... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
العراق.. مخاطر ما بعد الانسحاب

د. جابر حبيب جابر

تاريخ النشر       05/09/2010 06:00 AM


هناك اختلاف في منهجين في مقاربة الوضع العراقي؛ الأول الذي أعتبره بعيدا عن ملامسة التطورات والانتقالات التي حدثت في العراق والتي لا يمكن ملاحظتها إلا من اثنين، أولهما المؤمنون بالعملية السياسية الذين لا يجدون بديلا عنها ويراهنون على المركب العراقي بأنه، وإن كان متعثرا وفي بحر هائج، لا نجاة له إلا بالاستمرار في إبحاره للوصول إلى الشاطئ، والثاني هو المواطن العراقي الذي عاش التغيير اليومي ولحظ تحديات ومخاوف الحياة، وتنازعته أولويات البقاء. فالبعيد الذي لا يقبل بترف أقل من ديمقراطية مكتملة يختلف عمن يعيش التدرجية وهو يرى حكامه كأناس ابتدأوا السياسة بخنادق طائفية وخطاب محرض ومتناغم مع العنف إلى أن تحولوا إلى ساسة يمتهنون المساومات ويتعلمون من أخطائهم، والذي سمع ليس كمن عايش دورة عنف كادت تعصف بالبلاد، إما تمزيقا وتفتيتا، أو حربا أهلية لا تذر ولا تنتهي إلا بهجرات جماعية وعزل سكاني وتقسيم للبلاد اضطراري وليس سلسا.
والمقاربة الثانية، التي أعتبرها البعيدة انشغالا هي تلك التي حصرت رؤيتها بالوضع الأمني ومنطلقة من المراهنة أو الخوف، بافتراض حسن النوايا، من انهيار العراق بعد الانسحاب الأميركي، أو تلك التي عولت على قدرة «قوى المقاومة» على هزيمة المشروع الأميركي، وبذلك فإن ما جرى من انسحاب ليس بسبب من تطور العملية السياسية، ولا من نضج الشركاء، ولا من استدارة المكونات العراقية لقتال وإنهاء قوى العنف بين ظهرانيها، ولا من تضحيات وصبر المواطن العراقي على ترقب بناء بلد من الركام، وعلى جيش وأجهزة أمنية تقوّت بعد أن كانت تهرب وتتمرد في الطريق عندما ترسل للتصدي للجماعات المسلحة لاستعادتها سيطرتها على كامل البلاد، ولا من ارتفاع في ثقة المواطن بأجهزته الأمنية، وهو الذي كان يخشاها باضطراره أن يحمل أكثر من هوية تعريفية للتمويه، وهو ينتقل بين الحواجز الأمنية خوفا من أن يقع بيد الآخر المغاير، إلى اعتبارها رمزا للوحدة الوطنية وموضع ثقته. المنهج البعيد هو الذي راهن على أن العراق سيكون «فيتنام» ثانية، وأن الانسحاب الأميركي منه سينتهي بطريقة الهزيمة وتحت النار وليس باتفاق مع حكومة مسؤولة، بل راهن بأنها لن تبقى بعد ذلك، بل ستتعلق الطبقة السياسية هاربة بالحوامات من فوق سطح السفارة الأميركية، ذلك المنهج الذي يشترك فيه مع الحانين للماضي، أولئك الذين لا يرون أبعد من أمنياتهم بمعاداة الغرب وهزيمته، حتى وإن كان ثمن هذه الهزيمة الجانبي ووقودها دمار الشعبين العراقي والأفغاني.
في حين أن هناك ما هو أبعد من الانشغال الأمني وأوسع منه، وهو مستقبل العراق نفسه؛ إذ إن الولايات المتحدة، وإن انسحبت منه، ما زالت ترى فيه مصالح استراتيجية لا تحتمل الفشل فيها، ويلتقي عليها العراقيون ودول الإقليم، التي تتضمن احتواء وإنهاء قوى العنف ومنعها من أن تتخذ فيه جيوبا لها كملاذ آمن، وأن تحفظ وحدة أراضيه، وأن يبدأ اقتصاده بالتطور والنمو، وأن تضمن وتؤمن مصادر الطاقة ومنافذ تصديرها، وأن يكون حائط صد من تسرب النفوذات الإقليمية عبر أراضيه لجواره، وأن يحتفظ بعلاقات متوازنة مع هذا الجوار. الذي يعزز الأمل أن التهديدات الخارجية للنظام باتت أبعد وأضعف من أن تقوضه، لذا فالمهمة الأكبر أصبحت هي حماية النظام من داخله، وهنا داخله أيضا يحمل المخاطر لكونه يختزن أذرع للعنف، إذ إن كل فصيل سياسي عراقي كبير له جناح مسلح تحت مختلف التسميات والأطر، وهذه بعضها من الكبر بمكان بحيث إذا ما اصطدمت فيما بينها فإنها تهدد بقاء الدولة. لذا فالمهمة الأصعب تحولت لإبقاء هذه الأطراف داخل العملية السياسية وأن تكون محتكمة لآلياتها ومفرغة من نزاعاتها داخلها، وأن تتعلم التسويات فيما بينها.
لذا، فالاستقرار في العراق سيرتكز من الآن على ركنين، الأول استمرار هذه القوى السياسية بالعمل من داخل النظام السياسي وبالأساليب السلمية وضمن الآليات التداولية والتنافسية، وبتجنب حدوث نزاع بين مجموعاته الرئيسية. والثاني أن تخلق مؤسسات دولة أقوى من الأطراف السياسية وأجهزة أمنية وجيش أقوى من الأجنحة المسلحة عند كل فصيل وصولا إلى إبقاء الدولة هي الوحيدة الحائزة على قوة القسر.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. جابر حبيب جابر


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni