... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
الشيعة والزيت المقدّس في الشام

سرمد الطائي

تاريخ النشر       09/05/2013 06:00 AM


يسألني مقدم البرنامج العربي عن "لواء أبي الفضل العباس" الذي يقولون انه بمجندين شيعة عراقيين يقاتل في الشام دفاعا عن بشار الأسد، أو دفاعا عن مراقد الأولياء التي يحترمها الشيعة والسنة (باستثناء سلفي نادر). ولم يأت على ذهني في جوابه سوى استذكار الشباب المسلمين الذين جاؤوا إلى العراق بعقيدة صعبة وانتحروا بين صفوف الشيعة والسنة بعد ٢٠٠٣.
وعدا ما ينشر من صور في فيسبوك وتويتر عن جنائز لشباب عراقيين يقال إنهم لقوا حتفهم في حرب الشام، فإنني كغيري لا أمتلك معلومة جازمة.
إن الحرائق تنشب في غابات الزيتون على المتوسط، وشباب من كل بلدان التشيع والتسنن وقودها. نتذكر فقط أن شباب العراق كما يبدو ينخرطون في الحرب السورية، سنة مع جبهة النصرة والقاعدة، وشيعة مع ألوية مقدسة مناظرة. إننا ننقسم إذن في العراق وفي الشام، كمعشر مناذرة وغساسنة في القرن الحادي والعشرين.
إنها المشاعر الطفولية حين تدخل لعبة الموت الكبرى. طفولة سياسية وعواطف دينية يستغلها أمراء الموت والثوريون الرومانسيون ليطحنوا شعب سوريا بكل طوائفه ويورطوا بعدها كل الشعوب معه.
وحين يتوغل خارج غير منضبط في داخل يأكل نفسه، تكبر الكارثة.
وفي العراق نتذكر الشباب العرب الذين انتحروا بين أهلنا. جاؤوا برسم حرب مقدسة مع الكافر، وفتاوى مرصعة بكل الكلمات المقدسة. وأطالوا زمان ذبحنا. كان لدى العربي ذريعة مقدسة لقتلنا، كما أن لدى العراقي اليوم ذريعة مقدسة مع القاعدة أو لواء أبي الفضل، لينخرط في حفلة الدم المؤلمة في الشام.
كيف نحول دون اكتمال الكارثة؟ أم أن هذا ليس زمانا يصلح للحلول لأنه "قيامات" كثيرة لا تنتهي ومن "المحتوم" أن نمر بها؟ كيف لا والسياسة لدينا دم وبارود يعوض نقص السياسة وتخلف مؤسسة الحكم وبربرية حاكم مثل الأسد.
إن اللهب يشتعل في زيت مقدس وسط غابات الزيتون على المتوسط. لكن المقدس هذا وهو زيت الأساطير القديمة نفسه، يمكن أن ينقل اللهب العظيم إلى مخازن البترول الضخمة في العراق والخليج أيضا. بمعنى مشابه كتبت واشنطن بوست خشيتها في افتتاحية الاثنين، وهي خشية نلاحظ عليها بصمات عمالقة النفط السبعة الذين يستثمرون لدينا. قالت الافتتاحية مخاطبة أوباما: عليك أن تتدخل في سوريا كي تنقذ العراق! وسكتت.
والأمر ينطوي على حظ عراقي سيئ بشكل ما. ففي لحظة تمنى العراقيون أن يحل عليهم السلام. تضرعوا لكل آلهة التاريخ أن يهدأ أمراء الحرب. والعراقيون يتضرعون منذ الأزل في طلب سلام مستحيل، حتى أن الكاهن في قصة الخلق الأكدية يردد عبر كل الفصول أنه "يصب الخمر لتبريد الأم تيامة" والدة الالهة الغاضبة. وكنا نأمل قبل ٢٠١١ من سوريا والخليج أن "يضبطوا حدودهم وشبابهم"، ومن إيران أن ترأف بحالنا، كي نأخذ عطلة من الموت. أما اليوم فلم يعد هناك حد ولا بوابة يسهل إيصادها، وصرنا نحن نذهب إليهم بالرماح والنبال إذا تأخروا هم عن القدوم إلينا.
ومؤسستنا السياسية في أسوأ حال. مفككة لا يلزمها ملتزم بقانون ولا بقاعدة. ولولا بضعة توسلات لتورطت دبابات المالكي في دماء الشعب وأدخلتنا في دوامة جديدة. وهو خطر لا يزال قائما طالما غابت السياسة وروح التفاوض، وطالما ظل المالكي معزولا لا يحيط به سوى جنرالاته، وهؤلاء لا يفهمون من السياسة سوى قعقعة السلاح.
والحوار منعدم بين بلاد فارس والعرب، كانعدامه بين الفرقاء العراقيين. قبل سنة كنا نقول إن إيران تمعن في دعم حرب الأسد على شعبه كي تذهب إلى الحوار وهي قوية قادرة على حماية حلفائها هناك وصناعة ضمانات لهم. لكن الحرب تفرخ المزيد من الثأر. وقد دخل فيها الجميع اليوم حتى إسرائيل. وقد تورط فيها التاريخ أيضا ولم تسلم أضرحة الصحابة. لم يعد في وسعك إقناع العرب ولا إيران بشيء كما يبدو.
واشنطن بوست تكتب مخاوف عمالقة البترول، من انتقال الزيت المقدس المشتعل في معابد الشام، إلى زيت مقدس آخر قرب منابع النفط. وأوباما يحمل على كتفيه أوزار الركود في منطقة اليورو وكل متاعب الأميركتين، حتى الفتى الكوري في أقصى الشرق لا يمهل واشنطن قليلا ويهدد بإحراقها بالصواريخ.
شباب العراق ينخرطون بمشاعرهم الدينية دعما لجبهة النصرة، أو قتالا مع لواء أبي الفضل. وكأن سلاطيننا أعجبتهم عبارة بريجنسكي التسعينية في وصف "الهلال الخصيب" وكتبوها على أبوابهم "هلال المتاعب يتسع ويكبر ويصبح قمرا، لا يسطع منه ضوء لعاشق أو شاعر، بل مطر له لون الدم". كأنهم استسلموا لأقدار هذه العبارة العجوز.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سرمد الطائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni