... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
لماذا المسيحيون يا مجرمين؟

ضياء الشكرجي

تاريخ النشر       02/11/2010 06:00 AM


قتل أي نفس بشرية يُعدّ جريمة لا يملك من ينبض قلبه ولو ببقية إحساس من الإنسانية، إلا أن يستنكرها ويستقبحها ويتأذى منها ويمقت مقترفيها، ولكن درجة بشاعة الجريمة وفي المقابل درجة استنكارها واستبشاعها إنما يزداد بحسب درجة بشاعة القتل، ولو إن كل قتل بشع ومستقبح ومدان، إلا أني أقصد بدرجة البشاعة، هو ما يجعل البشع أشد بشاعة، بمقدار المدى الكمي، أو المدى النوعي، أو المدى الكيفي، لبشاعة جريمة القتل. فمن الناحية الكمية، يكون القتل الجماعي بالتأكيد أشد بشاعة من القتل الفردي، ومن حيث النوع يكون بطبيعة الحال قتل الأبرياء، وقتل النساء والأطفال والشيوخ، وقتل العزل، وقتل المصلحين، أو قتل الصالحين، وقتل المسالمين أشد بشاعة من قتل غيرهم. ولذا نجد أن الأمم تخلد ذكرى قتيل تاريخي لها، بسبب طهره، أو بسبب دوره الإصلاحي كمصلح، أو لأي سبب يجعله ذا تأثير إيجابي على المجتمع، أو أحيانا على عموم الإنسانية، بالرغم من كونه فردا واحدا. أما ما أقصده بالكيف تمييزا عن النوع، فأعني به طريقة القتل إذا ما كانت طريقة أكثر بشاعة من غيرها.
 
وضحايا جريمة كنيسة النجاة في بغداد، من حيث العدد فهم عشرات، وهذا يجعل الجريمة جريمة قتل جماعي، مما يجعلها أشد بشاعة من غيرها. ولكن قد يقال أنها ليست الأكبر من حيث العدد. لكن الجريمة تتخذ مستوى متميزا من البشاعة بسبب بشاعتها النوعية، أي لأنها موجهة للمسيحيين بالذات، ولأنها حصلت داخل بيت لعبادة الله، أي في كنيسة. لا أقول ذلك من حيث دعوى أن القيمة الإنسانية للمسيحيين أرقى من القيمة الإنسانية لغيرهم، لاسيما للمسلمين الذين يمثلون الأكثرية الساحقة من المجتمع العراقي. لكن هناك مبررات لهذا القول دعوني أبينه وأوضح لماذا يكون قتل المسيحيين أكثر بشاعة، ويستحق بالتالي درجة أكبر من الاستهجان والاستقباح والاستنكار.
 
الأسباب هي كالآتي:
 
1.      المسيحيون العراقيون هم الأكثر مسالمة، والأكثر بعدا عن العنف من غيرهم داخل المجتمع العراقي.
 
2.      المسيحيون يمثلون أقلية عددية، وهذا يجعلهم، من حيث العدد لا غير، العنصر الأضعف في المجتمع، مما هو الحال مع الأكثريات، والجريمة تجاه الضعيف أبشع من الجريمة تجاه القوي، لأن المسؤولية تكون أكبر في وجوب حمايته ورعايته. من هنا امتُدِح على سبيل المثال حلف الفضول في الجزيرة قبل الإسلام، لأن مهمته كانت في الدفاع عن الضعفاء الذين يتعرضون من قبل أشقياء شباب أهل مكة للأذى، دون أن يكون لهم ظهير يحميهم من قبيلة أو ما سواها.
 
3.      المسيحيون لم يتورطوا في القضايا التي أضرت بالعراق أيما ضرر، من قبيل تسييس الدين واتهماد الطائفية السياسية والتطرف الديني.
 
4.      المسيحيون العراقيون بعيدون عن ثقافة كراهة الآخر.
 
5.      الضحايا قتلوا وهم في حالة روحانية، أي أثناء أدائهم طقوس العبادة، لاسيما إن عبادتهم لعلها الأكثر نقاءً، لأنها ليست مُسيَّسة، كما هو الحال مع معظم مساجد الشيعة والسنة، إذ أنها بتسعين بالمئة مُسيَّسة، وذات ولاءات حزبية وتيارية وطائفية وإسلاموية، مع ملاحظة الفرق بين الإسلام كدين يُحترَم كأي دين، وبين الإسلاموية، أي الإسلام السياسي الذي لا يخفى على أحد ضرره على العملية السياسية، وعلى مشروع التحول الديمقراطي، وعلى الأمن والوئام المجتمعي.
 
6.      المسيحيون هم الأقرب إلى ثقافة الغرب، لا بالمعنى السلبي، أي بمعنى العمالة أو الولاء للغرب على حساب الولاء للوطن، أو كما يحلو للبعض أن يوسم الغرب بالصليبية أو الاستعمار، بل أعني الغرب بأبعاده الإيجابية، أي من حيث القرب من ثقافة الديمقراطية، وقبول الآخر، والسلام، واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين الدين والدولة «ما لله لله وما لقيصر لقيصر»، وكل عناصر الحداثة والمعاصرة.
 
7.      المسيحيون هم الأكثر أصالة في عراقيتهم، لأن أغلبهم ينتسب إلى جذور آشورية عريقة، ولو أني لا أتبنى الأصل كنعصر أساسي للمواطنة، لأن هذا لم يعد من مفردات ثقافة الحداثة، ولا ينسجم مع العقلانية والمثل الإنسانية، ولا مع التوجه الليبرالي، ولكن إذا كان البعض يعتبر هذه المسألة ذات قيمة، فالمسيحيون العرقيون هم الأولى بها.
 
8.      الجريمة تستهدف فيما تستهدف إخلاء العراق من خاصية التنوع الذي هو من عناصر جمالية وإنسانية المجتمع العراقي.
 
9.      الجريمة استهدفت كهنة ومصلين ونساءً وأطفالا.
 
أخيرا أقول لأحبتنا المواطنين الأصلاء والمسالمين والجميلين من المكون المسيحي، بالله وبالوطن عليكم، لا تتركوا العراق للمجرمين، بل اصبروا، ورابطوا، وأصروا على عراقيتكم التي لا يساومكم أحد عليها، فإننا معكم بقلوبنا، وعواطفنا، وفكرنا السياسي، والمجرمون سيلفظهم التاريخ والوطن، وسيحاسبهم الله ويجازيهم بما يستحقون، وهو المعوض للضحايا ولذويهم وللشعب العراقي عن هذه الكارثة المفجعة. ولكني بطبيعة الحال لا ألوم من يغادر العراق بسبب الكوارث المتعاقبة، من المسيحيين أو غيرهم، لكني أتمنى ألا يُخلى العراق من أيٍّ من أهله النجباء.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ضياء الشكرجي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni