... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قضايا

   
دكتاتور اتحادي؟

سرمد الطائي

تاريخ النشر       18/01/2011 06:00 AM


اصدرت المحكمة الاتحادية العليا الصيف الماضي قرارا منع البرلمان من اقتراح اي مشروع قانون، وحصر مهمة النواب في التصويت على مشاريع قوانين تقدمها الحكومة. اما يوم امس فقد اصدرت المحكمة قرارا يلحق "الهيئات المستقلة" بسلطة مجلس الوزراء قائلة ان البرلمان غير قادر على ان يكون جهة ترتبط بها امثال مفوضية الانتخابات او النزاهة او حقوق الانسان.

الامور الخطيرة هذه لا تجري عبر نقاش واسع بل على طريقة: أسألك فتجيبني او تفتيني.لقد سلبت المحكمة الجزء الاساس من مهمة التشريع، من البرلمان ومنحتها للحكومة. ثم عادت فسلبت البرلمان ارتباطه بمؤسسات تتولى تنظيم الانتخابات والرقابة المالية او الحقوقية، وسلمتها بيد الحكومة ايضا.

ومعظم الساسة في بلادنا منشغلون اليوم برسم خارطة صراعاتهم البرلمانية المقبلة عبر خلاف عميق على "لجان مجلس النواب"، والوزارات الشاغرة، بينما هناك خارطة اخرى تتولى الحكومة رسمها بهدف "الامساك بكل الخيوط" دون ان يتنبه لها احد.نحن اليوم امام قرارين من المحكمة الاتحادية هما من اخطر ما صدر حتى الآن في تاريخ رسم شكل الدولة، غير انني لا اسمع تداولا للامر من قبل النواب وزعماء الكتل.

الحكومة نجحت في اقتناص مكسبين لدعم هيمنتها، والبرلمان صامت ازاء تعرض مبدأ "فصل السلطات" لخطر حقيقي. ولا اتحدث هنا عن شخص رئيس الحكومة بقدر ما اتحدث عن هذا المنصب أيا كان شاغله، سواء نوري المالكي او يونادم كنا.

لقد قامت صورة الدولة بعد 2003 على فكرة تقسيم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور "الدكتاتور"، وقد دفع الجميع ثمن ذلك لأنه انتقال عنيف من المركزية الشديدة، الى التشارك الممل.

اما اليوم فإن الامور بدأت تسير بشكل آخر، وبهدوء ودون ان تثير التغييرات العميقة نقاشا. فالتشريع تلقى ضربة قاصمة حين جرى نقل اقتراح القوانين الى مجلس الوزراء. واستقلالية هيئات الانتخابات والنزاهة، تتلقى اليوم ضربة اخرى.

الفصل بين السلطات لم يكن ليتاح لولا "اللمسات" التي وضعها "المحتل" القادم من إرث اوروبي حديث. اما انتقال الامور وتركيزها في مجلس الوزراء، فجاء بقرار من المحكمة الاتحادية العراقية التي تشبهنا نحن "الخائفون من الحرية" والذين نرى في الرئيس "كل شيء". العقل الغربي يطلب منا ان نعيش في هيكل يشبه الغرب سياسيا واداريا. ونحن نبدأ بالعودة الى اسلوب جمع السلطة في مكان واحد.

ولا بأس ان يجري التفكير بمشاكل "تشتت" السلطات والصلاحيات، فربما كان هناك من يرى ان ايجابيات ذلك اقل بكثير من سلبياته وانه تحول الى "مرض". ولربما كان هناك من يرى ان العراق بحاجة الى "رجل قوي" يضع لمسات مركزية شديدة في طريقة ادارة الدولة كي يأخذنا الى "بر الامان". ولكن العجيب ان تجري الامور بهذه الطريقة السهلة والسريعة والهادئة!

في كلا القرارين كان مجلس الوزراء يبعث استفسارا، فتعود المحكمة لتجيب عليه بطريقة ترضي مجلس الوزراء اشد الرضا. وذلك في اخطر الملفات والقضايا.

الموضوعات المصيرية التي تتعلق بشكل الدولة وفلسفة الحكم، وفي بلد معقد مثل العراق فقد الملايين من ابنائه والملايين من فرص التنمية وصار نقطة في عصر حجري تائه بين المجرات، تتم ببساطة شديدة: سؤال من الرئيس، وجواب من القاضي! اما البرلمان والفعاليات السياسية والاكاديمية فلا يجري اشراكها في اخطر جدل بشأن مستقبل السلطة في البلاد. كم سؤالا مشابها ننتظر من مجلس الوزراء، وكم قرارا يفرح رئيس الحكومة سنسمع في هذا الاطار خلال الشهور والاسابيع المقبلة؟ كم مرة سنشهد كل هذا الصمت والتشاغل والتعامي من البرلمان والاحزاب وذوي الرأي عن امثال هذه القرارات؟ لا ادري.هل سنقوم بتعديل الدستور عبر سؤال من الحكومة وجواب من القضاة؟ هل سنغير اخطر مسارات لسياسة العراقية المعقدة، عبر هذه الآلية؟ وهل هناك ديمقراطية ناشئة ادارت الامور بهذه الطريقة قبلنا؟

من الواضح ان سير الامور على هذا النحو وعدم تعريضها للنقاش الكافي، سيقضي على جدوى التعددية السياسية، وسيجعلنا قريبا في مواجهة "دكتاتور مقونن" او سلطة مستبدة تهيمن على البرلمان والهيئات المستقلة، ولكنها ستكون هيمنة "بقرار اتحادي". هل اتفقتم سرا على هذا، ام اننا "فاهمين غلط"؟


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سرمد الطائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni