... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
الأرميني البصري كارين

طالب عبد العزيز

تاريخ النشر       13/11/2010 06:00 AM


في المساء الذي وزع فيه الزميل عامر الربيعي الحلوى على رواد مقهى الأدباء، بالعشار وسط البصرة، مستحضرا ذكرى مرور سنة على وفاة المسرحي، صديق الجميع الأرميني- العراقي- البصري كارين أر بشير سفر، كنت أحضّر قلمي للاحتفاء والكتابة عن ديوان شعر جديد وصلني من الصديق الشاعر البصري المسيحي المتغرب بالسويد وليد هرمز، وبين موت كارين بداء البقاء وحب البصرة وبين تفطر قلب هرمز شوقا لمدينته، ثمة أنشوطة بحجم الغرام الذي يفتتنا جميعا. سأرجئ الاحتفاء بكتاب وليد لأني سأكتفي بما في قلبي من ألم لموت كارين.

قال عامر دامعا: اقرءوا الفاتحة على روح المرحوم، لم يقل أحد منا كيف نقرأها وكارين مسيحي أرمني! والفاتحة للمسلمين، لكن أحدا ما لم يعلق، كان الصمت فاتحة كبيرة على روحه، التي قتلها الخوف والرعب من الموت اليومي، حيث ظل ممسكا بجواز سفره رافضا السفر لأرمينيا التي حصل على تأشيرة الدخول لها قبل أكثر من سنة. كان كارين ينتظر لحظة بصرية عراقية يستأنف من خلالها عمله في المسرح على الرغم من لحظات الموت الكثيرة التي تُعرض على مسرح موت المدينة الكبير، فضلا عن معاناته بسبب أزمات قلبه المريض بغلق الشرايين.

عن كارين يقول المخرج المسرحي خالد كتاب، أقرب أصدقائه: لم يفكر كارين يوما بالهجرة من البصرة، بل يضجر كثيرا من السفر حتى إلى بغداد، ولم يتزوج. كان حبه للمسرح أكثر من حبه للمرأة، وأغرب من ذلك أنه كان مغرما بمشاهد حلقات الدراويش والرقص الصوفي والزار الذي يقيمه الزنوج في (المكايد)- جمع مكيد- وهو مكان إقامة طقوسهم في البصرة، وآخر عمل قدمناه معا كان مسرحية بانتظار غودو لبيكت.

أضيف أنا: كارين يعشق الأغنية العراقية بشكل لا يصدق بل هو مرجع لكل ضائعة من أغانينا، مثلما هو حجة لكل معلومة عن تاريخ الأرمن في المدينة.

ولأن د. حيدر سعيد كتب مادته الرائعة (أنا مسيحي) متحدثا عن انتماء وشعور وطنيين فاقا مفهومنا للمواطنة، أردت أن أعرج على مفصل الأقليات العراقية التي ظلت تفقد شيئا فشيئا هويتها العراقية، وسط نظام اجتماعي- سياسي طارد لكل ما هو غير إسلامي، ظل يسود منطقتنا العربية منذ ربع قرن أو يزيد، حيث ظلت طائلة التشدد الديني، ومن ثم الطائفي تسوط الأقليات هذه، حتى طالت أبناء الدين الواحد والمذهب أو المفهوم منه داخل الطائفة الواحدة في البصرة خاصة.

وعلى سبيل المثال كانت البصرة سنية بحكم تأريخها، وهي عثمانية بحسب الوصف التاريخي لها، مثلما كانت الكوفة علوية بحسب وصف التاريخ أيضا، وقد وصف صبغة الله الحيدري البغدادي بليدة الزبير، منتصف القرن التاسع عشر فقال: (بليدة على أطراف الصحراء سكانها ناس من القبائل النجدية، ليس فيهم من لا يتمذهب على أحمد بن حنبل) أما اليوم فالزبير تسكنها غالبية شيعية، ولا يشكل السنة فيها سوى 10% وربما أقل.

حصلت تغييرات مشابهة داخل الطائفة الشيعية ذاتها في البصرة. فمنذ وفاة مرجعها الميرزا فاضل ذابت طائفة الشيعة الإخبارية (البحرينية البصرية) داخل الطوائف الشيعية القوية، ولا تجد أحدا من أبناء طائفة الشيخية الاحسائية في منصب كبير داخل المؤسسات العسكرية أو المدنية، وقد لا تجد منسوبا لعشيرة ما في مؤسسة، شركة، حزب يحرص زعماؤه على بقائه خالصا لهم، هناك قوى طاردة داخل الدين والطائفة والعشيرة حتى.

اما طائفة فناننا الراحل كارين الأرمن، فقد دخلوا عن طريق ديالى قبل نهاية الحرب العالمية الأولى بعد نزوحهم التاريخي بسبب الحرب التركية الأرمينية، فسكنوا منطقة نهران عمر ثم المحلة المسماة باسمهم (محلة الأرمن) خلف مبنى الإطفائية بالعشار، وكانت مغلقة إلى حد ما لهم، مثلما كانت محلة (بريهة) القريبة، مسكونة بأكملها من الأسر المسيحية.

كانت محلتا الأرمن وبريهة، من أجمل ضواحي البصرة أمنا ونظافة وتحضرا، بينما ظلت مناطق سكنى الهاربين من جور الإقطاع وحتى وقت متأخر، ساحات لنعرات قبلية، لمعارك دامية وخصومات مسلحة، وهي الأسوأ في الأمن والنظافة والتحضر. ترى لماذا خلت محلة الأرمن من أرمنها، ولماذا خلت بريهة من مسيحيها؟ لماذا صرنا نقرأ عبر مرورنا اليومي فيها، يافطات تقول: تنعى كنيسة... فقيدها ..فقيدتها... الذي او التي، قتل او قتلت، على يد مسلحين مجهولين، أتعلمون من أين يأتي المسلحون المجهولون؟

وفيما تخلو المدينة شيئا فشيئا من الأرمن والمسيحيين والصابئة وغيرهم من الأقليات المذهبية والطوائف والتجمعات الثقافية الفنية والفولكلورية... هناك متجر صغير، على الشارع بمحلة كوت الحجاج عرّفه صاحبه بعنوان يقول: (بصريو البصرة). عنوان غريب ظل يستوقف المارة إلى اليوم، ترى لماذا كتب صاحبه العنوان المفارق هذا، وما الذي يحدث في ظل هيمنة الكتل الحزبية الدينية والجماعات القوية؟

يموت كارين أر بشير الأرميني الممثل في فرقة إبراهيم جلال، ويهاجر سلام الخدادي العضو في الحزب الشيوعي العراقي وممثل طائفة الصابئة المندائيين في البصرة، مع ابنه عادل عازف العود الذي فضل الرجوع الى مدينته من القاهرة حيث كان يقيم، قبل مقتل 4 من الصابئة بسوق البصرة القديمة. من قبلهما غادر وليد هرمز الشاعر المسيحي ليكتب من السويد كتابه الجميل (سالميتي). كذلك هاجر وغادر الكثيرون، مسيحيون وصابئة وسنة وشيعة وبصاروة. أتعلمون ماذا تعني سالميتي بالأكادية؟ إنها تعني البصرة.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  طالب عبد العزيز


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni