... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
الإدمان

برهان المفتي

تاريخ النشر       15/11/2014 06:00 AM


سأتكلم عن مدينتي...وأختار شيئاً لذلك. ليكن الكلام عن القبور، وفي الحقيقة حين أختار ذلك فأنني أتكلم عن كل شيء في مدينتي.
هنا نبني القبور ونترك فيها ثقوباً، فالأموات هنا لا يحصلون على حصتهم الكاملة من الهواء ويرحلون تاركين لنا حصصهم تنتقل هنا وهناك...فكانت تلك الثقوب لكي لا نأخذ حصتهم خاصة بعد أن كثرت في المدينة الإدعاءات بحق هذا وذاك في تلك الحصص المتروكة، ولا أدري مَن كان صاحب تلك الفكرة – القبور المثقوبة – إلا أنها كانت تغييرا عجيباً في مدينتنا..ربما سنعرف صاحب الفكرة يوماً ما، قد يكون شخصاً لم يحصل على ما يريد من تلك الحصص المتروكة فأراد بفكرته حرمان الجميع ! نعم يحصل هذا في مدينتي، حين لا يأخذ شخص شيئاً مما يريد يحرم الجميع من ذاك الشيء..
صار الهواء يتجمع فوق المقبرة، فوق القبور المثقوبة، نرى ذلك بكل وضوح، يتشكل الهواء كالمداخن هناك، تبدو قبور مدينتي كأنها تطلق دخاناً إلى السماء، لكنها ليست كذلك، بل تلك هي إشارة أن الأموات في تلك القبور يأخذون حصتهم التي حرموا منها بموتهم. وحين صار الموت عدداً لا نعرفه ولم نسمع به، أصبحت كمية الهواء المتروك من حصص الموتى هائلة وثقيلة، وأصبح ما يدخل في تلك القبور المثقوبة أكثر مما يدخل في ثقوب أنوفنا نحن الأحياء، تنتفس بصعوبة.. لا هواء إلا فوق المقبرة.
لم نبقَ إلا قليل في المدينة، ونحن نراقب هجرة الهواء إلى المقبرة، فصرنا نهرب في الليل إلى حيث تلك القبور، حين يكون الهواء ثقيلاً وينزل كالماء في تلك الثقوب الموجودة على القبور ليلعب الميت به حتى الصباح، ثم يتنفسه.أقتربنا من القبور، وأمسك كل منا قبراً مثقوباً، وصرنا نسرق هواء الموتى بأن ننفخ في القبور ليخرج الهواء فتنفسه ثم نهرب ونطلقه في هواء مدينتنا، كل مساء نفعل ذلك، حتى صار هواء مدينتنا هو نفسه هواء المقابر ولم نعد نعرف الفرق بين ما هو داخل المقابرة من خارجها، فالهواء واحد.
والغريب أن لا ميتاً قد إعترض على ما نفعل، ولم نرّ ميتاً يخرج من قبره ليأخذ حقه من الهواء الذي نسرقه من قبره المثقوب، فعلنا ذلك ونحن فرحون بأننا الأقوى من الأموات، رغم أننا صرنا نتنفس ما يتنفسه الموتى حتى وصلنا للإدمان ولم نقدر أن ننفك من نفخ القبور، وذلك الإدمان جعل الفاصل بيننا وبين قبور الموتى يختفي يوماً إثر يوم.
المساء ينزل على مدينتي وأنا أحكي لكم هذه الأحداث، أرى شيئاً كالماء ينزل عليّ، أحس أحدهم ينفخ قربي، ويأخذ الهواء من حولي...وأرى ثقوباً فوقي...قلت لكم...لم نعد نعرف الفرق بين الموتى في تلك القبور وبين من هو خارجها..نعم... إنهم يسرقون الهواء مني من تلك الثقوب فوقي ، وربما منكم ! لم نعد نعرف الفرق...لا فرق.
..............
15 – تشرين ثان - 2014


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  برهان المفتي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni