... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
نجم والي: أنا الذاكرة المفقودة لمجتمع تدرب على النسيان

احمد زين

تاريخ النشر       07/09/2010 06:00 AM


يبرز الروائي نجم والي (1956)، واحداً من أهم الكتّاب العراقيين، الذين عبّروا عن الوجع العراقي عبر حقبه وأطواره المختلفة. والي الذي يقيم في ألمانيا منذ سنوات طويلة، أصدر أكثر من رواية موضوعها العراق، سواء في زمنه الحاضر، أو في أزمنة ماضية. رواياته الضخمة الحجم مليئة بحكايات وشخصيات ومواضيع متشابكة، تنطلق من أمكنة صغيرة ونائية (حي الطرب وتل اللحم) في سعي لكتابة رواية، لا تقارب موضوعها بجرأة فحسب، إنما تبتعد أيضاً عن المركز، أي بغداد والبصرة، التي مثلتا فضاء أثيراً وأساسياً للكثير من الروايات، أنجزها كتّاب عراقيون من أجيال مختلفة. «أخرجت الرواية العراقية من بغداد إلى أماكن أخرى صغيرة وهامشية»، يقول والي ويضيف أنه وعلى رغم سنوات النفي الاختياري والهجرة بعيداً عن الوطن شأن الكثير من المثقفين العراقيين، بقي يحمل العراق معه.

الأحداث التي توالت على بلده لم تدفعه إلى مقاربتها سريعاً، وفضّل التريث قبل أن يغامر بالكتابة عن بعضها. لا يرغب في أن تتحول روايته إلى رد فعل آني لما يحدث هناك، يفضل التروى والانتظار سنوات قبل أن يجعل من حدث ما موضوعاً لرواية جديدة. «اتفق مع توماس مان الذي يقول للكتابة عن حدث ما، يجب أن يمر عليه خمس سنوات على الأقل، لأن هناك مسألة مهمة، عندما تحكي للناس عن الحاضر لا يصدقونك. خذ الخيانات والخيبات الإنسانية، لا تنتبه لها سوى بعد أن تحدث ويمر زمن، الحاضر غير مغرٍ للناس».

«ملائكة الجنوب» روايته الأخيرة (2009) عبارة عن زيارة لمعرض يقيمه الإنكليز في 2005، لكن الأحداث تتخطى هذا التاريخ وتخوض في بحر عقود من الزمن. روايته الأولى «الحرب في حي الطرب»، التي بدأ كتابتها في 1983 تبدو رد فعل على الحرب العراقية - الإيرانية، «لكنها تعود إلى الجبهة الوطنية وفترة أحداث عام 1975 إلى 79 قبل الحرب بأيام وانتهيت منها في 1985، ونشرت في 1989 يعني توجد مسافة بين الحدث والرواية».

في منفاه يسجل ما يحصل من تغييرات في العراق، يصغي إلى حكايات القادمين من الأقرباء أو أصدقاء يقول: «أنا الذاكرة المفقودة». المجتمع العراقي في رأيه يتجه إلى النسيان، «بسبب النظام الذي يمارس قمعه. لتعيش كإنسان لا بد أن تتدرب على النسيان. وأنا أكتب ضد النسيان».

زار العراق زيارات متقطعة بعد سقوط بغداد. يشرح أن علاقته ببلده ليست علاقة مكانية، الأماكن تتغير بيد أن ما يهمه في هذه العلاقة ببلاده هو روح المكان، «أي الحكايات وعذابات الناس. أنا إنسان كلي آذان صاغية، وانتبه إلى كل التفاصيل». يؤسس صاحب «تل اللحم» لمشروع روائي منذ أول رواية أصدرها يحب أن يطلق عليه اسم «كتابة تاريخ الجحيم العراقي» جحيم بداياته كما يشير قديمة ويستمر إلى الآن. وبالتالي كل رواية يصدرها هي مرحلة أو محطة في هذا المشروع.

لا يميل نجم والي الذي التقيته قبل مدة على هامش زيارته إلى الرياض برفقة الشاعر والمترجم فؤاد رفقة لإحياء بعض الفاعليات في سياق تعاون ثقافي ألماني - سعودي إلى الروايات ذات الحجم الصغير، وينحاز إلى الرواية الطويلة، النهرية على الأرجح. بل ويسخر من أولئك الكتاب الذين ينجزون روايات في ستين أو أقل من مئة صفحة، «استغرب أن يقول كاتب لن أكتب أقل من مئتي صفحة. وكأنه يعرف حدود موضوعه وأين ينتهي قبل أن يشرع في الكتابة. المسألة لها علاقة بالمشروع الشخصي».

فيما يبدو أن مزاج صاحب «ليلة ماري الأخيرة» ينتمي إلى القرن التاسع عشر، زمن ازدهار الروايات الضخمة التي تأتي في مجلدات عدة، وتكاد تلم بكل شيء. «لا توجد شخصية تتطور في عدد قليل من الصفحات إلا إذا أخذنا مقياس جائزة البوكر العربية حين رشحت رواية لا تتجاوز 62 صفحة» (يقصد رواية العراقي علي بدر)، يقول مدافعاً عن موقفه من الرواية ذات الحجم الصغير، قبل أن يضيف «بحكم اطلاعي على الأدب العالمي، الرواية في العالم التي ينظر إليها بصفتها رواية، هي الضخمة».

يؤكد أن الأدب «يسير في اتجاه معاكس لما يحدث في الواقع، الذي يتميز بالسرعة والاستهلاك». الرواية، من وجهة نظره، جواب على سرعة التكنولوجيا». ويرى أن الجواب «لا ينبغي أن يكون سريع ومبتسر، إنما طويل وحافل بالتفاصيل». وعلى رغم الضخامة التي تتميز بها رواياته، والتي دفعت بعض أصدقائه من الكتاب للتلميح له بأنهم لا يرغبون أبداً في كتابة روايات لها مثل هذا الحجم، فإنه يكشف أن روايته «تتجه مع الوقت نحو الكبر. لأنه إذا أردت أن أحكي عن العراق، فالقصص كثيرة».

> في هذه الحال التخطيط ضروري بالنسبة لك، لكتابة رواية ضخمة، أم ماذا؟

- أنا لا أخطط لروايتي. أبدأ بصورة معينة وتصور. تتجه الكتابة عندي إلى نوع من المعرفة. أبحث عن معلومات وتواريخ وأثبتها وأبني عليها الحكاية. وهذه عملية صعبة وليست سهلة. لذلك أنا مثل الموظف، أستيقظ في الثامنة صباحاً، كل يوم، عدا عطلة الأسبوع، أمارس الرياضة لمدة نصف ساعة، ثم أبدأ الكتابة إلى الساعة الثلاثة مساء. وأبقى حتى لو لم أكتب سوى سطر واحد. أتذكر هنا مثل روماني قديم» لا يوم يمر من دون سطر». هذه النظام يتحول إلى نوع من الحرفية. فأنت تكتب رواية ضخمة، إذن أنت على دراية بكل التفاصيل والشخصيات. عندما أكتب ستين صفحة أبدأ أعرف أنني أكتب رواية، وحتى أصل إلى هذه الستين صفحة أحتاج إلى ستة أشهر. البداية دائما صعبة. أكتب وأغير. وأحيانا أترك الرواية ثم أعود إليها ثانية.

> وهل يهمك البحث عن أسرار وألغاز لتضعها في روايتك، لتشويق القارئ ودفعه لمتابعة القراءة من دون أن يداخله الملل بسبب الضخامة؟

- هناك سر دائماً في رواياتي، ما يوفر المتعة للقارئ ، وهذا ما استفدت من الروايات البوليسية. أنت تكتب رواية ضخمة بتشعبها وبدائرتها وبسرها غير الواضح إلى آخر صفحة، تمتع القارئ وتضيف له معرفة، ما يجعله عندما ينتهي من قراءة الرواية يتأسف على أنها انتهت. وهذا ما يحدث لي أحياناً حين أقرأ بعض الروايات. من آخر الروايات التي قرأتها رواية في 1200 صفحة لكاتب تشيلي، حين أكملتها شعرت بالحزن.

> أين موقع الحكاية في مثل هذه الروايات الكبيرة؟

- الحكاية ضرورية. القص هو الحكاية. أجدادنا كانوا يقولون كان يا مكان. ما كان عندي رغبة أن أكتب عن نفسي كمثقف، رواية المثقفين، روايات الهذيان. المثقف المدمر المتمرد على العالم، هذا لا يقدم شيئاً، حتى للكاتب نفسه لا يقدم شيئاً. أنت عليك أن تقدم حكايات الآخرين. أنت كروائي مراقب للآخرين، تصغي إليهم. حكايات تقول أكثر مما يقوله الشعر. عليك أن تحكي حكايات الآخرين، وعندها تحكي حكاية نفسك. يتأمل صاحب «صورة يوسف» الحروب التي خاضها بلده أو خاضها الآخرون ضده، ويخلص إلى أن قدر الإنسان العراقي الانتظار، وأنه عندما يدخل حرباً فكأنما للحصول على سعادة مؤجلة، أو الانتحار.

ويحاول الربط بين ما يحدث اليوم في وطنه وبين وادي الرافدين، الذي كان مهجراً للأقوام الأخرى، ومقبرة للأعراب، كما كان يقال سابقاً، «لم تكن عندنا حرب أهلية مثلما حصل في بلدان أخرى. وعراقيو اليوم هم أبناء أولئك الأقوام والسلالات التي تصارعت قديماً على الأراضي الزراعية ثم تلاشت. كل عراقي يعرف أنه لا يستطيع أن يعيش وحيداً، إنه يحتاج إلى الآخر، كما لو كان الأمر رقصة تانجو، لابد من اثنين. قدر العراقيين أن يكونوا مختلفين لكن متوحدين في الوقت نفسه».

أسأله عن موقفه من الاحتلال الأميركي، فيقول: كل مفردات الوطنية التي كان يتغنى بها مثقفو الداخل، تحولت إلى دمار عليه. شعارات الوطنية خاصة بالسياسيين والعسكر». ويذكر أن مشكلة الأدب هو سياسة في الكتابة، وليس في الموقف السياسي. فالكتابة، كما يعتقد، لا تتضامن مع الثبات، «هي استفزاز لحالة مستقبلية، وعندما تتناول الإنسان فهي مع وضد، هي ما يشبه البرلمان. أما المواقف الحدية، بخاصة من بعض مثقفي الخارج، هي ضحك على الذقون، وهي مواقف عنتريات فارغة».

حاولت تذكير صاحب «تلك اللحم» برأيه في النصوص التي كتبها عراقيون لم يغادروا العراق وفي ظل السلطة البائدة، وهل ما تزال في رأيه، مجرد «هياكل عظمية، كلمات جوفاء يعوزها الحس الإبداعي»؟ في الواقع هذه القضية لا تزال محل نقاش واسع بين العراقيين في الداخل والخارج، وتسبب الكثير من الحساسيات وتثير تذمر أدباء الداخل وسخطهم. لكن والي أجاب بأنه عندما يحكي عن أدب في الداخل، فإنه لا يعني أن ما كتب في الخارج هو البديل، لكنه راح يحكي عن أهمية المنفى عند الإنسان، وأن كل تاريخ الإنسانية جاء من النفي، منذ أبونا آدم وكل الأنبياء وأصحاب الرسالات السماوية إلى كل السياسيين الذين تركوا بصمة مهمة، «النفي محطة مهمة للإبداع. عولسيس يقول إن طريق العودة ليس هو طريق الذهاب. طريق الذهاب مليء بالفضول وأفقك يتوسّع، على العكس من طريق العودة». ولا يعني أن النفي قدر الفنان لكنه يؤكد أن المنفى شرط إنساني يطور الإبداع. «هل من يعيش تحت نظام ديكتاتوري يستطيع أن يكتب أدباً عظيماً؟» يتساءل ويجيب في الوقت نفسه: ببساطة أقول لك لا. ليس لأنه لا يريد، لا يوجد أديب لا يريد أن يكتب أدباً عظيماً. الأديب الجيد إما صامت، وأحياناً الصمت غير مطلوب. لا ينبغي الصمت لا بد من المديح. الصمت يعني موقفاً في ظل القمع. في مثل هذا الوضع، لا يبقى للكاتب سوى ثلاثة أمور، مثلما قال أحد المثقفين الأرجنتينيين في زمن الديكتاتورية، إما نعيش سجناء أو مدفونين أو منفيين. ليست هناك بطولة، وأنا إنسان لا أدعي البطولة ولا أريد أن أكون بطلاً، فخرجت».

ويصر نجم والي، الذي تلقى أول أجر له ككاتب نظير قصص جنسية كان يكتبها للجنود في الجيش حين كان مجنداً، على أن من بقوا تحت النظام برغبتهم وفي وظائف يترقون فيها باستمرار، «ولا يزالون هم أنفسهم يطالبون اتحاد الأدباء ويطالبون الحكومة بأن تشتري لهم سيارات ومنحهم قطع أراض وأشياء أخرى، لا يعون شيئاً، لذلك جاءت كتابات هؤلاء بلا روح، هذا لا يعني أن ليس هناك استثناءات، بل توجد وستكون في مصاف الأدب العالمي في حال لو أخذت فرصتها، لنأخذ محمد خضير مثالاً، الذي أحبه وأجله». لم يكن سهلاً على صاحب «فالس مع ماتيلدا» أن يوجد له موقعاً في ألمانيا، التي يعيش فيها منذ سنوات طويلة. كان عمره 16 سنة عندما ذهب إلى مكتبة صغيرة في مدينته بالعراق، وعثر فيها على ديوان لريلكة «مراثي دوينو»، ترجمة فؤاد رفقة، وما أن قرأه حتى وجد نفسه مدفوعاً إلى دراسة الأدب الألماني، لتبدأ من يومها علاقته بالأدب الألماني وبألمانيا.

يقول إنه لم يركن إلى المساعدات التي يعيش عليها بعض المثقفين العرب، وانخرط، خلال الدراسة، في أعمال ومهن بسيطة، إذ عمل مثلاً في الميناء، وزاول مهنة العناية الطبية لكبار السن في  بعض المراكز الصحية. ويشير إلى أن روايته «الحرب في حي الطرب» وقصص بعنوان «هنا في تلك المدينة البعيدة» صدرتا أولاً بالألمانية، قبل أن يعرفها القراء العرب، «صدرتا عن دار نشر صغيرة، لكن لاحقاً أخذ هدفي يسير باتجاه إحدى الدارين الكبيرتين، في ألمانيا وهما هانزر وزوركم. وعندما يكون الكاتب في مستوى أدب عالمي مرموق تقبل هذان الداران أن تصدرا لك».

والي، الذي ينتظر صدور كتاب رابع له عن دار «هانزر» المرموقة، والتي يفتخر بعلاقته بها إذ أوجدت له مكانة جيدة في المشهد الألماني، يعتبر أن الناشر العربي جزء من معضلة الأدب العربي، وأن مشكلة انتشار الكتاب العربي، ليس الرقابة إنما الناشر نفسه، «لو كان هناك ناشر جيد، لأسهم في انتشار الأدب العربي». ويقول إن الناشر العربي «يتغذى من كبد الكاتب».


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  احمد زين


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni