... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
المثقفون العراقيون في مواجهة وزارتهم

ماجد السامرائي

تاريخ النشر       26/05/2013 06:00 AM


بعد «أزمة» العرض المسرحي الألماني

هل أصبح «شارع المتنبي» ببغداد شارع حرية الفكر والثقافة بالنسبة للمثقف العراقي، بعد أن أصبح يرتاده بشكل أكثف الأدباء والفنانون، وحتى البعض من «سياسيي السلطة» (الذين يسعون إلى التقرب من أوساط المثقفين، ربما للتعلم واكتساب ما ينقصهم، أو لمعرفة السبل الكفيلة بقمعهم وإسكات أصواتهم ساعة اللزوم!)، وقد وجدوا فيه فضاء قد لا يكون متاحا، على النحو الذي هو فيه في هذا الشارع، في أي موقع آخر من العاصمة، وحتى في مدن أخرى؟

لا غرابة في الأمر إذا ما أصبح «شارع المتنبي» على هذا النحو الذي نجد تكريسا له، وعملا (منظما، أم عفويا؟)، على أن يكون «فضاء حرية» للمثقف العراقي.

وإذا كان هذا الشارع، منذ أن عُرِفَ في تاريخه الحديث، «شارع ثقافة» بحكم كون مكتبات بغداد التاريخية تركزت فيه (مكتبة المثنى، والعصرية، والنهضة، ثم دار البيان، والمكتبة العلمية..) مما جعل منه فضاء ثقافيا يرتاده كبار المثقفين والأدباء والشعراء، فإن ما حصل مع بدء سنوات الحصار (1991 -) كان مفاجأة للجميع: فبعد أن أغلقت عديد المكتبات فيه أبوابها، أو تراجع روادها وقد انتقل عدد غير قليل منهم إلى «الباب الشرقي» الذي ستزدهر فيه مكتبات ويمتد ازدهارها حتى ثمانينات القرن العشرين، عاد «شارع المتنبي» لينتعش ثانية، ولكن في هذه المرة من خلال «بسطات الرصيف» التي ستعمل في خطين متوازيين: شراء كتب ومكتبات من اضطرتهم ظروف العيش، أو دواعي المغادرة إلى بلد آخر (بعد أن ضاقت سبل الحياة الكريمة عليهم!) إلى بيعها. والخط الآخر، الذي اتبعته «بسطات الأرصفة» هذه، هو توفير «الكتاب النادر»، والآخر الجديد الذي لم يعد يستورد، وذلك عن طريق الاستنساخ الذي ستروج تجارته، لتغدو اليوم «حالة شائعة» سببها: ارتفاع سعر الكتاب في طبعته الأصلية!

وغدا الشارع، بطبيعته هذه، مصدر قلق للسلطة بفعل ما كان يتم تمريره من خلاله من كتب لم تكن السلطة راغبة في شيوعها، نتيجة ما تحمل من أفكار ومفهومات وآراء تتعارض مع «الثقافة السائدة».

إلا أن «حدة الشارع» لم تخفت، لكنها ازدادت سرية. وسيشهد «تحولات» فعلية: فبعد أن كان قد بدأ من كثافة «إسلامية أصولية» سادت طبيعة ما يُعرض، ما لبث أن تحوّل إلى «ثقافة مغايرة» لذلك، ثقافة تجمع بين الحداثة، والعلمانية، والماركسية، أو ما تبقى منها. وأمام هذا كله وجد المثقف العراقي، وابن بغداد على وجه الخصوص، نفسه صباح كل يوم جمعة أمام مشهد ثقافي مميز: لقاءات تجمع المثقفين، وأحاديث في الثقافة وشؤون الكتب وما ينشر منها تأخذ باهتمام المجتمعين فيها، وتداول في مستجدات المعرفة، وتعاون على تيسير سبل النشر في هذه المجلة العربية أو تلك، عن طريق معارفهم، أو صلاتهم الثقافية، والتي ستصبح مكافآتها التي تمنح لما ينشر فيها «عونا» لهذا المثقف على تدارك شؤون حياته ومتطلبات ثقافته!

ويوم جرى احتلال العراق عام 2003 دخلت الشارع «وجوه جديدة» كانت منبوذة من قبل البعض، هي وجوه جنود الاحتلال مدججين بأسلحتهم القتالية، يتطلعون في الوجوه أكثر من تطلعهم في الكب وأيديهم على الزناد، وقد دخلوه مع «أدلاء وطنيين» تعرفوا من خلالهم، وبمشاهداتهم المباشرة، على طبيعة هذا الشارع، وأخذوا فكرة عن رواده ومرتاديه، بعد أن بلغتهم أخباره، أو شاهدوا ما قدمته الفضائيات عنه، من قبل الاحتلال ومن بعده، إذ شكل هذا الشارع، بتفاصيله هذه، حضورا إعلاميا واسعا، أصبح أكثر كثافة من بعد الاحتلال، حيث تجاوز السؤال المطروح، من قبل هذه الفضائيات، «واقع الكتاب» و«حال المثقف» إلى ما هو أبعد، وبتفصيلات أكبر.. وبينها «أسئلة المحتل» عن موقف المثقف مما حصل، في واقع العراق والعراقيين، مع الاحتلال!.. والكيفية التي يتفاعل بها المثقف العراقي مع ما حصل وتحقق! غير أن هذا الواقع سيتغير. فمن بعد التفجير الذي لحق بهذا الشارع، والذي احترقت بفعله معظم مكتباته، وعدد من كتبييه، كان أن انبثق هذا الشارع من جديد، وقامت من «رماد الاحتراق» هذا المكتبات التي كانت، فضلا عن استحداث فعاليات ثقافية مدّت حبل التواصل مع ما هو أبعد من شؤون الثقافة وقضاياها، فأصبحت هناك ندوة أسبوعية غالبا ما يكون محورها شخصية، ثقافية أو تاريخية، كان لها دور يُذكر في تاريخ العراق الحديث وثقافته. وفي فضاء آخر من الشارع قد يتم تقديم قراءة شعرية من ديوان جديد لشاعر، يعقبها «حفل توقيع»، أو تُعقد ندوة تحقق ضربا من التواصل الثقافي بين المثقف و«جمهوره» في قضية ما، مطروحة في هذا الفضاء الذي يصنعه المثقفون أنفسهم. كما شهد الشارع، ويشهد بين الحين والآخر، تظاهرات ثقافية الطابع يقوم بها مثقفون، من الشباب غالبا، احتجاجا على موقف، أو تأكيدا لقضية، أو انتصارا لشخصية طاولها العسف!

إلا أن ما حصل أخيرا، وفي هذا الشارع تحديدا، مثّل بعدا جديدا لحضور المثقف فيه، وطريقة غير مسبوقة في «معالجة الموقف»: فمن بعد التغييرات التي طاولت بعض الوجوه في السينما والمسرح، وما وجده فيها بعض المثقفين من تهديد مباشر وصريح للحد من حرية التعبير، أعلن فنانون ومثقفون شباب أنهم سيتخذون من «جمعة» هذا الشارع يوما لممارساتهم الفنية، يقدمون فيه ما يروقهم، ويريدون له أن يروق الشارع ورواده، متخذين من أرضيته «مسرحا افتراضيا» لهم. وبدأوا.. ومع هذه البداية أصدروا «بيانا» موقعا باسم «تجمعهم» يعلن المواجهة صريحة مع وزارة الثقافة العراقية، الأمر الذي وجد غير مثقف فيه بداية فعلية، صريحة وجريئة، لإعادة الهيبة المطلوبة تاريخيا لثقافة هذا البلد العريق وفنونه إزاء المحاولات الرامية إلى إدخالها في «نفق السلطة»، أو تحت عباءة «جماعات دينية».

وإذا كان «البيان» قد انطلق من «الأزمة السياسية» الراهنة التي يمر بها البلد، فإن موقعيه، الذين حمّلوه رأيهم وموقفهم، هم «مجموعة من الفنانين والمثقفين يعتقدون أن التعامل مع الفن والثقافة في هذا الأمر (ويعنون العرض المسرحي الألماني، الذي فجر الأزمة!) قد جرى بطريقة تسيء لصورة الفنان والمثقف العراقي»، وهو ما يرون أنه جعل «الحرية والثقافة في العراق تمران بمحنة حقيقية» يمثلها «البيان» في تراجع دور الثقافة «بسبب المحاصصة»، وإلحاق «الثقافة وحرية المثقف بالصراع السياسي، وبأسلوب متهافت ومفضوح نتجت عنه قرارات تتصف باللامهنية، وتصب في مصلحة أطراف تنظر للثقافة بعين الريبة والاحتقار»، على حد تعبير موقعي البيان، منكرين على القائمين على الثقافة في وزارة الثقافة زج «جهات» من خارج الثقافة على الثقافة والعملية الثقافية، خصوصا الدينية منها، مؤكدين لا معقولية «أن تُسرق الثقافة العراقية على هذا النحو من قبل» من وصفهم البيان بكونهم «مثقفين هواة»، متسائلين تساؤل تشكيك عما يحصل من توظيف اسم «المرجعية الدينية» في ذلك (في إشارة إلى الأزمة التي ولّدها هذا العرض المسرحي، والذي قُدّم، عبر منتدى المسرح، ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية)، مشيرين إلى أنه إذا «كانت المرجعية الدينية قد نأت بنفسها عن التدخل في تفاصيل العملية السياسية، فكيف يمكن لمن يزعم أنه يتحدث باسمها أن يزج المرجعية الرشيدة في خضم تفصيلات ثقافية كهذه»، عادين مثل هذه الممارسات «حجرا على الحريات والرأي في العراق»، محذرين «من زج الدين واستخدامه في أي اختلاف ثقافي»، ومؤكدين أن ما يشهدونه اليوم، بما له من نتائج سلبية على أرض الواقع، يُمثّل اختزالا للثقافة. وإلى جانب ما لاحظوه من عدم إنجاز مشروع ثقافي حقيقي، فإنهم لاحظوا أن هدفا حقيقيا واحدا لم يتحقق «على مستوى بناء المؤسسات الثقافية»، فضلا عما يمكن أن يُعدّ مكسبا مؤكدا للفنانين والمثقفين. وواجهوا هذا الواقع بحدة في القول أكبر من خلال تأكيدهم «أن من يهيمن على الثقافة الآن هم أفراد لا صلة لهم بالثقافة..»، مؤكدين أنهم، وهم «مجموعة من الفنانين والمثقفين الشباب»، يقفون «مع الثقافة العراقية بعيدا عن أي صراع أو اختلاف»، وهي الرسالة التي ودوا إبلاغ الحكومة ووزارة الثقافة بها.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ماجد السامرائي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni