووهم التفويض الإلهي للإسلاميين. هل سينبعص جيل جديد من السياسيين يؤمنون بالمشروع الوطني بعيدا عن التمذهب شيعيا أو سنيا، والتعنصر كرديا أو عربيا، والأدلج إسلامويا أو بإيديولوجية شمولية أخرى؟

 لا بد من مواصلة الأمل والعمل لتحقيق الدولة المدنية الحقة، التي تحترم الدين وتحظر إقحامه في السياسة، وتحترم القوميات والمذاهب والأديان، ولكن تحول دون مذهبة الدولة أو أدينتها أو أقومتها، لتكون المواطنة وحدها المعيار وإنسانية وعراقية المواطن وحدها نصب أعين السياسيين وبرامجهم السياسية وتفكيرهم السياسي، وليكن رئيس وزرائنا أو رئيس جمهوريتنا من الأكثرية، أو من الأقلية، ليكن كرديا، تركمانيا، سنيا، مسيحيا، صابئيا، إيزيديا، أو من أي دين أو أي مذهب أو أي قومية، ما زال يتحلى بروح المواطنة والوطنية، وذا نزعة عقلانية وإنسانية، ومؤمن بحق بالديمقراطية، وكل ما يترتب عليها.

 بغداد - 20/08/2010

dia.alshakarchi@yahoo.de


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ضياء الشكرجي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni