... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قضايا

   
البحث عن نصف الحقيقة: الصحفيون الأجانب كانوا محتجزين في الفنادق مع (هداياهم)

مصطفى حبيب

تاريخ النشر       06/04/2012 06:00 AM


في حافلة مكيّفة حديثة الطراز أقلّت وفدا صحفيا قادما من مطار بغداد عشية القمة، دارت أحاديث بين أبناء المهنة بلهجاتهم العربية المختلفة.  "كنت أتصور اننا متجهين الى ساحة حرب"، قال أحد الصحفيين الجزائريين مذهولا من التنظيم والهدوء الذي بدت عليه بغداد للوهلة الأولى، فرد عليه آخر بأن بغداد تغيرت كثيرا، وبأنها اكثر أمانا بما لا يقاس.
بالنسبة لمعظمهم، كان مجرّد التفكير في المرور بطريق المطار المعد لاستقبالهم يعني قبل أربع أو خمس سنوات "كابوساً مرعبا" على حد تعبير عبد الله الحاج من جريدة الأهرام المصرية.
فالطريق الوحيد الذي يربط مركز العاصمة بمطارها بمسافة عشرة كيلومتر كان يسمى "طريق الموت" بفضل العبوات الناسفة المزروعة على جنباته، والسيارات المفخخة التي تستهدف ارتال القوات الاميركية ومواكب المسؤولين اثناء سفرهم وعودتهم.  لذا، كان أول رد فعل للحاج أن أرسل لزوجته رسالة نصية يقول فيها "أنا بخير".
وبينما كانوا يستثمرون اللحظات الثمينة في التقاط الصور من خلف النوافذ، والحافلة تتابع سيرها نحو الأحياء السكنية، تنبّه الحاج إلى خلو الطرقات من السيارات المدنية والمارة وتسائل بلهجته المصرية المحببّة: "هوه مفيش شعب عندكم؟".
ساعة وصول هذا الوفد، لم يعرف أي منهم أن الحكومة فرضت حظر تجوال غير معلن على أهالي العاصمة مدته عشر أيام، وأن طرقات بغداد الرئيسية مقطوعة وأسواقها مغلقة وهواتفها الجوالة خارجة عن الخدمة. كل ذلك بغرض "إنجاح المؤتمر" كما صرح المسؤولون لاحقا.
خطة حماية القمة العربية التي دفعت رئيس الحكومة نوري المالكي الى تقديم اعتذار الى اهالي بغداد بسببها قضت بإقفال الشوارع الرئيسية القريبة من الفنادق المؤدية إلى المنطقة الخضراء، أي شوارع المطار وأم الطبول والزوراء والسعدون وأبو نواس والنضال وكرادة مريم وجسور الجمهورية والسنك وطريق القادسية والحارثية.
الصحفيون فوجئوا أيضا عندما أعلمهم مرافقهم وهو صحفي عراقي، بأن الحكومة صرفت ملايين الدولارات في تأهيل وترميم عدد من الطرق المحددة مسبقا كي تكون الوحيدة التي يمكن أن يسلكونها.
الحاج الذي بدا سعيدا بوصوله الآمن، سرعان ما تغيرت انطباعاته مع الساعات القليلة اللاحقة. "كان يعتريني الامل ان تنظم الحكومة لنا جولة ميدانية في بغداد. أن نتحدث مع الناس ونسمع اليهم، لكننا على ما يبدو ممنوعين من الحركة".
على الرغم من عدم وجود قرار رسمي يمنع الصحفيين من مغادرة مقرات عملهم او إقامتهم، إلا ان الخطة الامنية التي فرضتها حكومة نوري المالكي جعلت أولئك مقيدي الحركة، مثلهم مثل سكان العاصمة.
"من المستحيل ان تعثر على سيارة أجرة أو سيارة مدنية تقلك إلى حيث تريد" يقول الصحافي أحمد فرغلي من جريدة "الأيام" البحرينية في حديث إلى "نقاش".
فرغلي الذي يزور بغداد للمرة الاولى كان متفائلا أيضا بأن يجوب شوارع العاصمة واسواقها التاريخية لكتابة تقارير والتقاط بعض الصور، لا أن يقتصر عمله على نقل أخبار القمة، لكن "رئيس الوفد الصحفي الذي جئنا معه طلب منا عدم الخروج من الفندق"، يقول، "ولربما كانت هذه رغبة السلطات العراقية لحمايتنا".
الصحفيون المحليون كانوا  مصدر المعلومات الوحيد لزملائهم في معرفة احوال واهوال سكان بغداد السبعة ملايين ونصف المليون نسمة. فالصداقة التي جمعت الطرفين على مدى أيام القمة الثلاث جعلت العديد من الزائرين يستخدمون عناوين الاتصال الخاصة بالعراقيين لإجراء مقابلات على الهاتف. "لولا ذلك، لكان من الصعب ان نخرج بتغطية فريدة"، يقول الفرغلي.
في المقابل، كانت حفاوة الاستقبال التي لقيها الإعلاميون لافته له وزملائه. فافضل فنادق العاصمة كالشيراتون وفلسطين وبغداد وبابل والرشيد جرى تاهيلها وترميمها خصيصا لإقامتهم، فيما استعانت الحكومة بكوادر إطعام وخدمات وتنظيف أجنبية لضمان أفضل مستوى من الراحة.
فضلا عن التجهيزات الفندقية وموائد الطعام، كانت "هدايا" بانتظار الوفود الإعلامية داخل غرفهم: بدلة الرسمية وشريحة هاتف نقال مع موبايل وحقيبة مع تجهيزات مكتبية.
تركيا التي لم تُدع كضيف شرف لحضور المحفل الإقليمي كما جرى في مؤتمرات سابقة كانت حاضرة بشكل غير رسمي عبر شركاتها التي نظمت عملياً كل شيء بدءً من  إعمار الفنادق والشوارع ومقار القمة وليس انتهاءً بالادوات المكتبية والزهور.
بل إن الصحفيين العرب لاقوا صعوبة في التعامل مع نادلي الفنادق، اذ فوجئو بأن العاملين يتحدثون اللغة التركية والانكليزية دون العربية. وعلق أحد الصحفيين من الكويت ساخرا: "ترى هل نحن في اسطنبول أم في بغداد".
وعلى عكس التحضيرات الفخمة للصحفيين الضيوف من الاقامة والحماية الأمنية فان تحضيرات قاعات الاعلاميين وخدمات الانترنيت لم تكن بنفس المستوى على حد شكوى بعضهم.
يقول مبارك احمد الذي يعمل لصالح تلفزيون "الكويت" ان "الجانب الإعلامي من ناحية التجهيزات الفنية والقاعة الموجودة كان ابرز ثغرات قمة بغداد، فالقاعة لم تتسع الصحفيين الموجودين لتغطية الاجتماعات". ويضيف "لم يتح لنا الوصول إلى مصادر المعلومات من المسؤولين اذ حجبوها عن الصحفيين إلا نادرا".
وبحسب اللجنة الإعلامية لقمة بغداد، فإن ما يزيد على ألف صحفي عربي واجنبي ومحلي شاركو في تغطية اعمال القمة العربية.  وأقرت اللجنة على لسان أحد أعضائها تحسين الشيخلي  بوجود "بعض الثغرات"،  لكنه عزاها في اتصال مع "نقاش" إلى العدد الكبير من الصحفيين الزوار.
الإعلاميون العرب والاجانب كانوا محظوظين إذا ما قورنوا بزملائهم العراقيين الذين واجهوا عراقيل شتى بدأت قبل أسابيع من انعقاد القمة.
معايير المنظمين في منح هويات صحفية للمشاركة كانت غير واضحة ومحل انتقاد الأوساط الإعلامية. فالعشرات من العاملين في صحف مستقلة قدموا طلبات للتغطية قبل أسابيع جوبهت بالإهمال أو الرفض.
ويقول الصحفي في جريدة "ديوانية الغد" منتصر الطائي لـ "نقاش" انه لم يتسلم الهوية الخاصة التي تمنحه صلاحية دخول اماكن انعقاد الاجتماعات رغم انه قدم الطلب الخاص بذلك من خلال الموقع الرسمي للقمة في بغداد، وهو موقع أنشأته الحكومة قبل اسابيع للتحضير الاعلامي. ويعزو الطائي تجاهل طلبه إلى "استياء الحكومة من الإعلام المستقل وتفضيلها الإعلام التابع لها".
عاملو قناة "العراقية" التي بثت نقلا مباشرا لأعمال القمة كانوا الأكثر حظوة لدى المنظمين بحسب الطائي. فالقناة التابعة للبرلمان والمسيطر عليها فعليا من قبل الحكومة أنتجت برامج تشيد بالزعماء العرب وبثت أغاني وطنية تم إعدادها خصيصا، وعرضت برامج تحليلية لساعات طويلة يوميا تشيد بانجازت المالكي باستضافة الحدث البارز.
الميزات التي منحت لصحفيي "العراقية" وقنوات أخرى تابعة لاحزاب سياسية متنفذة مثل "افاق" المملوكة لحزب الدعوة، و"الفرات" المملوكة للمجلس الاعلى الاسلامي لم تمنح لاقرانهم الذين يعملون في قنوات او صحف غير حكومية او حزبية.
مدير "مرصد الحريات الصحفية" في العراق زياد العجيلي كان تحدث لـ "نقاش" عن تسلمه العشرات من الشكاوى من الصحفيين المحليين بسبب سوء معاملتهم اثناء اعمال قمة بغداد"، وقال ان "اوامر صدرت الى القوات الامنية بعدم التعاطي مع الصحفيين أو التجاوب معهم".
العجيلي أضاف ان "الحكومة الساعية إلى اظهار بغداد بمظهر حسن خسرت التاييد الشعبي وخسرت التغطية الصحفية للقمة بسبب اضطرار العشرات من الصحف المحلية الى الاحتجاب لصعوبة وصول الصحفيين وعمال المطابع الى اماكن عملهم".
صحف محلية مثل "البينة" و"الصباح الجديد" و"المستقبل" و"العدالة وغيرها اثرت قبل انعقاد القمة التوقف عن العمل حتى انتهاء أعمالها فيما تحدت صحف اخرى الوضع وواصلت العمل بتحديث مواقعها الالكترونية "كالمدى" و"طريق الشعب" وغيرها.
عن (نقاش)

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  مصطفى حبيب


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni