... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
رسالة

كلنار صالح

تاريخ النشر       13/08/2007 06:00 AM


أمسكت بحزمة الأوراق ودستها بين طيّات الملابس قبل أن تتجه إلى الحمّام , حين فكرت إن تكتب له شعرت إن العالم يضيق من حولها وان البيت رغم قلة ساكنيه أصبح مزدحما بحيث لم يبقى فيه مكان تخلو فيه مع أوراقها دون رقيب .. الوقت يضيق ونظرات الآخرين تحاصرها.. هل يستطيعون قراءة أفكارها ومعرفة نواياها ؟! ,لم تلتق به منذ يومين .. الم يعد مهتما بها مثلما هي مهتمة أو ربما عاد إلى مدينته وعندها لن تعرف ابدآ حقيقة شعوره نحوها

فتحت صنبور الماء بقوة فراح الماء الساخن يتدفق فيرتفع منه بخار وضجيج يكفي لإيهام الآخرين أنها تغتسل بينما جلست على ارض الحمام الباردة تفتش عن كلمات تبدأ بها رسالتها.. كانت تريد كلمات مختلفة تقدم بها نفسها بشكل مختلف عن الشكل التقليدي الذي أحست انه يكرهه في النساء , لكن ماذا تكتب ليرى ثورة الأفكار وجنون الأحلام والأمنيات التي تختبئ خلف مظهرها البسيط العادي ؟ وأي العبارات اقرب إلى توضيح رغبتها بربط حياتها بإنسان ربما لا يخضع لمقاييس الآخرين ومختلف بعقله وأفكاره .. لكن ما الذي سيظنه بها ؟ أليس من الممكن أن يتصورها وقحة جريئة مبتذلة ؟ أذا كيف لها إن تكتب بعبارات عادية كلام لشخص غير عادي وكيف تستطيع أن ترسم صورتها الحقيقية بدون زيادة أو نقصان مبتذل ؟

الوقت يمر بينما تزداد حرارة الحمّام بفعل البخار المتصاعد من الماء الساخن وقلة الأوكسجين وقلقها يبخر الكلمات من رأسها ..تكتب وتشطب ولم تصل حتى للعبارة التي تخاطبه بها في مقدمة الرسالة , شعرت بالضيق من ارتفاع الحرارة وبدوار فأسندت رأسها إلى الجدار لتفكر أو تستنشق بعض الهواء .. أغلقت عينيها قليلا .. وفجأة بدأت الأفكار والكلمات تنساب في رأسها بينما راحت يدها تسرع فوق الأوراق محاولة أن تسجل الكلمات..

كانت تتوقع إن يرد على رسالتها في اليوم التالي, ربما لن تكون غير رسالة شكر وعبارات مجاملة تشبه عبارات رسالتها , لكنها بالتأكيد ستفتح بابا للحوار يكسر حاجز الصمت بينهما

فتحت الرسالة بيد مرتجفة, لم يخطر ببالها إن تتلقى ذلك السيل الجارف من عبارات الحب والإعجاب لدرجة أذهلتها وجعلتها تتساءل هل إن ما كتب كان لها أم لأخرى لا تعرفها ؟!

( لكثرة ما ردد على مسامعك من انك فاشلة ربما تكونين قد صدقت ذلك أو ادعيت التصديق حتى لا تتعبك محاولات النجاح في حين إن أحلامك وتطلعاتك, تنادي أعماقك إن ثوري ومزقي لافتات الفشل التي علقوها على جدران حياتك )

لقد صوّرها امرأة غادرت مضارب القبيلة وتحدت سيوف رجالها لتستقر بين يديه زهرة برية تروي جفاف أيامه وعطش روحه إلى حب حقيقي نقي

لقد راءاها كما تحب..وأحب كل صفاتها التي يعتبرها الآخرين ضربا من الجنون والشذوذ والأوهام

الرسائل تمر كما الأيام تعزف سيمفونية القلوب.. لكن رسائله كانت الأروع .. لم يكن رجلا عاديا يرضى بمجرد امرأة جميلة تهز رأسها موافقة على كل ما يقول.. ولهذا رأى جمالها في ثورة روحها واعتراضها على نموذج المرأة الخانعة الخاضعة حتى وان كان هذا الاعتراض مجرد حلم لا تجرؤ إن تجهر به إمام الآخرين..

هو رجل مختلف بلا شك لكن إن تكتشف انه ثوري حد الجنون, يريدها امرأة قوية شجاعة تمتلك الثقة لتجهر بما في نفسها بلا وجل, قد يبدو فوق كل تصوراتها وأحلام يقظتها وحتى قدرتها الحقيقية على فعل ذلك.. لكنها لم تكن لتفكر بحجم شجاعتها إمام مشاعرها التي تتجاهل الخوف

لماذا يجب أن تكون دائما موضع اختبار ؟حتى حين تحاول اكتساب صفة لترضيه عليها إن تثبت انها نجحت بجدارة .. طلب إن يلتقيها لكن طلبه كاد إن يقتلعها مثل شجرة يابسة .. الخوف يشّل تفكيرها بينما تذيب مشاعرها جمود صمتها وتصنعها إمام الآخرين .. هل ترفض ليكتشف أنها لا تختلف عن الأخريات أم تقدم على مغامرة لأتعرف عواقبها ..

( لماذا تخافين أو تسمحين لهم أن يسلبوك حقك في الحياة.. إن الإقدام على خطوة كالحب شجاعة بذاتها لا تمتلكها الكثيرات فما الخطر أو الخطأ في إن يتنفس حب شرعي هواء نقيا.. وهل أتمنى الكثير حين اطلب لقاءك تحت ضوء الشمس والسماء ؟ )

كان لكلماته تلك وقع السحر في نفسها, قادرا على دفعها لاقتحام أكثر الإعمال خطرا وغرابه فذهبت للقائه متحدية لأول مرة خوفها من الآخرين ورعبها من المجهول متناسية كل العواقب التي يمكن إن تتحملها فيما بعد.. تصغي إليه بينما عيونها تسبح في جدول الماء المنساب إمامها ومشاعرها تتذبذب بين الحب والقلق وعدم التصديق أنها أخيرا استطاعت.. ومع ذلك لم تستطع إن تدعه يمسك بيدها حين حاول لان في داخلها خوف آخر لم تتحرر منه بعد

وجهها مغطى بالكدمات , واثأر الأصابع مازالت تنبش في ذاكرتها إحداث ليلة أحاط بها الآخرين ليسجلوا بأيديهم وأرجلهم رفضهم الصارخ لأي فكرة لا تمت لهم بصلة . لكنها أصبحت أخرى لا تعرف الخوف أو على الأقل تغلبت على الكثير من الكثير الموجود داخلها وقد تتساءل أحيانا بأي شيء استطاعت أبمشاعرها نحوه ؟ أم أنها كانت تملك الشجاعة دون إن تعرف أم انه زرع فيها شيئا لم تكن تملكه ؟.. لا تعرف سوى أنها ستدافع عن اختيارها بكل قوة وستتحدى رفض الآخرين وارتيابهم وشكوكهم بمشاعر الحب وجدواه كأساس مهم ووحيد لربط مصير إنسانين

أنها مقتنعة إن لاشيء يخيف أو يعيب مادامت لا تطلب شيئا لا يسمح به الآخرين لأنفسهم وستدافع لأول مرة عن اختيارها ولن يكون حتى الموت ذاته مرعبا لان الحياة بعيدا عن الرجل الذي أحبته واختارته, مرعبة أكثر من الموت

رسائله أصبحت باهتة كلماتها تنضب شيئا فشيئا .. سطورها صارت معدودة صحيح أنها مازالت محملة بالحب لكن شيئا خفيا كان يختبأ بينها .. ارتباك أو حيرة وشيء من التردد.. لا تريد إن تقول خوف أو تراجع لأنه ليس من النوع الذي يخاف أو يتراجع لكن شعور الخوف والقلق عاد ليتملكها.. وبدا إن سفره إلى مدينته سيطول أكثر مما وعد أو تصورت

حتى كلمات الحب في رسائله لم تعد قادرة على أقنعها انه سيعود ولهذا قررت إن تسافر إليه.. تستطيع إن تذهب إليه وتعود في نفس اليوم دون إن يشعر احد لكنها بالتأكيد ستخبره بهذا القرار

فرح بقرارها الجريء لكنه بدا خائف عليها من احتمال تعرضها للخطر وحاول إن يقنعها إن لاشيء يدعو للقلق وان مشاعره لم تتغير وليس هناك داع لسفرها لكن إصرارها على رؤيته لم يكن يضع للأخطار أي اعتبار أو احتمال

فور وصولها إلى مدينته اتصلت به لتعلمه أنها صارت قريبة منه لكنه طلب منها إن تبقى مكانها وسيوافيها هو إلى مكانها..

تحاول أن تتجاهل عيون الآخرين المحملة بنظرات الشك والتساؤل , تستطيع إن تتحمل تزايد عدد المحدقين فيها مع كل دقيقة تمر لكنها لم تعد قادرة على تحمل قتامة أفكارها التي لا تجد تفسيرا أو عذرا يبرر تأخره وتركها كل هذا الوقت وسط مدينة غريبة .. قررت أن تتجه إلى بيته فالوقت يداهمها ولابد لها إن تعود من حيث أتت

بعد تردد قليل طرقت الباب لكن الباب لم يفتح.. ما الذي حصل هل غادر البيت.. هل يواجه صعوبة في إقناعهم .. هل يرفضونها ؟ ماذا ستقول لهم ؟ وعشرات الأسئلة والمخاوف دارت في رأسها بينما تنتظر إن يفتح احدهم الباب

انفتح الباب ببطء واطل وجهه من وراء الباب يعلوه ارتباك وخوف واضح.. بعيون زائغة رحب بها وعاتبها بصوت خافت لأنها غادرت مكانها قبل أن يصل إليها.. حاولت إن تفهمه انه تأخر كثيرا وإنها لا تستطيع انتظاره لوقت أطول لكن ارتباكه وتلفته طيلة الوقت أشعرها انه لم يكن يصغي لكلامها

لم يدعها للدخول لكنه طلب منها إن تنتظره في مكان بعيد عن البيت وقبل إن تفكر في غرابة طلبة وسبب ارتباكه اتسعت حدقة عينيه وكأنه رأى وحش قادم من خلفها.. وقبل إن تعرف ما الذي رآه ومن هو القادم سحبها من يدها إلى داخل البيت وأغلق الباب..

حاول إن يخبأها في مكان ما من البيت .. بقي يتلفت بارتباك بينما تسمع صوت الباب الخارجي يفتح .. جرّها بسرعة نحو باب قريب منها وأغلق الباب خلفه واتجه نحو زاوية الغرفة الصغيرة شبه المظلمة, تلفتت حولها لتكتشف أنها داخل حمّام ضيّق.. أشار لها أن تكتم أنفاسها بينما ظل هو قابعا في زاوية الحمّام مرتجف خائف..


نظرت إليه بذهول محاولة أن تصدق انه ذات الرجل الذي كان يتحدث عن الشجاعة والحرية.. فالعرق يتصبب من جبينه بينما تغرق هي في حيرتها وذهولها .. تحاول إن تفهم دون جدوى فالخوف ألجمه تماما حين بدا الأشخاص خارج الحمّام بالطرق على الباب بشدة.. نظرت نحوه وقد تكور وأخفى وجهه بين يديه بينما باب الحمّام يكاد إن ينخلع من شدة الطرق.. ظلت تنظر باتجاهه وحين شعرت إن الباب سيفتح أغلقت إذنيها وعينيها ..

فجاءه توقف الطرق وساد هدوء تام .. فتحت عينيها لتجد نفسها في حمّام بيتها محاطة بالآخرين وهم يحاولون إيقاظها من الإغماءة التي إصابتها داخل الحمّام بسبب الحرارة وقلة الأوكسجين وخوفها ..

شفاههم تتحرك بسرعة بينما يعلو وجوههم تعبير قلق واضح لكنها لم تكن تفهم أو تسمع غير طنين يشبه صوت ماء متدفق.. راحت تتلفت حولها باحثة ليس عنه ولكن عن الأوراق التي كانت في يدها.. هل كتبت شيء؟؟ لم تعد تتذكر لكنها لمحت كومة من الأوراق المبللة والمتهرئة التي مزقها الماء ....


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  كلنار صالح


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni