... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
اشكالية التخطيط من اجل التحول الثقافي في المجتمعات العربية

د.طاهر علوان

تاريخ النشر       07/08/2007 06:00 AM


# لعل المتابع للواقع الثقافي العربي اليوم سيخلص الى جملة من النتائج المهمة التي تتعلق بنظرتنا الى المنجز الثقافي برمته ، الى الآلية التي يتشكل بموجبها هذا الخطاب والى الكيفية التي يواكب فيها المتغيرات التي تحيط بالواقع العربي ، الأوضاع والتحولات التي افضت الى نوع من العلاقة الفصامية الملتبسة بين ماكان ومايجب ان يكون وهي اشكالية يمتد عمرها بامتداد الكيفية التي تم بها مأسسة الثقافة ان كانت قد تحولت الى مؤسسات فعلا .

فالأنتقال الحتمي من دائرة المجرد الثقافي الى دائرة الأداء المؤسسي هي نقطة الفصل التي من خلا لها تتم قرءاة المنجز برمته . ذلك ان من المعضلات المعلومة هي تحول الخطاب الثقافي العربي الى فعالية شخصية او فعاليات للهواة في بعض الأحيان اكثر من كونها اسلوبية متكاملة تستند الى ثوابت ومعطيات راسخة .فأذا تحدثنا عن المنجز الثقافي باعتباره خلاصة الفاعلية الثقافية في كل زمان ومكان فأن النظرة اليه هي نظرة الى المبدع المحترف الذي وجد في هذا الأبداع ضالته لكن تلك الفكرة ليست بالضرورة هي نفسها التي يتحدث بها الآخر : مستهلك الخط او مجتمع الخطاب او المجتمع الذي يتعامل مع قطاع الثقافة ..اذ ظل هذا القطاع مرتبطا بالنخبة وبحركيتها ومنجزها فهو خطاب تمتلكه هذه النخبة دون غيرها دون ان تستطيع بالضرورة ان توسع نطاقه الى مستويات ابعد واعم واشمل .

ان هذه الأشكالية المزدوجة هي التي اسست لدور المؤسسة الثقافية الملتبس ، فهي في وضع تحتاج فيه الى تقديم نفسها على انها هي ليست مناخ المبدع ودائرة تأثيره فحسب بل هي ابعد من ذلك ، هي القادرة على ان توسع من دائرة التأثير الأنساني لتجعل من الخطاب المنجز اكثر فعلا وتأثيرا على جميع المستويات والأصعدة وهي المسألة التي تتوسع فيها دائرة المسؤولية بين من ينتج ومن يستهلك ؟

والقصة هنا تتعلق بالنظرة الى سلسة من المعطيات على اساس ان الخطاب لاينشأ ولا يتشكل دون مناخه وتحولاته المتدرجة التي تسهم فيها عوامل اجتماعية وفكرية وسياسية وغيرها ... لكن المسألة بهذا الشكل ظلت اسيرة قراءات متعددة تتناسب مع مصدر تلك القرءات فمن قائل ان الخطاب ماهو الا امتداد للواجهة السياسية ومخرجاتها بمعنى ابتسار المسألة في اطار من المحدودية والتجريد لايخرج من اطار كون الخطاب الثقافي ماهو الا نتاج سياسي بواجهة او مضمون ثقافي وهؤلاء الذين يتحدثون ضمن هذا الأطار يندفعون في رؤيتهم من منطلق ان ماهو حياتي فهو سياسي بالضرورة وهي نظرة تكرس ماهو سياسي الى مدى اوسع مما هو فيه او عليه حقا .. وهي نظرة ليست الا وليدة مجتمعات لاتخلو اوضاعها من ازمات مستحكمة مالبثت ان قادت الى نوع من التماهي المجرد مع ماهو سياسي والتعاطي معه على انه حقيقة مرتبطة بقطيعة معرفية خالصة وهو امر لايستقيم مع منطق الأشياء في كل الأحوال لأن القول بالقطعية المعرفيه سيؤدي بالحتم الى قراءة موازية لتلك القطعية قوامها الأنفتاح المعرفي على جميع السمتويات والصعد فهو ليس مجردا فكريا او تجريدا سوفسطائيا بقر ماهو كل متكامل يتداخل فيه المعرفي بفصوله وتنوعاته وتتداخل فيه الفلسفة بالموروث بالعمل الأبداعي ضمن ذلك التلاقح المفضي الى انتاج الخطاب لا الى ابتساره في شكل او محتوى.

لقد انتجت اوربا مثل هذا السجال طويلا وهي تتواصل مع التحولات التي واكبت واعقبت الثورة الفرنسية وعصر النهضة وماكان ذاك الا ارهاصا بفك الأشتباك بين ماهو سياسي وماهو معرفي والدفع باتجاه ان يمتلك الخطاب الثقافي كينونته الخاصة المجردة التي تجعل من منتج الخطاب يملك كينونته الخاصة المستندة الى رصانة المؤسسة الثقافية وفاعليتها .

ان الأشكالية الأبرز هنا هي اشكالية التحول الثقافي من منظومات قيم تقليدية الى منظومات حداثية وهي اشكالية جدية قديمة ، من منطلق ان المجتمعات العربية واجهت اشكالية التحول هذه واستحقاقتها قبل هذا، وذلك يوم اهتمت بأدخال التكنوليوجيا الحديثة وبدأت تتلمس خطاها في وسط ذلك التدفق غير المحدود للمستحدثات وبرز يومها سؤال الهوية الثقافية ..ورافق ذلك في مطلع الثمانينات من القرن الماضي انعقاد العديد من الندوات والمؤتمرات للمتخصصين للبحث في استحقاقات هذا الواقع الجديد ..

وكل ذلك جرى على خلفية مقولة اصوات متعددة وعالم واحد .. ومن منطلق التعدد الثقافي للهويات والأنماط الثقافية .

ومالبث المجتمع العربي ان تقبل ماهو مقبل عليه من تدفق للسلع والأنماط الثقافية عبر التلفزيون والسينما بشكل خاص من وسائل الأعلام التي روجت للواقع الجديد وعززت نمطا ثقافيا عابرا للقارات متجاوزا للخصوصيات المحلية والأقليمية والدينية والعرقية وغيرها .

لكن اليوم وبعد قرابة ثلاثة عقود نجد انفسنا ازاء الجدل المتجدد عن الهوية الثقافية والتدفق الثقافي – المعلوماتي الذي تحول فيه المجتمع البشري بأسره الى مستهلك لنمط ثقافي مشترك كما يقول روجيه دوبريه في واحدة من مداخلاته .

هذا الواقع المركب خلف وراءه اصداءا متنوعة تتعلق بجدل الذات والآخر والهوية والمستقبل ..اذ ان المضي في استهلاك الخطاب الثقافي – الأعلامي دون ان يكون الفرد والمجتمع صانعا له هو احدى اخطر واهم المعضلات التي تجابه ماسميناه بالتحول الثقافي .

اننا نعيش اليوم واقعا جديدا يتعلق بآليات التحول الثقافي على صعيد الثقافة العربية ويتمثل هذا التحول في مسألتين اساسيتين يواجههما الخطاب الثقافي والمؤسسة الثقافية ومجتمع المثقفين:

الأولى : انهيار كثير من المفاهيم التي ارتبطت بالقرن الماضي وماقبله وبما في ذلك انهيار ايديولوجيات كان يعول عليها كثيرا في مسألة التحولات الثقافية على الصعيد العالمي ، وليس خافيا ماشهدناه من انهيار منظومة الدول الأشتراكية ونظامها الشيوعي الذي ساد لما يقرب من قرن من الزمن هذا بالأضافة الى زعزعة كثير من المفاهيم والقيم ووقوعها تحت تأثيرات قوى العولمة ووسائلها الضاغطة ومؤسساتها وشركاتها العابرة للقارات والتي تضع في حسابها وفي اول سلم اسبقياتها احلال مفاهيم العولمة في اطار اي تحول ثقافي منشود .

الثانية : هي التحولات الهائلة التي تشهدها المجتمعات المعاصرة وهي تواجه السرعة الهائلة التي تدخل فيها مستحدثات التكنولوجيا الى الحياة اليومية مصحوبة بثورة معلوماتية قطعت فيها البشرية خلال عشرة اعوام مالم تقطعه لقرون عدة خلت حتى صار التراكم المعرفي والمعلومات علامة فارقة من علامات هذا العصر وعجزت الوسائل التقليدية في انتاج الخطاب الثقافي وآليات عمل المؤسسة الثقافية التقليدية من اللحاق بهذا التسارع المهول ولهذا رضيت تماما وسلمت بالمعادلة غير المتوازنة القائمة على ثنائية المركز والأطراف ..فكانت هي جزءا من تلك الأطراف التي تتراوح بين مستهلكة للخطاب الثقافي وغير فاعلة ولا منفعلة وبين قطاع خامل مازال يجتر مشكلات الفقر والأمية .

ان هاتين العقبتين ( الفقر والأمية ) تشكلان العقبتين الأبرز في مسار التحول الثقافي على صعيد الحياة العربية فقد تبع هاتين المعضلتين معضلات ثانوية تتعلق بالمشكلات الأجتماعية المزمنة المترتبة على الفقر والأمية فهما المهد الحقيقي للتدهور الثقافي والقيمي وللتراجع على كل الأصعدة مما يشكل عائقا مزمنا باتجاه اي تحول ثقافي .

ولعل هذا الجانب المهم يقودنا الى محور مواز ومكمل لآليات التحول الثقافي وهو محور المشاركة الثقافية ، فمعطيات عصر التقنية والمعلومات تقدم لنا خلاصات مهمة مفادها ان انتشار المعرفة والمعلومات وسرعة استخراجها وتداولها والأفادة منها قد قاد الى تأسيس ارضية واسعة للمشاركة اتاحت للناس من كل الطبقات والأعمار والشرائح الأجتماعية ان تكون جزءا من آلية التحول في كونها جزءا من دائرة المشاركة من منطلق ان المؤسسة الثقافية المعاصرة قد اسقطت نهائيا الحدود التي تحول دون المشاركة الفاعلة وبالتالي فأنها استقطبت شرائح اجتماعية متنوعة اسهمت وتسهم في ترويج المنتج الثقافي .

ومن الأمثلة الأقرب الى هذا هو تحول السينما من نمط ترفيهي وشخصي الى عملية انتاج صناعي وتجاري واستثماري بالغ السعة والضخامة وتمثل من ينتج في شكل شركات عابرة للقارات وخلال هذا وبعده تحول الفيلم السينمائي الى اداة من ادوات المشاركة الواسعة من جهة مشاركة مجتمعات المشاهدين في العديد من بقاع العالم في استهلاك خطاب سينمائي واحد بالرغم من المستويات التعليمية والوعي والفئة والشريحة المختلفة وغير ذلك من المحددات والمميزات .

واذا انتقلنا مما هو عام وشمولي الى ماهومحلي وجدنا ان اطار المشاركة يتسع باتساع وانفتاح المؤسسة الثقافية على المجتمع وقدرتها على جعل الخطاب الثقافي اقرب الى ذائقة المجموع واهتماماتهم .

ان مسألة المشاركة والتحول لم تعد في عالمنا اليوم مجرد هامش من هوامش اداء المؤسسة الثقافية بل صار واحدا من اهم استراتيجياتها فهي مطالبة بمطلبين اساسيين هما :

المطلب الأول : ان تكون واعية لمايعنيه التحول الثقافي ، من منطلق ان مجتمع المعرفة والمعلومات في تسارع صعوده وتحولاته يتطلب مواكبة واعية وحثيثة وتجديدا متواصلا للمفاهيم والأنساق ومنظومات القيم وبالتالي فأنه يتطلب توفر خطط مرحلية ورؤية استراتيجية في آن معا لتحقيق تلك الأشتراطات كما يتطلب قدرا وافرا من المرونة والوعي المتقدم لقراءة ماهو آت استباقا للتحول .

المطلب الثاني : اعادة صياغة وانتاج الخطاب الثقافي وتفعيل جانب المشاركة في انتاجه واستهلاكه وتحويله من دائرته المحددة بمجتمع المثقفين الى دائرة اوسع تنشط الشرائح الأجتماعية المختلفة وتجعلها جزءا من منظومة متكاملة يمكن للمؤسسة الثقافية الأستناد اليها وأخذها في نظر الأعتبارعند اي تخطيط مستقبلي.#

www.dimension4future.blogspot.com

dimensions_man@yahoo.com


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.طاهر علوان


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni