... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قضايا

   
سجناء البصرة منفيون في شمال البلاد

وحيد غانم

تاريخ النشر       15/04/2011 06:00 AM


نقاش :
نتيجة لسوء الإدارة وعدم تأهيل السجون العراقية يقبع أكثر من 1200 سجين من محافظات الجنوب في سجن جمجمال في السليمانية. هكذا يترتب على ذوي المعتقل قطع طريق طوله مئات الكيلومترات وتحمل نفقات كبيرة لرؤية ولدهم.

يتعذر على السيدة وفاء حنظل، منذ أكثر من ستة أشهر، زيارة أخيها السجين في سجن جمجمال الاتحادي أو ما يسمى بسجن القلعة، إذ تسكن وفاء محافظة البصرة، بينما يقع هذا السجن في أطراف محافظة السليمانية.

وتوضح وفاء أن رؤية أخيها تتطلب قطع مسافة 590 كلم من البصرة إلى العاصمة بغداد، وهو طريق تتخلله نقاط تفتيش متعددة و"يدمر الأعصاب" على حد تعبيرها، ومن ثم المبيت في أحد فنادق بغداد حتى الصباح، ومتابعة السفر مجددا عبر طريق ينوف طوله عن 250 للوصول في النهاية إلى المعتقل.

"قبل عام 2009 كانت تكاليف زيارة أخي أقل" تقول السيدة الأربعينية، فشقيقها المحكوم بالسجن لمدة 25 عاماً على خلفية الضلوع في قتل أحد الأشخاص، كان معتقلا في سجن أبي غريب في العاصمة بغداد قبل أن ينقل إلى السليمانية مع آخرين.

ولا يزيد راتب هذه السيدة على 600 ألف دينار شهرياً (قرابة 500 دولار)، وهي تعيل أسرتها وزوجة أخيها وأطفاله الثلاثة، بينما يكلف السفر إلى سجن جمجمال أكثر من 400 ألف دينار (حوالي 350 دولارا) وفي حال مصاحبتها لزوجه وأطفاله فإن التكاليف تتضاعف.

وكان سجن أبو غريب أو "سجن بغداد المركزي" بحسب تسميته الرسمية، قد أغلق إثر أعمال شغب اندلعت في أيلول (سبتمبر) 2009 أسفرت عن أضرار مادية وسقوط قتلى وجرحى من السجناء، وهو ما دفع وزارة العدل إلى توزيع القاطنين فيه على سجون مختلفة في البلاد.

أحد السجناء المنقولين إلى سجن جمجمال طلب في اتصال هاتفي مع مراسل "نقاش" عدم كشف اسمه، ذكر بأن وصوله إلى السجن الجديد "كان عن طريق الصدفة ومن خلال قرعة أجرتها إدارة سجن أبو غريب".

الموظف الحكومي السابق والسجين الحالي يبلغ من العمر 61 عاما، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما بعد قتله لأحد الأشخاص في شجار عارض، أمضى منها ثماني سنوات متنقلا بين سجن التسفيرات في المعقل بالبصرة ومن ثم أبي غريب والرصافة (في بغداد) وأخيرا جمجمال الذي نقل إليه في العام 2009.

ويصف الفترة التي قضاها في السجن الأخير بأنها "أقسى سنتين في حياتي" لعدم تمكنه من مقابلة أسرته، ويضيف "طلبت منهم ألا يأتوا رأفة بوضعهم المعيشي، لذلك لم أر أطفال ابني الذين ولدوا بعد سجني ولا بقية أفراد عائلتي".

وبحسب تقديرات هذا السجين الشخصية والمعلومات المتداولة بين الحراس والسجناء، فإن "عدد النزلاء البصريين في جمجمال يزيد عن 250 سجيناً فيما تناهز أعداد السجناء من المحافظات الجنوبية الألف".

وتملك دائرة الإصلاح العراقية التابعة لوزارة العدل 32 سجناً منتشرة في جميع محافظات العراق وفي إقليم كردستان، بينها ثلاثة سجون مخصصة للنساء تتوزع في بغداد وذي قار والمثنى.

الموقوفون في عدد من تلك السجون يعانون من انتشار أمرض السل والجذام وأمراض جلدية أخرى نتيجة ازدحام هذه المواقع وعدم توفر الوعي الصحي بينهم.

أما في جمجمال، فقد سبق ووجه ذوو 2700 سجينا رسالة في العام 2009 طالبوا فيها السلطات المعنية بوقف انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات التعذيب التي يتعرض لها أبنائهم، واطلاق سراح الذين اعتقلوا من دون مذكرات قضائية، ونقل السجناء إلى محافظاتهم الأصلية، ذاكرين أن ثمانية من السجناء ماتوا نتيجة انتشار الأمراض الفتاكة.

وعقب هذه المناشدات أقدمت وزارة العدل ضمن برنامج أعدته لتأهيل السجون على إجراء إصلاحات نسبية في جمجمال، تضمنت إقالة مديره السابق على خلفية ارتكاب خروقات وعمليات تعذيب، والسماح لذوي المعتقلين بزيارتهم طيلة أيام الأسبوع، فضلا عن قرارات أخرى.

أهالي سجناء البصرة والمحافظات الجنوبية ما زالوا يطالبون بنقل ذويهم من جمجمال إلى سجون محافظاتهم، بيد أن تحقيق ذلك يتطلب إجراءات "ليست باليسيرة" على حد قول وكيل وزارة العدل بوشو ابراهيم الذي ذكر أن "اللجوء لسجون المنطقة الشمالية نجم عن افتقار محافظات الجنوب لسجون تستوعب أعداد الموقوفين والمحكومين".

فبحسب المعلومات الرسمية، فإن هناك حوالي 25 ألف سجين وموقوف في السجون العراقية. وأكد وكيل وزير العدل أن محافظات الجنوب لا تتسع لاستيعاب المزيد من السجناء "إذ تبلغ طاقة سجن الحلة الاستيعابية 5000 سجين، أما العمارة فليس فيها سجن كبير، كما أن سجن الناصرية الذي يسع 1700 سجيناً مكتظ ولن يستوعب أكثر من 150 آخرين".

بوشو أشار إلى أن وزير العدل حسن الشمري طلب وضع دراسة خلال 15 يوماً لنقل المساجين إلى محافظاتهم، "لكن من الصعوبة إنجاز نقل وتسفير المساجين في وقت قصير" على حد قوله.

مسؤولو محافظة البصرة لا يجدون حاجة لبناء المزيد من السجون في جنوب البلاد "انما نحتاج إلى تأهيل السجن المركزي الذي أنشأه الأمريكان ضمن مشاريع الدول المانحة، والسجون الأخرى الموجودة والذي تعوزها دورات المياه"، يقول حسين علي حسين رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة البصرة.

وأضاف حسين لمراسل "نقاش" أن "السجن المركزي يستوعب نظريا 1200 سجيناً وليس فيه أكثر من 600 سجين في الوقت الحاضر وقد خصص مجلس المحافظة 75 مليون دينار (حوالي 63 ألف دولار امريكي) لتطويره".

مسؤولو المحافظة أشاروا أيضا إلى أن المشكلة لا تمكن فقط في عدم توفر سجون مؤهلة "إنما في وجود المئات من الموقوفين لم تجر محاكمتهم بعد، تسبب تأخير محاكمتهم باكتظاظ السجن".

وقال حسين في هذا الصدد "نلاحظ كثافة في أعداد الموقوفين الذين لم تحسم قضاياهم لحد اليوم، لذلك نحن ندعو لإنهاء التحقيقات المرتبطة بالموقوفين واطلاق سراح من يستحق منهم".

المحامي والناشط الحقوقي طارق الابريسم علق على هذه المسالة قائلا "إنها معاناة إنسانية عميقة، فعدم حسم قضايا الموقوفين يثقل على عائلاتهم وعائلات بقية السجناء، ويكلفهم نفقات باهظة"، مضيفا أن "حرمان الأطفال من آبائهم المسجونين في أماكن بعيدة يتسبب بأذى نفسي لهم، إضافة إلى أن البعد يتسبب بفراق بين السجناء وزوجاتهم وهذه مسألة لا إنسانية".

وتساءلت عضو لجنة حقوق الإنسان في محافظة البصرة بشرى زيبك مهوس عن سبب إغفال نواب البرلمان والجهات القضائية والعدلية لمشاكل السجون عموما وسجن جمجمال على وجه الخصوص، وقالت لمراسل "نقاش": "كان يفترض بان تقوم لجنة من وزارة حقوق الإنسان بزيارة السجناء ومساعدتهم لكن أحدا لم يبادر إلى ذلك".

أما وفاء، والتي تقوم حاليا بشحن أرصدة موبايل وتحويلها لأخيها المقيم في سجن جمجمال، ليقوم هو الآخر ببيعها للسجناء للحصول على بعض المال، فتستعد لرحلة مضنية أخرى في أول الشهر القادم، وهي تستقطع فضلا عن ذلك مبلغاً من راتبها في كل شهر على أمل رؤيته مرة أخرى.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  وحيد غانم


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni