... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
بلال عبد الله ظاهرة شاذة في طب العراق

د.جواد الديوان

تاريخ النشر       09/08/2007 06:00 AM


يستعرض البعض سيرة الاطباء الاوائل مثل هاشم الوتري والانجليزي سندرسن باشا وانجازاتهم في تخفيف معاناة البشر ومكافحة المرض بعد ان تكررت مشاركة اطباء في اعمال ارهابية (كركوك ولندن)، ونستعرض سيرة اساتذتنا مثل الاستاذ الدكتور مصطفى رجب النعمة (عميد كلية الطب- البصرة في السبعينات) والاستاذ الدكتور مصطفى الخضار رحمهما الله وقد فصل النظام السابق الدكتور الخضار (1978) لانه رفض مجاراته ليتخرج طالب تكرر رسوبه في مفاصل مهمة من كلية الطب/ البصرة (تم اعادته مرة للكلية بقرار خاص من مجلس قيادة الثورة المنحل) واحتل منصبا سياسيا (وجدته قبلي في الكلية بسنتين وتخرج بعدي بسنتين!) وجاء في قرار الفصل عدم الكفاءة، وعندما حاول العودة الى وزارة الصحة كان هامش د. رياض الحاج حسين (قتله صدام بفضيحة عقار البوتاسيوم في بداية الحرب العراقية الايرانية) اذا كان غير صالح للعمل في التعليم العالي فمن يضمن انه يصلح للعمل في وزارة الصحة!. وكان معظم الطلبة يسعى لحضور محاضراته حتى بعد اجتياز المرحلة، بل كان يجهد في فترات الراحة (12 – 1 ظهرا) لتنظيم جلسات المناقشة لكل فروع الكلية (الباطنية والجراحة ونادي المجلات واجتماع لمناقشة تقارير الوفيات وغيرها) ونستمع فيها لمختلف وجهات النظر من الاساتذة وكيف كلٌ يعرض الاسباب معززة بالنظريات ليؤكد ان وجهة نظره هي الاصح وتتكامل امام الطلبة العلوم الاساسية للطب (التشريح والانسجة والكيمياء الحيوية والفسلجة وعلم الامراض وعلم الادوية) مع العلوم السريرية، ويبرز بعدها راي استاذ علم الامراض (العدناني وقد غادر بعد مضايقات لانه لم يوافق على ارسال توصية باحد الفاشلين) ليكون الفصل في المناقشة، ويشهد الطلبة فيها مرونة اساتذتهم في تقبل النقاش العلمي. وبالتاكيد يحضر القلة من الطلبة من مختلف المراحل حيث لم تكن من الدروس المقررة، الا انه التزم بذلك، ولم يلتزم معظم الاساتذة نتلك النشاطات (اختفت مثل هذه المناقشات والنشاطات من كل كليات الطب في العراق الان!). وبذل في تلك الايام استاذ الامراض العقلية (د. فاضل تلو) لنشعر باهميتها رغم كل ما واجهه من اشكاليات، فلم نكن لنستوعبها، بل لم يحرص العديد منا على متابعتها. ولابد من ذكر اسماء الاساتذة حكمت عبد الرسول وفائق الالوسي وأميرة شبر وأحمد الخفاجي وغيرهم ممن اسهموا في ذلك البناء، وكان هذا في السبعينات من القرن الماضي.

اختفت من كليات الطب في العراق مانسميه tutorials و Demonstrations و Seminars وضاعت فرص كبيرة على الطلبة، حيث ان فحوى هذه الدروس المناقشات ويلعب الطالب فيها دورا كبيرا. فان صادف وحضر الطبيب بعد التخرج ورشة عمل workshop تنظمها اليونسيف او منظمة الصحة العالمية فيستغرب ذلك واليات الوصول للنتائج من مشاركة الكل. ولا يعترف اساتذة الطب حاليا بتلك الادوار ومرة اعترض احدهم على عنوان ورشة عمل ضمن مؤتمر لدراسة خمج المستشفيات.

ومع ذكرى الوتري تبرز قصيدة الجواهري في تكريمه (نال الشهادة الانجليزية فخريا!) لتعرض اشكالية العلاقة مع الانجليز بقوله:

اعطتكها كف تضم نقائضا

تعيا العقول بحلها وغرائبا

مدت لرفع الافضلين مكانة

وهوت لصفع الاعدلين مطالبا

وهذه مشكلة لا نزال نعاني منها في الولاء للشهادة الانجليزية وتتعداها لتكون اشكالية وجود القوات في العراق ومصالح الولايات المتحدة الامريكية في لغط الساسة ورجال الاحزاب العراقية في شرح ابعاد علاقاتهم مع الولايات المتحدة الامريكية والاشارة اليها بدولة الاحتلال. وصعب على رجال العراق الوطنيين في وقتها تفهم التعامل مع الانجليز، ووصم رجالات الدولة وقتها بالعمالة! وندم الكثير ممن لم يستوعب تلك العلاقة.

تغيرت كليات الطب كثيرا في العراق، واصبحت مثل المدارس الاعدادية! وهناك من يجتاز مرحلة دون حضور المختبرات! وفيها يتعلم الطالب دقة القياسات والتعامل مع الوحدات وطرق القياس والصبر لانجاز التجربة، ومناقشة العوامل التي تؤثر في النتائج، والتعامل مع الوظيفة النسيجية او الخلوية وما الى ذلك، وفيها يتسع الخيال ليتصور الطالب المكونات وطرق التعبير عن ذلك بالرسم او الوصف وغيرها. واهمل الكل الكليات في ظروف الارهاب وقتل الاستاذة وتهديدهم وتهجيرهم، فلم يتسع الوقت للبقاء في الكلية ولا اهمية بقت للمادة والعلم والمختبر والتدريب والمناقشة، والخوف من تهور طلبة هذا الزمان بل بعضهم يهدد فعلا (يذكر سندرسن باشا مقتل عميد كلية الحقوق اثر رسوب طالب، وفي البصرة اغتال احدهم رئيس جامعة البصرة في بدايات السبعينات بعد اعلان النتائج).

الشروط التي وضعها النظام السابق للقبول في الدراسات العليا قتلت التنافس العلمي، فقد تقدم التنافس السياسي على العلمي (المعلومات المطلوبة من طالب الدراسات العليا تتضمن اسماء الاشقاء والشقيقات ومهنهم واتجاهاتهم السياسية وسفرهم للخارج ثم الاعمام والاخوال وازواج الاشقاء والشقيقات وازواج الاعمام والاخوال وابناء العمومة وابناء الخوال بل وحتى المتوفين منهم دون مبالغة بذلك. وتعددت المستمسكات لتشمل الرعوية (اثبات التبعية العثمانية). وانسحب ذلك التنافس السياسي في القبول في الدراسات العليا على التنافس العلمي للحصول على الالقاب العلمية لكادر الكليات، حيث من متطلباتها نشر البحوث العملية في المجلات العلمية للكليات. فاصبحت المجلات العلمية لبعض الكليات موسمية تصدر من اجل الترقية العلمية للبعض، ولا زالت الى الان لا تفرق كليات الطب في العراق بل وزارة التعليم العالي بين من ينشر البحوث العلمية داخل وخارج العراق وله مساهمات في المؤتمرات والندوات وبين الاستاذ التقليدي يقضي سنواته بترديد مادته! دون اضافات للعلم عن طريق البحث والنشر وهو ما يدفع لمتابعة المصادر العلمية وما يصدر من جديد عبر المؤتمرات. ويقول استاذ بانه حصل على ترقياته وقت تمتعه بمنصب العميد لكي يحضى بدعم المقيمين لبحوثه بكونها اصيلة ومبتكرة!.

اثرت السياسة سلبا على كليات الطب فضاعت عندها الاخلاق الطبية medical ethics (من المواد المهملة في كليات الطب وتم اهمالها لاحقا في كليات الطب في العراق). وشارك اطباء او طلبة كليات الطب ابان احداث 1963 لمجرد المتعة في تعذيب بعض طلبة واساتذة كلية الطب (يروي ذلك بالتفصيل من تعرض لهذه المواقف واصبح من اساتذة كليات الطب مؤخرا كما اشار اليها علاء بشير بكتابه). لقد شارك استاذ في كلية طب البصرة في ملاحقة عددا من اطباء البصرة وطلابها حتى في اماكن عملهم. ما اردت ان اقوله ان النظام السابق استطاع تجنيد اطباء وطلبة طب للعمل شرطة امن او مخبريين سريين بل وضباط مخابرات وبالتاكيد هناك فرق بين اعداد الطبيب واعداد رجال المهن الامنية الاخرى. ولم تكن الاهوال في الحرب العراقية – الايرانية تقارن بمحاولة امر وحدة ميدان طبية اعدام طبيب، وقد شد وثاقه على عمود لولا تدخل القدر.!

لقد شهدت كليات الطب شعوذة خاصة مثل عقار بكرين وصدامين من قبل استاذ في كلية العلوم (الكيمياء) –جامعة البصرة لمعالجة السرطان وقدمها اعلام النظام بشكل اخر، ومثال اخر، طبيب عسكري متقاعد (ترشح الى مجلس النواب في الدورة الاخيرة) يدعي معالجة الفيروسات والسرطان بعقار لا يعلن عن تركيبه واسمه، وكأن البحث العلمي طريق سهل بلا مؤتمرات ونشر بحوث ومناقشات متواصلة حول تصميم الدراسة والبحث ومناقشة الطريقة والنتائج وغيرها (ترقى احدهم ببحوث اشار فيها لدور فكر القيادة في العمل العلمي لكليات الطب ومنشورة في مجلة كلية طب). وقد ارسل النظام السابق طبيبا حديث التخرج الى الولايات المتحدة لدراسة بحوث السرطان، ونشر بحوث في مجلات طبية عالمية مرموقة تبين بعدها انه سرقها من مكتب استاذه (يتم ارسال البحوث لذلك الاستاذ لتقييم وبدون اسم او البلد لكي لا تؤثر معرفة كاتب البحث على التقييم) وحصل على حكم قاسي ليبقى في السجن هناك!. ولا زال دور السياسة يتعاظم في كليات الطب، فتملق البعض قوى السياسة، حيث تهمل الانظمة وخاصة تعليمات الترقيات العلمية الانجازات العلمية للاساتذة وبحوثهم المنشورة ونشاطهم العلمي، وعندما اشترطت التعليمات في الاستاذية المقيم الخارجي كان هناك من ينقل البحوث بيده مع الدولارات الى دول الجوار للحصول على التقييم للبحث ثم الترقية!. ان فترة الحروب العبثية وتحديد المنافسة في الجامعات بالنشاطات السياسية حددت من حصل على لقب استاذ ومن تعززت مواقعه في الجامعة ومن اثر في صياغة التعليمات وتتكرر الشكوى من نوعية الشهادات في البرامج التلفزيونية الحوارية.

ان الاجواء المشار اليها لن توفر مثلا اعلى ليقلده او يحاكيه الطلبة ابدا، فيتاثر بعضهم بالشيوخ! اصحاب نظريات العنف والتفسير الشخصي للنصوص المقدسة ولا تعطي معنى للحياة والانجاز بل للموت والتمتع به.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.جواد الديوان


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni