... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
التقاطع بين الذاكرة الأرضية وامتداداتها الغامضة في ست دراسات حديثة بالإنكليزية

جهاد الترك

تاريخ النشر       29/06/2011 06:00 AM


... ولا يزال المشهد عينه يتعاقب. والأرجح أنه سيبقى كذلك بانتظار المعجزة. ولعلّ هذه الأخيرة لن تلوح في الافق القريب لتبقى الخرافة وحدها ذلك الوسيط الافتراضي بين الانسان والكون: كلما ازداد الكون غموضاً وأمعن في إخفاء وجهه القبيح أو المشرق، تلقف العلم هذه الأحجية. زاعماً أنه خشبة الخلاص من طوفان الشك والخوف على المصير والذعر القادم مع فجر بات حضوره مشوباً بالريب. وعلى مقربة من هذا التماس المتوهم بين العلم والكون، تتحين الفلسفة اللحظة المناسبة لتطلق ثرثراتها المكدسة منذ القدم دلالة على أنها وحدها من نسيج الكون. وانها وحدها أيضاً تنطوي في قرارة نفسها على شيء كثير من ذاكرة الكون. ثم أنها هي وحدها، على نحو مماثل، الأقدر على استخدام الخرافة وفكفكة رموزها وحفرياتها القديمة من أجل قراءة أكثر انسجاماً مع الذاكرة المغلقة للكون المنطوي بذاته على ذاته. ليس في هذه المسألة تجاذب حاد بين العلم والفكر قد يصل بهما الى أن يكفّر أحدهما الآخر. أو أن يعلن أحدهما أن الآخر يعرقل الوصول الى "الحقيقة". أو أن يعبّد الطريق إليها بالألغام القاتلة. لا شيء من هذا القبيل على الأغلب. وإن بدا أن ثمة ميلاً غريزياً لدى كليهما بأن أحدهما يستولي من جعبة الآخر على ما لا يحق له أن يضمّه الى حوزته. ومع ذلك، كلما تعثر أحدهما في سعيه الى الاقتراب الهش من ذاكرة الكون، قهقه الثاني في سرّه. ثم لا يلبث هذا الأخير أن تنقلب قهقهاته إحباطاً ثقيلاً قد يتحول ذرفاً للدموع الحارة وهو يسير على حافة المرارة. وفي هذه الأثناء من الكرّ والفرّ بين العلم والفلسفة، تتضخم الأنا لدى الخرافة. تستنهض نفسها من جديد من حيث ما انزلق الطرفان في هاوية الخيبة. ولعلها تعربد في سرها معلنة مراراً وتكراراً أنها الوليد الشرعي الوحيد للفكر الانساني. هي من صلب القلق. من ذرية التوق الى اعادة انتاج العالم والكون. ليس من داخل حقيقتهما. بل من خارجها. من التخوم البعيدة للوهم. من الضفاف البعيدة للذاكرة. من جحيم المعاناة. من قلب الانكسارات. من حيث يأتي الموت غفلة وتنحسر الحياة غفلة. من حيث تتكون الذاكرة في الزمن المجهول. من حيث تستعيد الذاكرة حنينها الأول الى الكون وهو يفيض في نفسه من تلقاء نفسه. لا يرى إلا نفسه في مرآة نفسه.
قد تبدو هذه التصورات، في إشكالها الأولية على الاقل، قراءة افتراضية في المفاهيم العلمية الفلسفية لدراسات ست وضعها مفكرون ينتمون الى الصف الأول من النخبة الثقافية في الغرب الأميركي والأوروبي. بعضهم من كبار الفلاسفة المحدثين الذين توجهوا بأفكارهم ونطرياتهم الى الكون ليعيدوا انتاج الكون والانسان في سياق ينسجم، بشكل أو بآخر، مع منظومات الحداثة وما بعد الحداثة. ولعلّ بعضهم لا يقيد نفسه بهذه التصنيفات الفكرية المعقدة من دون أن يتجاهلها آخذاً منها ما يضفي على دراسته بعداً فكرياً معاصراً. أول هذه الاصدارات "أقنعة الكون":
أفكار متغيرة حول "طبيعة التناغم الكوني" للفيلسوف ادوارد هاريسون، عن منشورات جامعة كامبريدج، 2003. "كون واحد أو أكوان متعددة"، لمجموعة من الفلاسفة والعلماء، تحرير برنارد كار، عن منشورات جامعة كامبريدج 2009". الكون المتحوّل: نحو صورة موحدة للحقيقة المادية"، للعالم المفكر تومو سانتولا عن منشورات "غرايت سبايس" 2011.
"الكون الجديد والمستقبل الانساني" للفيلسوفة نانسي ابرامز والفيلسوف جويل بريماك عن منشورات جامعة يال، 2011. "متاهة الزمن: التعرف الى الكون" للمفكر الكبير مايكل لوكوود عن منشورات جامعة اكسفورد، 2007. "الحقيقة الخفية: الأكوان المتوازية والقوانين العميقة للتناغم الكوني"، للعالم براين غرين عن دار نويف، 2011.
تبدو هذه الإصدارات مستقاة، للوهلة لأولى، من مادة علمية عويصة ومعقدة للغاية، مغرقة في التفاصيل الجافة والمحيرة للفيزياء الكونية، مجرات وثقوباً سوداء ومكتشفات قديمة وحديثة في طبيعة التمدد الكوني أو تقلصه وعلاقته البنيوية بالزمنين الكوني والأرضي. ولكنها ليست كذلك، على الأرجح. إذ إن أصحابها وهم يسلّطون أضواءهم الكاشفة في عرفهم، على ما يعتبرونه مجاهل في ذاكرة الكون المنكمشة على ذاكرتها وتاريخها الكوني المليء بالألغاز والمتاهات، فإنهم يسلطون الضوء ايضاً، على الحد الفاصل والجامع بين الإنسان وما ينطوي عليه من أصول كونية محتملة. ولعلهم يقصدون بذلك، التوغل عميقاً في الذاكرة الإنسانية باعتبارها مجاهل مماثلة لتلك التي يتجلّى بها الكون مزيداً من الغموض والقلق والإحساس بالرعب الشامل من أن يقدم الكون في لحظة ما على الكشف عن وجهه الملتبس. ولعل هذه الدراسات التي تحتل مقعداً فريداً ومتميزاً، في هذا السياق الفلسفي العلمي، تمثل، في طبيعة مضمونها المعقد، جانباً هو الأبرز، على الأرجح، في الكيفية التي تعيد الفلسفة الغربية من خلالها التعبير عن طموح انساني قلّ نظيره في مناح فكرية وفلسفية أخرى. تعتمد هذه الدراسات منهجاً صعباً يتضمن، بطبيعة الحال، مخاطر فكرية مفتوحة على أصناف من المطبات الفلسفية التي قد تقلب الطاولة على رؤوس أصحابها في حال أثبتت أن في بنيتها الداخلية عجزاً بنيوياً فاقعاً. فهي معنية، بالدرجة الأولى، وفقاً لتقنياتها الفكرية، في استنباط قراءة داخلية للهاجس الانساني العام يقوم على قراءة داخلية أيضاً لذاكرة الكون. ثمة في هذا المنحى، تغليب لتوجه صوفي محدد بغية إزالة العراقيل من أمام مصالحة مستجدة بين الانسان بذاكرته الأرضية والكون بذاكرته الكونية. وفي هذا استعادة لإحدى أكثر الخرافات أهمية في التاريخ الفكري والفلسفي في إرساء تسوية مرضية تدخل كثيراً من روع مفقود الى المخيلة المضطربة والعقل المثقل بأحزانه الأرضية المزمنة.

يحتاط كل من هؤلاء المفكرين الستة لعدم الاسترسال في التعويل على المكتشفات العلمية المحض والقوانين الفيزيائية البحت وحدها في قراءتهم لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة" بين الإنسان والكون. ولعل في هذه المقاربة شيئاً كثيراً من "التشويق الدرامي" والسيناريوات المتحولة التي من شأنها أن تقلّص هامش الصمت المتوارث بين الإنسان والكون. وأن تقدم كذلك على محاولة إزالة حاجز الخوف المتوارث أيضاً بين الطرفين. والأهم، على وجه الخصوص في هذا التجاذب الغامض بين الإنسان والكون باعتبارهما ذاكرتين انقطع بعضهما عن بعضهما الآخر، استخدام قوانين الفيزياء الكونية بمعادلاتها الرياضية المرهقة، على نحو لا يفاقم عزلة الأرض عن أبعادها الكونية. ولا عزلة الكون عن أبعاده الأرضية. ولعلهم يقصدون بهذا المسعى ألا تبقى هذه القوانين المجحفة، إذا جاز التعبير، حكراً على النخبة القليلة أو النادرة ممن يزعمون أنهم وحدهم قادرون على فهم الكون في حركته الداخلية. تحتاج هذه القوانين الصماء لتنتقل من حالة اللغز العلمي الى المشاع الذهني، الى أن تمر بالضرورة في نفق إلزامي لا بد منه. هو العمل الدؤوب والاجتهاد المضني لأنسنة هذه القوانين قدر المستطاع وجعلها مستساغة للفهم المتداول بين الناس. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا المسعى أمر قابل للتحقق في حد ذاته بمعزل عن نطرية مغايرة لا يعود فيها الكون ذاكرة محظورة. ولا تعود الأرض ذاكرة مشوبة بالطلاسم أو ملحقة بالضرورة الفلكية بالإرادة الكونية القاهرة. تبدو أنسنة الكون، في هذا المنحى، مقدمة موضوعية للتوصل الى أنسنة مستجدة للأرض. والعكس صحيح بشكل أو بآخر. النفور المتوارث، منذ أقدم الأزمنة بين الانسان والكون تحت ذرائع ومسميات وعقائد شتى وأساطير متباينة، ينطوي وفقاً لهؤلاء المفكرين، على نفور مضمر بين الانسان والأرض. من هنا الانغلاق التدريجي لذاكرة الانسان حيال الأرض أولاً والكون ثانياً. وبالمثل انغلاق ذاكرة الكون على نفسها و على ذاكرة الأرض على حدّ سواء.
الكون الجديد
توفّر المفكرة المرموقة نانسي إبرامز في كتابها الوارد آنفاً "الكون الجديد والمستقبل الانساني"، هامشاً واسعاً منطقياً وفلسفياً أيضاً من الاجابة عن هذه التساؤلات الغامضة. تصوغ أفكارها، في هذا السياق، على خلفية من قراءة قديمة جديدة لاحتمالات التقاطع بين الانسان والكون. ترى أن لا مناص من أن ينشغل الإنسان، منذ اللحظة، بضرب من التفكير الذي انقطع عنه منذ أزمنة ساحقة. يتمثل في أن يعتاد على أن يفكر كونياً ثم ينصرف بعد ذلك الى التصرف أرضياً. دعوة حقيقية، على الأرجح، الى استلهام ما تستبطنه ذاكرة الكون من خفايا وأحداث ومفاجآت قد تضيف الى جوهر الحياة ما يحيلها نمطاً مختلفاً أكثر ارتقاء بالطبيعة الانسانية. وهي تعتبر أن اكتساب مهارات كهذه غير مألوفة من شأنه أن يقي الانسانية من الاحساس المرهق بالسير على حافة الهامش. وبالتالي حرمان الحياة على الأرض من تكوين أنماط من الوعي قادرة على اختراق مثيلاتها السائدة التي باتت منتهية الصلاحية على الاغلب. ان هذا الوعي المرتقب على وقع الحاجة الملحة الى اعادة الاشتباك مع الذاكرة الكونية في تجلياتها الظاهرة والمضمرة، يشكل اللبنة الأولى في سياق بناء مجتمع كوني لا يختزل من قيمة الأرض. بل يسمو بها من خلال استكشاف امتداداتها في الكون اللامتناهي. ان معرفتنا بما تشتمل عليه الأرض من احتمالات الاستمرار بالأشكال المعهودة أو الانحراف بهذه الأخيرة الى اشكال غير متوقعة، مأسوية على الاغلب، ستظل ناقصة بالضرورة ما لم تُستكمل بمعرفة أرقى مصدرها الإقدام على التعايش طويل الأمد مع الحقائق الكونية. ومن أسف أن إطلالة العلم على هذه الحقائق وأسرارها لا تزال تُستثمر في نطاق محدود من قبل حفنة ضئيلة من العلماء أدرجوها في خانة الملفات "المقدسة". وقد تحولت هذه الأخيرة قضايا تبعث على الشك والريبة لأنها توظف في مجال إحكام السيطرة على العالم. اصبح الكون، في هذا السياق الملتبس مدعاة للانكفاء أكثر منه رغبة في جعله فضاء متحولاً للأرض يثير الدهشة والفضول ويطلق المخيلة من اسرها القسري.
الكون المتحوّل
يقارب المفكر تومو سانتولا في كتابه الهام "الكون المتحول"، هذه المسألة من زوايا ثلاث: أولاها العودة المحتدمة الى تقبل الكون كما هو. كما عهده الانسان منذ أقدم الأزمنة بعيداً عن التعقيدات المذهلة، نظريات فيزيائية ورياضية وفلكية، من شأنها أن تعيد الانسان الى بوتقة الخوف من المجهول. الثانية، الدعوة الى الاحساس بالاطمئنان العميق للحالة الكونية على الرغم من كثافة القلق الذي يتحول وهماً من الرعب القاتل كلما ازداد التباين بين الذاكرة الأرضية والذاكرة الكونية. الثالثة وتتمثل في ثقافة التناغم مع الكون، أسوة بالتناغم عينه الذي يجمع بين أجزاء الكون المترامية الأطراف.
يساكن بعضها بعضاً رغم السنين الضوئية التي تباعد بينها وتقرب في ما بينها على نحو مماثل. ان المضي في اعتماد ثقافة الخوف من الكون يحيل ذاكرة الانسان الأرضية عرضة للاحساس المرير بالاضطهاد. يصبح الكون، في هذا الإطار، هدفاً سهلاً وغريزياً للكراهية والعدوانية والاحتقار. وقد تنقلب هذه الكراهية على نفسها، على الذاكرة الانسانية. فبدل أن يضطهد الانسان الكون، وهو أمر بعيد المنال ومستحيل، يأخذ باضطهاد نفسه. وهذا أشبه ما يكون بالانتحار الذاتي والهلاك الجماعي.
يفرّق الفيلسوف ادوارد هاريسون في كتابه آنف الذكر "أقنعة الكون"، بين الحالة الكونية المشروطة بمنظومة معقدة من القوانين العلمية والنطريات الفيزيائية والكيميائية والزمن الضوئي، وبين الكيفية التي درج الانسان على استخدامها لمقاربة الكون كما يتجلى في الذاكرة الجماعية. ولعله ينحاز الى التصور الذي يقر باستحالة وضع نظرية جامعة شاملة يصار من خلالها الى استيعاب اللعبة الكونية بشكل نهائي. ولأن الأمر كذلك، وسيبقى كذلك حتى إشعار آخر، يدعو هذا المفكر الى الانفتاح على هذه الحالة الكونية كما هي مقللاً من شأن الهواجس المتراكمة في ذاكرة الانسان الأرضية.الانفتاح على المجاهل الكونية من منطلق الحاجة الملحة الى إغناء المخيلة بمشاهد فائقة الدهشة. لا تعود ذاكرة الانسان، في هذا السياق، مقصورة على المخيلة التي مبعثها الأرض بل الكون المنفتح على الدهشة الغامضة المجهولة. فرصة نادرة لتتحول الذاكرة الأرضية الى ذاكرة كونية.
متاهة الزمن
يطرح الفيلسوف مايكل لوكوود في دراسته القيمة "متاهة الزمن"، بعداً مختلفاً من شأنه أن يعيد النظر بشكل جذري في الآلية التي تستخدمها الفلسفة في قراءة الزمن وتعاقب الأحداث والترابط العضوي بين الزمان والمكان. يتساءل عن سيرورة الزمن الكوني: هل تأتي من المستقبل الى الحاضر من ثم تتابع مسيرتها الى الماضي؟ ويتساءل كذلك عن جدوى الحاضر وما اذا كان يتعلق فقط بزمان ومكان موجودين على نحو مسبق. ثمة "أنسنة" ملحوظة، في هذا الإطار للكون المختبئ في ذاكرته الغامضة. لا يعود الكون، في هذا التصور، مرهوناً بالمطلق بسلسلة من النظريات المستعصية على الفهم. يصبح مشرعاً بالكامل على ديناميات الذاكرة الانسانية ومغامراتها المشوقة. الكون في هذه الحالة لغز مستساغ أكثر منه طلسم يخلف وراءه ذكريات منفرة وأهوالاً من الصمت المخيف.
يناقش كتاب "كون واحد أو أكون متعددة"ماهية النظريات التي تميل الى الاعتقاد بأن الكون الذي نعرفه ليس كتلة واحدة نهائية. انه كون ينطوي على آخر وثانٍ وثالث ورابع، وهكذا دواليك. يتلقف الكتاب هذه المسألة بعيداً عن محدودية الذاكرة الانسانية التي غالباً ما يحلو لها أن تعقلن الأشياء على هذا النحو. ولعله يوحي باستحالة استيعاب الحالة الكونية بذاكرة ليست من جنسه. يدعو الى التبصر في فلسفة الأكوان وتداعياتها على الذاكرة الأرضية بدلا ًمن الاحساس بالخوف والتعرض للخيبة والإصابة بالذهول. ثمة في الكون ما يشير بالفعل الى وجوب أن يتحول هذا الأخير الجزء الأهم والأكثر حيوية في ذاكرة الانسان الأرضية. الكون حالة انسانية بالدرجة الأولى. الأرض حالة كونية بالدرجة الأولى أيضاً.

الحقيقة الخفية
يثير الفيلسوف براين غرين في دراسته "الحقيقة الخفية"، العلاقة الافتراضية بين الانسان والكون. قد تبدو هذه ذات سمات ونتائج ايجابية، أحياناً، وسلبية للغاية أحياناً أخرى. ومع ذلك فإن انفتاحاً احتمالياً أو افتراضياً للذاكرة الانسانية على الذاكرة الكونية هو من طبيعة النسق الفكري المعاصر والحديث. انتهى عصر الحقائق المطلقة، ولعله ولّى من دون رجعة. باتت "الحقائق" من نسيج ما ينبغي أن تكون. لذا فهي متحولة تخاطب مستقبلاً متحولاً ذا معالم غير محددة، على الأغلب. يستخدم المفكر هذه التقنية المعرفية من أجل أن يقارب الكون في أحواله الافتراضية. مرة أخرى، يخضع الكون، في هذا السياق، لمتغيرات ذاكرة الانسان الأرضية. لا يعود كوناً بالمفهوم المطلق. وقد يتجزأ الى أكوان متعددة أو يتقلص الى أقل من كون واحد. ومع ذلك يتحول مادة مشوقة لإعمال الفكر والفلسفة وهما يبحثان عن معنى آخر للوجود الانساني على الأرض وامتداداتها في الأكوان الشاسعة.
ومع ذلك، تنطوي هذا الدراسات الست، وهي الأبرز والأخطر من بين مثيلاتها على قلة هذه الأخيرة، على ما يستشرف فضاء جديداً في الفلسفة والفكر المعاصرين. وتحديداً في مرحلة ما بعد الحداثة. ولعل في هذا الهامش ما يمكن اعتباره قيمة مضافة الى الفكر الانساني الذي يعاني اختناقاً واضحاً منذ سقوط الأيديولوجيات في العقد الأخير من القرن الماضي. محقة هي الفيلسوفة المرموقة نانسي ابرامز الوارد ذكرها آنفاً في قولها أن الماضي سيصبح زمناً باهتاً في لحظة ما في المستقبل عندما يثبت بالدليل القاطع أن توسع الأكوان أمر لا مهرب منه وإن بدا احتمالياً الى حد كبير. ولربما توحي، بهذا التصور، ان مستقبل الذاكرة الأرضية غامض مهدد في بنيته العميقة ما لم يتحرك الفكر، منذ اليوم، في استنباط آليات من المقاربات الكونية قبل أن يسبقنا الكون فنتخلف عن الركب. وفي أي حال، تسعى هذه الدراسات الى تدارك ما يمكن أن يحيل الكون بغموضه ودهشته واشكاله المبتكرة، متاهة يتعذر استيعابها وفكفكتها والتعايش معها. من هنا المهمة الصعبة الملقاة على الفلسفة والشعر، على وجه الخصوص من أجل ازالة سوء التفاهم المتوارث بين الذاكرتين الأرضية والكونية. الكون ليس متاهة تبعث على الخوف. الكون متاهة في وصل ما انقطع بين الانسان وامتداداته في البعيد البعيد.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  جهاد الترك


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni