... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قضايا

   
السياسة تُعمي الأبصار وتشلّ الأفعال حيال كوارث البيئة

حيدر نجم

تاريخ النشر       08/06/2012 06:00 AM


كعادتهم المعهودّة، ينشغل أقطاب السياسة في العراق وكبار مسئوليه بخلافات جانبية وصراعات فئوية على مراكز السلطة والنفوذ، أكثر من انشغالهم بالواجبات التي كُلفوا بها عند تسنّمهم المناصب الرسمية والمهام الاعتبارية التي أُنيطت بهم على أساس كونهم قادة البلاد الجُدد.
عدم الاكتراث لقضايا تخص القطاع البيئي ومشاكله على سبيل المثال لا الحصر، سمة ميزت مواقف صُناع القرار، ما دفع أنصار البيئة بمناسبة يومها العالمي المصادف في الخامس من حزيران\يونيو، إلى توجيه انتقادات صوب المتقاعسين عن أداء واجباتهم من مسئولين وساسة.
أولى الانتقادات جاءت على لسان عادل فاخر، الصُحفي المهتم بتغطية شؤون البيئة والعلوم، الذي أبدى امتعاضه من عدم مبالاة أركان الدولة بهذا القطاع الذي يمس حياة المواطنين وصحتهم.
إذ قال عضو الاتحاد الدولي للإعلاميين العلميين، في حديث مع (نقاش)، إن "هؤلاء الزعماء العالقين في أوحال السياسة منذ سنوات طويلة لا يظهرون أدنى اهتمام للكوارث التي تحل على العراقيين البسطاء في مجالات أخرى".
فاخر الحائز على جوائز دولية نظير كتاباته الصُحفية، أكد إن "الإجراءات الحكومية محدودة جدا تجاه معالجة المخاطر البيئية"، منتقدا "عدم فتح مؤسسات الحكومة المجال أمام المنظمات الدولية في سبيل التعاون والحد من تلك المخاطر".
وهنا يستشهد بما تعرض له أعضاء فريق مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" من إجراءات أمنية مُعقدة أدت إلى اعتقالهم مرتين أثناء تصويرهم لفيلم وثائقي عن اهوار العراق، وفي نهاية المطاف قرروا إلغاء مهمتهم من أساسها ومغادرة البلاد.
المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية المعنية، أطلقت حملات تحذير جمة من المخاطر البيئية التي تعرضت لها البلاد وباتت تهدد سكانها بشكل يفوق تهديد أعمال العنف لحياتهم، لا سيما بعد إصابة عدد من السكان بأمراض وأوبئة مختلفة لم يسلم منها حتى الحيوان والنبات.
مشاكل البيئة العراقية عديدة ومتنوعة وتتمثل بـ(التصحر، الجفاف، التلوث الإشعاعي، تلوث الهواء، التلوث الصناعي، تلوث مياه الشرب، الألغام...الخ) جميعها مشاكل ليست وليدة اللحظة بل موروثة في غالبها، ولم تنفع محاولة الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد أو جهود المنظمات الدولية المعنية بالمحافظة على البيئة في معالجتها.
ورغم انشغالهم عنها إلا إن مشاكل البيئة أطلت برأسها عنوة على طاولة أقطاب الحكم، فهذه المشكلات التي اخذ بعضها بالتفاقم بدأت تزاحم في أهميتها الأزمات الأمنية والسياسية، سيما وإنها شملت جميع مكونات الحياة الإنسانية (الهواء والماء والتربة). كما ظهرت مشكلات أخرى على السطح مثل ظاهرة الهزات الأرضية التي ضربت مؤخرا عدد من مناطق البلاد من شماله إلى جنوبه، وهي ظواهر لم تكن تحدث في بلاد وادي الرافدين سابقا حتى إن مواطنيه لم يسمعوا عن حدوثها إلا في بلدان بعيدة.
الحديث المتواتر عن تردي الواقع البيئي في العراق، لا يقتصر على البحوث والتقارير الدولية وما يتداول على السنة الخبراء ووسائل الإعلام، بل التأكيدات عن سوء الحال هذا صدحت بها حناجر مسئولين وموظفين حكوميين على صلة بهذا القطاع الحيوي.
احد أولئك الذين يحذرون من تفاقم مشاكل البيئة في عموم البلاد، هو مصطفى حميد الناطق الرسمي باسم وزارة البيئة، الذي أجاب على سؤال وجهته إليه (نقاش) عن طبيعة الواقع البيئي الحالي، قائلا "ليس واقعا مثاليا". والسبب الرئيسي في ذلك بحسب رأيه يعود إلى "تراكمات الحقبة السابقة - فترة حكم صدام حسين - التي هي بحاجة إلى زمن طويل لمعالجتها".
المُتحدث الحكومي لم يستبعد تأثير الصراع السياسي الدائر في البلاد على الواقع البيئي، مؤكدا إن هذا الصراع "يؤثر على الدولة عموما.. ويلقي بظلاله على العمل المؤسساتي في قطاعات مهمة من بينها البيئة".
اهتمام صناع القرار بقضايا البيئة لا يتعدى في أفضل الأحوال إطلاق التصريحات الإعلامية التطمينية وغالبا ما تكون غير واقعية، إذ لم يتطرق احد منهم للهزات الأرضية المتوالية التي ضربت مناطق في مدن كركوك شمالي البلاد والعمارة في جنوبها، الشهر الماضي وتباينت درجات قوتها على مقياس ريختر.
ورغم الاجتماعات المتكررة لزعماء العراق والمتنفذين فيه التي تُعقد لغرض إيجاد الحلول للأزمات السياسية المتوالية، لكن لا احد منهم يتطرق في هذه الاجتماعات ولو على سبيل الإشارة إلى خطورة المشاكل البيئية القائمة والتحديات الكبيرة المحدقة بهذا الجانب، بل يرتكز حديثهم في كل مرة عن أمور تخص مصالحهم الحزبية والفئوية.
وهنا يقول النائب محمود عثمان وهو قياد كردي بارز واكب العملية السياسية منذ انطلاقتها في نيسان\ ابريل 2003، عن جفاء السياسيين لقطاعات الحياة الأخرى "لا احد يبالي بمثل هذه الأمور الكل مُنشغل حتى النخاع بالمعضلة السياسية".
"خلال حضوري لعدد من الاجتماعات السياسية وهي كثيرة بطبيعة الحال، لم أسمع أي زعيم أو رئيس كتلة أو مسئول تنفيذي تطرق إلى مشكلة بيئية أو مناخية أو أي شيء من هذا القبيل، بل معظم وقت تلك اللقاءات يخصص للبحث في النزاعات الداخلية"، عثمان في حديثه لـ(نقاش).
وفي هذه الأيام تشتد فصول الأزمة السياسية في العراق لتبلغ ذروتها في ظل تقارير تتحدث عن قرب الإطاحة برئيس الحكومة نوري المالكي، بعد أن كانت هذه الأزمة قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق منذ نشوبها قبل سبعة أشهر من الآن، على خلفية قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم بالإرهاب.
ورغم تداخل وارتباط السياسة بالبيئة التي "تتطلب بعض قضاياها قرارات عليا"، كما يقول وزير البيئة سركون صليوة، إلا إن الطامة الكبرى تكمُن في الخلافات السياسية المتكررة التي أبعدت أنظار القادة وصرفت اهتمامهم عن ما تعرضت له البلاد خلال العقد الأخير من كوارث طبيعية تتطلب جهودا حثيثة لمعالجتها وليس الاكتفاء بمتابعتها عن بُعد بينما هي تستفحل.
الأدهى من ذلك، هو أن هؤلاء الحكام غضوا أبصارهم وصموا أسماعهم عمدا أو سهوا عن التقارير والدراسات الموثقة بالأدلة القاطعة التي كُشف فيها عن نتائج كارثية لما تعانيه بلادهم من تلوث إشعاعي وبيئي ناجم عن العمليات العسكرية لحربي الخليج الأولى والثانية والتي استخدم فيهما أسلحة محظورة دوليا مثل اليورانيوم المخصب وقنابل الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية الحارقة، وهو ما استخدمته القوات الأميركية في معارك الفلوجة عام 2004.
ومن أكثر المشاكل البيئية المستفحلة خلال العشر سنوات الأخيرة، ظاهرة العواصف الترابية المضطردة في شدتها وعديدها وأمدها الزمني، سيما وإنها أخذت تضرب عموم مناطق البلاد عاما بعد آخر، بل شهرا بعد أخر.
هذه العواصف المزعجة والتي تتسبب بمقتل العشرات سنويا، ناجمة عن الجفاف الذي تعرضت له مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في محافظات نينوى وكربلاء وديالى، ما أدى لتحولها إلى مناطق صحراوية، فضلا عن المراعي والبساتين الخضراء التي تحولت هي الأخرى إلى أراض جرداء. كما إن تفاقم هذه الظاهرة يعود إلى أسباب مناخية تعاني منها دول المنطقة ككل.
ومن المواقف النادرة لجهة توقف مسؤول كبير مثل رئيس الوزراء نوري المالكي، عند مشكلة بيئية تعاني منها بلاده كأزمة نقص المياه، فإن تحذيراته من خطورة تزايد النتائج الوخيمة لهذه الأزمة التي تعاني منها دول المنطقة أيضا، تُشكل انطباعا جديدا يبدو أنه بات يترسخ تدريجيا في اهتمامات بعض قادة البلاد الجدد.
ومن الكوارث البيئية التي يعاني منها العراق، التراجع المطرد في موارده المائية الذي أدى إلى تقلص مساحاته الزراعية، وزيادة ملوحة مياهه ولاسيما في المناطق الوسطى والجنوبية، جراء عدم التزام الدول المتشاطئة (تركيا، سوريا، إيران) بإطلاق حصص كافية من مياه نهري دجلة والفرات، أو قطعها الروافد النهرية وتحويل مجراها قبل دخولها الأراضي العراقية، أو إقامة المزيد من السدود الكبيرة، وهو ما يهدد الأمن المائي العراقي بالخطر.
ومن المآخذ المسجلة على الزعماء والرسميون في العراق بهذا الجانب، هو تجاهلهم للمناطق المنكوبة بيئيا، إذ يكتفون بإصدار بيان تضامني مع المنكوبين أو إيفاد من ينوب عنهم للمناطق المتضررة في أحسن الأحوال. خلافا لما يقوم به نظرائهم في دول العالم.
فمثلا عندما ضرب زلزال بقوة خمسة درجات ريخترية جنوب ايطاليا قبل أيام، سارع رئيس وزرائها إلى زيارة المناطق المنكوبة، ونفس الحال تكرر مع الرئيس الأميركي باراك اوباما عندما ضرب إعصار كاترينا ولايات في اميركا سارع إلى زيارة المناطق المتضررة واستطلع ما لحق بتلك الولايات، وهذا ما لم يُقدم عليه قادة العراق في أمور مشابهة وقعت ببلادهم مؤخرا.
إذ لم يُكلف أقطاب الحكم الجديد أنفسهم زيارة المناطق التي تعرضت إلى هزات أرضية وصلت درجاتها الى مستوى مشابه لقوة زلزال ايطاليا الأخير، أو تلك التي تعاني من أثار بيئية متفاقمة كما هو الحال في مناطق الاهوار، لكن في نفس الوقت فإنهم لا يبخلون جهدا في القيام بجولات مكوكية بين بغداد واربيل والنجف لعقد اجتماعات سياسية ذو "صفقات مشبوهة".
الانتقادات الموجهة صوب المتنفذين لم يقتصر إطلاقها على أنصار البيئة المحليين، فالملاحظات السلبية سجلتها أيضا بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق ضد مسئولي هذا البلد، نتيجة عدم ايلائهم لأي اهتمام لجوانب أخرى غير السياسة تتعلق بحياة المواطنين.
وهو ما يتضح في البيانات الصُحفية والأحاديث الجانبية التي أدلى بها موظفي الوكالات والصناديق والبرامج الأممية المعنية بهذا القطاع إلى المسئولين المحليين في محافظات تعرضت أخيرا لنشاط زلزالي عندما زاروها مؤخرا.
ومع جملة الانتقادات تغيب علامات التفاؤل لجهة ايلاء أقطاب الحكم والمسئولين الرسميين اهتمامات اكبر بهذا القطاع، وهنا يختم الصحافي العلمي حديثه بالقول "لا توجد مؤشرات ايجابية تدعو الى التفاؤل طالما استمر الصراع السياسي"، مشيرا إلى أن إعلان المؤسسات الحكومية عن الاهتمام في هذا القطاع المهم "مجرد شعارات".
عن (نقاش)


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حيدر نجم


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni