... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
الجميعُ يحبُّ إيلفا

جاسم الولائي

تاريخ النشر       19/10/2011 06:00 AM


الفصلان الأول والثاني
تعريف:
الجميعُ يحبُّ إيلفا حكايةٌ للفتيانِ من 15 فصلاً. تحكي عن روائيةٍ وقاصةٍ هي (إيلفا هولم) تعيشُ في مقاطعةٍ سويديةٍ صغيرةٍ تُدعى (سولهم). تعودُ إيلفا إلى ستوكهولم بعدَ زيارةٍ طويلةٍ استغرقتْ ثلاثةَ شهورٍ إلى عددٍ من البلدانِ الأفريقيةِ للاطلاعِ على آثارِ الحروبِ الأهليةِ على الأطفالِ والأطفالِ المجندينَ في تلكَ الحروب، ولمساعدتٍهم وإعادة تأهيلهم. تُفاجأ إيلفا بعدَ عودتِها من رحلتِها مباشرةً، أنّ أطفالَ وسكانَ المقاطعةِ بالتعاونِ مع البلديةِ ومدرسةِ سولهم الابتدائية، يحضّرون لإقامةِ مهرجانٍ كبيرٍ لثلاثةِ أيامٍ احتفاءً بعودةِ كاتبتِهم وصدورِ كتابِهما الجديدِ باللغتينِ العربيةِ والانكليزية.
إيلفا كانت تتهيّبُ من قرائِها الصغارِ، وتخشى المفاجئاتِ التي يضعونها أمامَها في كلِّ لقاءٍ معهم في المدرسة.
أقربُ أصدقاءِ الكاتبة: لارش بلومبيرغ رئيسُ شرطةِ سولهم وزوجتُهُ فيليبا، بيورن ساعي بريدِ المقاطعةِ، وسكرتيرةُ الروائية أنّا-ليل.
أهمُ أبطالِ الحكايةِ هما الصغيران:
يوناس بلومبيرغ وهو أولُ وأهمُّ قارئٍ لها. أي عميد قرائِها في المقاطعة، وهو راضٍ ومعجبٌ بكلِّ ما تكتب.
فيكنغ أصغرُ وأحدثُ قرائِها وأشدّهم عنادًا، يعترضُ دائمًا على كثرةِ عباراتِ ومصطلحاتِ النهيِ والمنعِ في قصصِ وحكاياتِ إيلفا، وأنّها تمنعُ الذين يشتغلونَ في حكاياتِها ويعني بهم (أبطالَ وشخصياتِ الحكاية) من أنْ يخرجوا للعبِ قبلَ إتمامِ وظائفِهم المدرسية، وتمنعُهم من أنْ يخرجوا بدراجاتِهم للتنزّهِ أو يتزلجوا أو يلعبوا هوكي الجليدِ دونَ أنْ يضعوا خوذةَ الحمايةِ على رؤوسهم.
تعيشُ إيلفا هولم صراعًا مع فيكنغ وتتخيّلُ أنّهُ يتمكنُ من إقناعِ أبطالِها بشروطِهِ ويدفعُهم إلى التمرّدِ عليها فيعقدونَ مؤتمرًا يقدّمونَ فيها استقالاتِهم من حكاياتِها.

 


الجميعُ يحبُّ إيلفا
جاسم الولائي


إلى العراق
الذي أتعب قلوب محبيه
كلّ بلدان العالم يعيش أطفالها فوق أرضها
إلا أنت

 1
مرحبًا بعودةِ العزيزةِ إيلفا إلى البلاد


بعدَ سفرةِ إيلفا الطويلةِ التي استغرقتْ ثلاثةَ شهورٍ في أفريقيا وعودتِها من جديدٍ إلى السويد، تُفاجأ بالنشاطِ والصخبِ الذي تعيشُهُ مدينتُها الصغيرةُ سولهم.
عندَ عبورِ سيارتِها مدخلَ سولهم، تشاهدُ إيلفا هولم صورةً كبيرةً لها ولا فتةً موضوعةً أعلى مدخلِ المدينة، مكتوبٌ عليها "مرحبًا بعودةِ عزيزتِنا إيلفا"، وتشاهدُ أيضًا عددًا من أعلامِ بلديةِ المدينةِ ترفرفُ هناك كذلك العلم السويدي. ودونَ أنْ تنتبهَ إلى أنّ سؤالَها يبدو غريبًا للغاية، تسألُ من مقعدِها الخلفي سائقَ سيارةِ الأجرةِ الذي يجلبُها من المطار، عمّا يحدثُ في المدينةِ الآن.
–  نعم، يقولُ السائق. رغمَ أنّني لستُ من سكانِ هذهِ المقاطعة، لكنّني أعرفُ صاحبةَ الصورة.
تنتبهُ إيلفا إلى أنّ سؤالَها كان حقيقةً في غايةِ الغباء.
–  إنّها إيلفا هولم، يواصلُ السائقُ حديثَه، كاتبةُ قصصٍ وحكاياتٍ للأطفالِ والشباب. أعتقدُ أنّها ستزورُ هذهِ المدينة، والأهالي يتهيأونَ لاستقبالِها. إنّها كاتبةٌ محبوبةٌ وقد قرأتُ لها العديدَ من القصصِ والحكاياتِ عندما كنتُ صغيرًا. ألمْ تسمعي عنها؟ ثمّ يسألُ بدهشةٍ أكبر. إنّها إيلفا هولم، ألا تعرفينها؟!
–  نعمْ بالطبع، تقولُ إيلفا وهي تخبيءُ وجهَها وراءَ ألبومِ صورٍ جلبتْهُ من كينيا. كانت تتأملُه، كي لا يكتشفَ السائقُ إنّها هي إيلفا نفسُها. بالتأكيد أنا أعرفُها جيدًا.. بالطبعِ أعرفُها!
قبلَ أنْ يواصلَ السائقُ حديثَه، يظهرُ بيتُها. يخففُ السائقُ من سرعتِهِ ويتوقّف.
حينَ تصلُ سيّارةُ الأجرةِ منزلَ إيلفا أخيرًا، تجدُ سكرتيرتَها أنّا-ليل ورئيسَ الشرطةِ لارش بلومبيرغ وزوجتَهُ فيليبا وابنَهما يوناس ومعهم ساعي البريدِ بيورن، يقفونَ بانتظارِها عندَ مدخلِ المنزل. يساعدونَها مع سائقِ سيارةِ الأجرةِ في حملِ حقائبِها وإنزالِها من صندوقِ أمتعةِ السيّارة، فيما تتنحى هي جانبًا بعيدًا عن نظرِ السائقِ الذي يتناولُ أجرتَهُ من يدِ لارش ويقودُ سيارتَهُ مغادرًا دونَ أنْ يفهمَ ما يحدث.
تعانقُ إيلفا يوناس الصغيرَ وتمسحُ بيدِها على رأسِه. ثمّ تعانقُ أصدقاءَها الواحدَ تلو الآخر وتحييهم. حينَ تصلُ أخيرًا إلى بيورن يقولُ ضاحكًا:
–  أنا هنا في استقبالِكِ أولاً، يواصلُ ساعي البريدِ كلامَه، ومن أجلِ أنْ أقومَ بوظيفتي ثانيًا. بعدَ ذلكَ يُخرجُ من جيبِهِ مظروفًا أبيضَ مزركشًا في حواشيهِ الأربعِ ويسلمُها إياه. تفضلي.
–  هلْ هذا هو كلُّ بريدي، تقولُ إيلفا ضاحكةً وهي تلّوحُ بالرسالة. هلْ هذهِ هي كلُّّ وظيفتِك يا بيورن، يا حاملَ رسائلِ سولهم كلِّها؟ ثمّ تضيفُ ضاحكةً، هلْ بمجردِ غيابي عن البلاد، نسيني جميعُ قرائي، ولمْ أحظَ إلا بهذهِ الرسالةِ الوحيدة؟
–  إنّها الرسالةُ الأهمُ في بريدِك خلالَ ثلاثةِ شهورٍ من السفرِ والتجوالِ في أفريقيا، يقول لارش ضاحكًا.
–  ولديك معي جبلٌ من الرسائلِ لا يتسعُ صندوقُ بريدِكِ لها، يقولُ بيورن ضاحكًا، سأجلبُها لكِ على أيّةِ حال، وستحتاجينَ أنتِ وأنّا-ليل، ليسَ أقلَ من ثلاثةِ شهورٍ لقراءتِها والردِّ عليها.
–  ربّما سنحتاجُ أنّا-ليل وأنا إلى مساعدةِ الأصدقاء، تقولُ إيلفا. أنتَ ولارش وفيليبا في قراءةِ الرسائلِ والردِّ عليها، لنختصرَ الأشهرَ الثلاثةَ إلى أسابيعَ ثلاثة، تقولُ إيلفا وتشيرُ لسكرتيرتِها أنْ تفتحَ البوابةَ الصغيرةَ المُفضيةَ إلى حديقةِ المنزل.
–  تفضلوا جميعًا، تقولُ إيلفا وهي تدعوهم إلى الدخول. ثمّ تواصلُ كلامَها وهي تنظرُ في وجهِ سكرتيرتِها. لنرَ إنْ كانتْ لدينا قهوة.
تهزّ أنا-ليل رأسَها مؤكدةً وهي تفتحُ البوابةَ الصغيرة.
يدخلُ الجميعُ ويسبقُهم بيورن إلى المطبخ.
–  أنا مَن سيغلي القهوة، ينادي بيورن وهو في طريقهِ مباشرةً إلى المطبخ.
–  انتظرْ، يقولُ رئيسُ الشرطةِ ضاحكًا ويُمسُك بيدِ يوناس ويلحقُ بهِ إلى المطبخ. أنا مَن سيغلي قهوةَ السيداتِ الثلاث، إيلفا وأنّا-ليل والعزيزةِ فيليبا. يكفيكَ عملُكَ في جلبِ رسائلِها.
–  مسكينٌ بيورن، يقول. قلْ تلالاً من الرسائلِ بدلَ أنْ تقولَ رسائل. رسائل، تقولُها بكلِّ بساطة، وكأنني أضعُ مظروفينِ أو ثلاثةَ مظاريفَ في جيبي وأركضُ بها نحوَ بيتِ إيلفا.
–  آه، يا بيورن، تنادي فيليبا من مكانِها، لا تحاولْ إرشاءَ إيلفا!
–  ولماذا أرشيها؟ يتساءلُ بيورن.
–  لكي تضعَكَ بطلاً في واحدةٍ من حكاياتِها، تقولُ آنّا-ليل.
–  أنتِ أيضًا يا فيليبا؟ مسكينٌ بيورن! يقولُ بيورن.
–  مسكينٌ بيورن، ينادي لارش بلومبيرغ وهو  يصبُّ القهوةَ في الأكوابِ ويسكبُ عصيرًا في قدحٍ للصغيرِ يوناس. يكفي أنّ بيورن موجودٌ في قلبِها، فهو ناقلُ ما تقولُهُ قلوبُ محبيها ومعجبيها في تلالِ رسائلِهم إليها. تــــــــــــــلالٌ من الرسائل. هل ارتحتَ يا صديقي؟
يناولُ العصيرَ ليوناس ويحملُ صينيةَ القهوةِ ويتجهُ حيثُ تجلسُ النساءُ الثلاث.

 


2
ما الذي يَشْغَلُ يوناس؟


على طاولةِ الصالةِ يضعُ لارش بلومبيرغ صينيةَ القهوةِ ومكعباتِ السكرِ الأبيضِ والأسمر، ثمّ يجلسُ على أحدِ الكراسي. عندَها تنهضُ فيليبا وهي تحملُ كيسًا من البلاستيك وتذهبُ إلى المطبح. يتبعُها يوناس. يُمسكُ بيدِها ويهمسُ إليها بشيءٍ ما.
–  طيّب إذهب، يُسمعُ صوتُ فيليبا وضحكتُها المجلجلةُ معًا. لكنْ لا تتأخرْ كثيرًا! تضيفُ محذّرةً. أنتَ تعرفُ متى تعودُ بالضبط.
يخرجُ يوناس راكضًا من المطبخِ إلى الصالة. يضعُ قدحَ العصيرِ أمامَ أبيهِ على الطاوله. وبنفسِ الطريقةِ يُسرعُ في الخروجِ راكضًا من البيتِ وهو يلّوحُ بيدِهِ مودعًا.
يغرقُ الجميعُ بالضحك.
تعودُ فيليبا بطبقٍ من الكعكِ وإناءٍ من قشدةِ القهوة. وتضعُهما على طاولةِ الصالة.
–  ما الذي يَشغلُ يوناس؟ تسألُ إيلفا. لماذا هو مستعجلٌ هكذا؟
–  أنا أعرف... يقولُ بيورن، ثمّ يتوقفُ فجأةً عن الكلامِ بنظرةِ تحذيرٍ من لارش.
–  إنّهُ منهمكٌ وأصدقائِهِ في أمرٍ ما، يقولُ لارش بلومبيرغ.
–  ما الذي يشغلُهُ هكذا؟ تتساءلُ إيلفا. كانَ يركضُ وكأنّهُ في سباق.
–  إنّهُ فعلاً في سباق، يقولُ بيورن.
يحدّقُ لارش مجددًا في عيني بيورن.
تلاحظُ إيلفا هذا.
–  ما الأمر؟ تقولُ مندهشةً. منذُ وصولي وأنا أرى أنّ المدينةَ كلّها في سباقٍ حقيقيٍّ كبير.
–  إنّهُ أمرٌ ما يخصّ المدرسة، تقولُ أنا-ليل.
–  لا، ليسَ المدرسةَ فقط، تقولُ إيلفا. المدينةُ كلُّها منهمكةٌ في أمرٍ ما. تتذكّرُ شيئًا ها. صحيح، تواصلُ حديثَها. ما هذا الذي رأيتُهُ عندَ مدخلِ المدينة؟ صورةٌ كبيرةٌ لي، وعباراتُ ترحيبٍ وأعلامُ البلديةِ والعلمُ السويدي... ما الأمر؟
–  إنّهُ... يقولُ بيورن.
–  إنّهُ مجردُ، يقطعُ لارش الحديث، مجردُ أنّ سكانَ سولهم يريدونَ أنْ يرحبوا بكِ يا إيلفا. هلْ نسيتِ أنّكِ قد غبتِ عن المدينةِ ثلاثةَ شهورٍ متواصلة.
–  نعمْ، طيّب، تقولُ إيلفا. أردتُ فقطْ أنْ أسألَ يوناس عن صديقِهِ فيكنغ.
–  فيكنغ الغاضب؟ تقولُ السكرتيرةُ ضاحكةً.
–  أما يزالُ غاضبًا؟ تتساءلُ إيلفا.
–  طبعًا، تقولُ فيليبا. إنّهُ يريدُ حكايةً خاليهً تمامًا من عباراتِ الأوامرِ والنواهي، ومن كلماتٍ مثلِ ممنوع، مستحيل، قطعًا لا، غير ممكن بتاتًا.
–  لقد أربكنى في لقاءِ العامِ الماضي في المدرسة، تقولُ إيلفا. إنّكم تتذكرونَ جيدًا، حينَ احتفلتِ المدرسةُ بعيدِ ميلادي الخمسين وولادةِ حفيدي الأول. أربكني ذلكَ الفيكنغ الغضوبُ حينَ وجّهَ إلي سؤالاً مباشرًا بعدَ أنْ قدموهُ لي على أساسِ أنّهُ كان أحدثَ وأصغرَ قارئٍ لي. حينَها قالَ لي: لماذا حكاياتُكِ مليئةٌ بكلماتٍ وعباراتٍ مثل، ممنوع، مستحيل، أبدًا في حياتي، نهائيًا، قطعًا، وإنّهُ يكرهُ الكلمةَ الأخيرةَ بالذات. حاولتُ أنْ أتحاشى توضيحَ هذا الأمر، لأنّ ذلكَ سيستغرقُ وقتًا طويلاً وتفاصيلَ كثيرة. سألتُه: لماذا تكرهُ عبارةَ قطعًا لا؟ قال لأننّي أينما أذهبُ أجدُها أمامي؟ هذا ما قالَهُ وأضاف. في البيت، أسألُ أمّي أنْ تسمحَ لي بالذهابِ إلى الغابة. تقولُ قطعًا لا. طيب أريدُ أنْ أخرجَ وألعبَ في الساحة، فتردُ قطعًا لا، ليسَ قبلَ أنْ تحلَّ واجباتِكَ المدرسيةَ كلّها. أريدُ أنْ أشتريَ بعضَ الحلوى، قطعًا لا، تقولُ أيضًا وتضيف، يُمكنُكَ أنْ تشتريَ الحلوى في أيامِ السبتِ فقط. عليكَ أنْ تحافظَ على أسنانِك. في المدرسةِ يعزفونَ مجددًا نفسَ النغمةِ الموسيقية. الحلوى؟ قطعًا لا. أنْ يأتيَ الواحدُ منّا متأخرًا؟ قطعًا لا. لكثرةِ ما سمعتُ عبارةَ (قطعًا لا) صرتُ أعتقدُ أنّ اسمي هو (قطعًا لا) بدلَ فيكنغ. حتى رئيسُ الشرطةِ يقولُ أيضًا أنّهُ لا يسمحُ قطعًا للناسِ وخصوصًا الأطفال، أنْ يقودوا درّاجاتِهم الهوائيةَ أو يلعبوا هوكي الجليدِ أو يتزحلقوا دونَ أنْ يضعوا الخوذةَ الواقيةَ على رؤوسِهم.
يقهقهُ لارش سعيدًا.
–  حتى أنا ينتقدُني؟
–  بالطبع إنّهُ غيرُ راضٍ على أحد، تقولُ أنا-ليل.
–  أخيرًا، تواصلُ إيلفا الكلام، سألني فيكنغ، من أينَ أشتري (قطعًا لا) هذه، وكمْ كيسًا أشتري في اليومِ الواحد؟ ثمّ يقولُ غاضبًا، ألا تنفدُ هذهِ الـ (قطعًا لا)؟
يغصّونُ جميعًا في الضحك.
–  ألا تعرفينَ يا إيلفا ماذا كانَ يقولُ عنكِ موخرًا؟ يقولُ بيورن فجأةً.
فجأةً يحدّقُ لارش وفيليبا وأنّا-ليل ببيورن محذرين، وإيلفا تفتحُ فمَها مندهشةً:
–  ماذا يقول؟ تتسائلُ بابتسامةٍ فاترة.
ينتبهُ بيورن إلى أنّهُ تسرّعَ في الكلام.
–  لا شيءَ مهم، يقولُ بيورن. إنّ فيكنغ يقولُ ما يُجيبُ على سؤالِهِ إياك في العامِ الماضي.
–  لا يا بيورن. ما يقولُهُ الناسُ وخصوصًا الأطفالَ منهم، مهمٌ جدّا بالنسبةِ لي. أنا أكتبُ لهم هم بالذات. تقولُ إيلفا. بعدَ ذلكَ تسأل، أيُّ سؤالٍ ذاك؟ لقدْ وجّهَ لي وقتَها العديدَ من الأسئلة.
–  سؤالُهُ لكَ في العامِ الماضي، يقول. من أينَ تشترينَ (قطعًا لا) هذه؟
–  وماذا يقول؟ تسأل.
–  إنّهُ يقول، يبادرُ بيورن ببطءٍ وكأنّهُ يتذكر. يقولُ فيكنغ إنّكِ تشترينَها من دكانِ الحكايات.
–  دكانُ الحكايات؟! يا لَها من فكرةٍ رائعة، تقولُ إيلفا وهي تشهقُ إعجابًا. وماذا يقولُ أيضًا.
–  يقولُ أيضًا، يواصلُ بيورن حديثَه...
فجأةً ينهضُ لارش بلومبيرغ قائلاً:
–  يجبُ أنْ نذهبَ الآن. علينا أنْ نذهب.
تنهضُ فيليبا.
ترفعُ إيلفا يدَها.
–  لا، يا لارش. ليسَ قبلَ أنْ يقولَ بيورن.
–  طيّب، قلْ لها يا بيورن.
–  حينَ سألتْ المعلمةُ نورا في الفصل، كيفَ تكتبُ إيلفا هولم حكاياتِها؟ أجابَ فيكنغ. إنّها تكتبُ أسماءَ الناسَ الذينَ يشتغلونَ داخلَ الحكايةِ على الأوراقِ التي تضعُها على طاولهِ الكتابة. بعدَ ذلكَ تخرجُ من بيتِها تاركةً الأوراقَ على وضعِها هناك، وتذهبُ إلى دكانِ الحكايات. ومن هناكَ تشتري، يُخرجُ بيورن من جيبِ قميصِهِ قائمةً طويلةً ويستعدُ لقراءتِها، لقد نقلتُ عنهُ ما تشترين، ثمّ يقرأ:

نصفُ كيسٍ من الكلمةِ (يستطيع).
نصفُ كيسٍ من الكلمةِ (يحصل).
حفنةٌ صغيرةٌ من الكلمةِ (نعم).
قليلاً من الكلمات (في الحقيقة، تمامًا، أعتقدُ، أحيانًا، نادرًا ما).
أما كلمةُ (لا) فتشتري منها عشرةَ أكياسٍ كبيرةٍ ومليئةٍ حتى الحافة. ومثلُها كلمةُ (مستحيل). وأخيرًا تسألُ البائعَ ماذا لديهِ من عبارةِ (قطعًا لا). فيقولُ لها مثلآً لدي عشرونَ كيسًا كبيرًا منها أو خمسون. فتقولُ لهُ على الفور، هاتِها كلَّها. وربّما تحجزُ كميةً أخرى لحكايتِها القادمة.
تنفجرُ إيلفا ضاحكةً.
–  اسمعي بقيةَ الحكاية، إيلفا. يقولُ بيورن مستمتعًا.
–  هلْ هناكَ بقيةٌ أيضًا؟ تسألُ إيلفا.
–  بالطبعِ هناكَ بقية. يقولُ مواصلاً كلامَه. يقولُ فيكنغ، بعدَ ذلكَ تعودُ إيلفا إلى البيتِ وتُفرغُ الأكياسَ كلَّها وتنثرُها فوقَ الورقِ وتخلطُها جيدًا مع الأسماء. فتصبحُ رواية.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  جاسم الولائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni