... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
معركة العناوين الخاطئة

حمزة الحسن

تاريخ النشر       11/12/2010 06:00 AM


 انتظر الاتحاد العام للكتاب والادباء كل هذه السنوات لكي يدخل اليوم معركة العناوين الخاطئة والمضللة بل ليُسحب ويُستدرج ويُجر الى هذه المواجهة في مجتمع مصبوغ، شكلاً، بالمحافظ والتقليدي والمرجعي والاصولي والخ. المواجهة تلوح في الظاهر بين مؤسسة محافظة ترفع شعار الاخلاقي في مواجهة مؤسسة ثقافية ترفع شعار الفردي والاختيار والخصوصي والتنوع والحرية ولا ندري لماذا حضرت ترسانة الاتحاد الثقافية والقانونية في هذه المعركة بالذات وغابت خلال حقبة الاحتلال؟ اين كان الدور المرجعي والتاريخي لهذا الاتحاد في منعطفات وعواصف صاخبة ولحظات حاسمة في تاريخ العراق كقضايا السلطة والحرية والوطنية والاستقلال السياسي والسيادة والاحتلال والانتخابات والصراع السياسي والسرقة التي وصلت الى مستوى النهب العام بلا اقنعة؟

 حين يتحول مشرب الاتحاد الى ساحة حرب وصراع وخلاف بين الاتحاد والمؤسسة السياسية الحاكمة، يكون الاتحاد قد حشر نفسه في أضيق زاوية وأكثرها حراجة وسخرية ووقع في معركة الزمن الخطأ في المكان الخطأ والشعار الخطأ، ويستطيع الذين على الطرف الآخر من هذه المعركة تضييق الخناق في أقصى نقطة والطرق عليه أمام رأي عام يعاني من حرمانات جوهرية ومن حقوق اقتصادية مهدورة ومصادرة ومن ضياع الامل والصحة والسكن والتعليم والامن.

 لا شك ان هذا الجمهور المستلب والمقهور سوف ينظر بريبة الى موقف الاتحاد المحتج على غلق مشربه في حين ظل متفرجاً، بل اطراف منه شريكة، أمام الكارثة الوطنية العامة، وكما عشنا تجارب سابقة مع هذه العقلية المسترخية في تحالفاتها مع الدكتاتورية من المنطق نفسه والحجة نفسها في دعم السلطة الحاكمة لغرض اصلاحها بالتشجيع والنصيحة والدعم وشاهدنا كيف انتهت الامور الى حمام دم مستمر، فإن الاتحاد يعيد التجربة نفسها كما لو ان كل تلك العواصف مرت على مقبرة: ليس هذا غريبا او عجيبا لأن العقل المركزي للاتحاد هو العقل السياسي نفسه الذي تحالف مع الدكتاتورية السابقة بالمفاهيم نفسها والذرائع نفسها، وكما اختارت الدكتاتورية لحظة الصراع حسب توقيتها وشعاراتها وظروف سيطرتها، تختار مؤسسة الحكم اليوم وقت وشعارات المعركة مع الاتحاد حسب ظروفها هي وبقانونها هي وتدفع الاتحاد أكثر الى العزلة الاجتماعية بل الفضيحة الاجتماعية في مجتمع غير قادر على استيعاب كيف يخوض هؤلاء معركة صاخبة لكونهم حرموا من الحق في شرب الخمرة في حين ان هذا الجمهور نفسه حرم من حق الحياة والموت والعيش وفي الامن والحرية؟

 لكن هل السلطة اليوم تدافع فعلا عن الاخلاق العامة وتخوض معركة باسم الشرع والعرف والدين في هذه المعركة تحديدا؟ وهل الاتحاد العام للكتاب والادباء يخوض معركة من اجل الخمرة والحرية الفردية واغلاق النادي؟ هذه عناوين مضللة لهذا الصراع والاتحاد العام للادباء وقع في فخ منجور له كما لاسلافه ومراجعه من القادة الحزبيين في تحالفات سابقة انتهت الى النتيجة نفسها بحيث يظهر الصراع بين من يريد الأمن والسعادة للناس وبين من يريد الهتك والاضطراب لهم وهي طريقة كل سلطة في العالم لخوض صراع شعبوي غرائزي نفعي تكون فيه الغلبة للشعارات الاخلاقية السطحية الموظفة للتهييج والصخب والاستعداء وليس للخطاب الثقافي المحدود الجمهور المكون عادة من نخبة معزولة يتعامل كثيرون معها على انها مجموعة من المجانين والشعراء والبطرين أمام شعب يعاني من تحديات مركزية مصيرية ووجودية حادة.

 عقلية تحريم الخمرة وغيرها لم تسفر في ايران نفسها الا عن كارثة يعرفها الذين عاشوا في ايران في زخم الثورة الاسلامية وعنفوان تحريماتها والتي انتجت مصانع تحت ارضية ومعاصر سرية منزلية، ومن تجربة شخصية في مدينة قم الايرانية وهي المعقل المرجعي للاسلام السياسي والمذهبي تعرضنا لها في رواية( عزلة اورستا ـ سرقوا الوطن، سرقوا المنفى ـ 2001) وبعبارات صريحة في سرد روائي واضح عن مدينة قم( هذه طبيعة المدن الاسيوية: فوقها منائر وتحتها معاصر) من تلك التجربة يمكن القول ان التحريم يفتح ابواب الممنوع ويفتح انفاقا داخل الكائن البشري ويعمق من الانشطار والازدواجية ويمسرح المجتمع بصورة كريهة ويصبح النفاق ظاهرة مشروعة بحكم الامر الواقع والحاجة والرغبة والخوف.

 في زقاق كوجة مروي في قلب طهران كانت الخمرة تباع وليست هناك مشكلة في الحصول عليها في اي وقت بل صارت تجارة مربحة( والمخدرات) واما في مدينة قم التاريخية، فشارع الكزر ـ أو سوق الخضار الضيق قرب الحسينية النجفية والمؤدي الى شارع جهار مردم، الأئمة الاربعة ـ كان أكبر موزع للخمور لرجال دين وطلاب حوزات يخرجون من الدراسة في المدارس الدينية بعد الظهر الى باعة الخضار الذين ينتظرون الزبائن بالثياب الخاصة التقليدية لكي يضعوا لهم الخمرة مع الفاكهة التي تكون تمويها، ومن معايشة طويلة في ذلك السوق أو الزقاق يمكن الخروج بملحمة عن عالم سري لبعض رجال الدين الذين تتناقض ثيابهم السوداء وعمائمهم مع  فاكهة محرمة، وهي ازدواجية موجودة في كل الاديان والمدارس الدينية وفي كل الأزمنة.

 ليس هذا الصراع بين علمانية ودين ولا بين تقليد وحداثة ولا بين الحريات الفردية والتضييق ولا بين الرجعية والثورية ولو كان الامر كذلك لحدث هذا الصراع على إهدار وتدمير وتحطيم الكثير من القيم والحقوق والحريات والاحلام والمشاريع والتطلعات والارواح خلال حقبة الاحتلال المشؤومة ولكنه مداهمة لآخر معاقل الاتحاد العام للادباء وهو المشرب، المكان الوحيد الذي لا يسمح الاتحاد العام للادباء بالسيطرة عليه وكل الامكنة مباحة لأن صومعة الاتحاد تنتمي الى الايديولوجيا والكتب والشعر والادب وعالم الاحلام الوردية: مع كل الاحترام والمحبة والتقدير للسيد رئيس الاتحاد، لكنه لو نظر الى وجهه في المرآة لرأى صورة السيد اليعقوبي والزيدي وغيرهما منعكسة في المرآة ـ واحد يدخن التاريخ على طريقته وآخر يدخن الايديولوجيا على طريقته في حين زهور حديقة الاتحاد في عالم بعيد جداً.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حمزة الحسن


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni