... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
الحقيبة البيج

نزار عبد الستار

تاريخ النشر       11/12/2014 06:00 AM


أشارت بإصبعها إلى حقيبة اليد البيج. حملها البائع إليها بكثير من الحرص محافظا على هيئة عرضها.
قالت له إنها تحب هذا اللون ثم تفحصتها. غيّر مكانه ملامسا كتفها الأيمن بالطريقة السلسة لزوجين قديمين. تأملهما البائع الذي اعتاد على جنون الليل وعلى وجهه ابتسامة واثقة.
قال لها مشجّعا، وهو يرى أصابعها تتلمّسها:
ـ إنها رائعة.
ظنت أنه لم يفهم، فأخبرته إنها تملك الكثير من حقائب اليد البيج.
كان يريد إخبارها بتلك الصورة التي راودته مع خطواتهما معا حين رأى أنها مثل القمر لا يمكن معرفة وجهه من ظهره، ولكنها دخلت إلى المحل الذي كان الضوء يسقط منه على الرصيف المبلل، واشارت بإصبعها إلى الحقيبة البيج، وهي تتصنع الاهتمام.
نظر البائع إليه حين عثرت على الخيط النافر. سألها إن كانت الحقيبة قد اعجبتها. ردّت بتكبّر:
ـ هذا الخيط شوّه منظرها.
هو لا يريد أن تبقى بصماتها على الجلد إلى أن تمسحها امرأة اخرى، لذلك سأل عن سعرها.
اجاب البائع:
ـ سبعون ليرة.
أمسكت يده ممانعة مثل زوجة تفهم جيدا مبالغات السوق، وقالت:
ـ عندي الكثير من الحقائب البيج.
قال لها هامسا:
ـ أعرف هذا، ولكنك لمستيها.
ردّت بحزم:
ـ نحن لا نشتري كلّ ما نلمسه.
إنكمشت ابتسامة البائع كثيرا، فعادت لتسأله:
ـ الم تر الخيط؟. إنها تفتقر إلى الكوالتي.
قال:
ـ رأيته، ولكنك لمستيها، وهذه هي المرّة الأولى.
ردّت:
ـ غير مهم.. سنتذّكر دائما أننا في يوم ما حاولنا شراء حقيبة بيج.
عاد البائع لينظر إليه، ولكنها سحبته إلى الخلف، وراحت تشتت بصرها، قالت، وهي عند الباب، إنها لم تعد مهتمّة، فطلب منها اختيار أي شيء آخر يشتريه لها. تلامسا عند الكتف بعفوية تشي بعدم الاكتراث، وكأنهما عاشا معا الكثير من السنوات الزوجية.
كرّر طلبه:
ـ أحب شراء شيء لك.
لم يكن بينهما أي فراغ، وكأنهما تزوّجا منذ مدّة طويلة، ودخلا معاً مئات المحال. قالت بعفوية:
ـ لا يثيرني شيء هنا.
فتح لها الباب، وهو يابس الوجه، فظنت أنه لم يفهم. وقفت متردّدة أمام واجهة المحل. نظر في اتجاهات عدّة، فابتسمت له مثل قمر فضي مكتمل الوجه وقريب:
ـ عندي الكثير من حقائب اليد البيج.
قال لها بابتسامة مرتجفة:
ـ أعرف هذا.
أعلمته أنها أرادت أن يعيش هذا الإحساس. هزّ رأسه إلا أنها سكتت ولم تكمل، وسارت بجواره بتثاقل على الرصيف المبلل. هو أيضا أهمل الصورة، ولم يخبرها عن وجه القمر وظهره، وسكت مثلها، وراح يخمّن، مع نفسه، عدد الحقائب البيج التي اشتراها لها زوجها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• نص من كتاب "أنا ولولو"


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  نزار عبد الستار


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni