... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
رائحة الطريق!

ابراهيم احمد

تاريخ النشر       22/12/2014 06:00 AM


منذ أشهر وهو يعيش في عمان بغرفة متداعية عارية على سطح بناية عتيقة،لقمته صعبة فاهية جافة،ومع ذلك أحس أن هذا ما كان ينبغي أن يفعله منذ وقت طويل. كيف احتمل وهو الشاعر المرهف أوضاع العراق المجنونة وكل هذا الأذى ولم يخرج احتجاجاً أو حتى بحثاً عن حياة سوية؟ ظل يحس بالخجل كلما تذكر الكثير من اللحظات والمواقف التي كانت له في بغداد ،وهاهي قصائد الهراء والمديح المخزي التي كتبها هناك تنشب مخالبها في روحه .عندما هم بمغادرة حجرته، تذكر أن ناقداً عربياً يعرفه ويعتبره صديقاً كان في زيارة لعمان طلب منه نسخاً من دواوينه الثلاثة ليطلع عليها من سيسعى عندهم لتدبير عمل له في الإمارات. وضعها في كيس أسود من تلك التي يضع فيها البقالون الخضر،وبينما هو يوارب باب حجرته وقع بصره على كيس أسود أيضاً فيه حذائه الذي قرر أن يذهب به للإسكافي ليصلحه فهو لا يستطيع شراء حذاء جديد فحمله. عند الباب صادفه كيس أسود مشابه كان قد وضع فيه نفايات فحمله أيضاً.كان رأسه ما يزال مزدحماً مصطخباً بالهموم تحت حرقة الشمس ،لا يدري أيفكر بما فعل في الماضي ،أم بما ينبغي أن يفعله الآن ليحصل على عمل، ويجلب عائلته من بغداد ،ويواصل كتابة الشعر.في الطريق كان شارداً ذاهلاً لم يشعر بما فعل، فبدلاً من أن يلقي ،الكيس الذي يحوي النفايات في صندوق القمامة طبعاً ،ألقى الكيس الذي يحوي كتبه الشعرية! وحين مر على الإسكافي ووجد ابنه الصغير مكانه، بدلاً من أن يعطيه الكيس الذي فيه حذاؤه المهترئ ،ناوله الكيس الذي يحوي النفايات قائلاً " سلمه لوالدك وقل له هذا ما حدثته عنه عصر أمس"!. وحين وصل إلى المقهى ،ولم يجد الناقد العربي ،راح ينتظره لأكثر من ساعتين غير مصدق أنه يمكن أن يخلف وعده معه،وهو الذي كان يحتفي به في المرابد الشعرية، ويأخذه في جولات على معالم بغداد ،ودعاه مرة لأكلة المسكوف على شارع أبي نؤاس، إنه على الأكثر لن يأت لقد مر وقت طويل على الموعد. لكنه الآن يشم رائحة ثقيلة نتنة تكاد تصيبه بالغثيان .حانت منه التفاته للكيس الأسود المركون بجانبه. فتحه فصفعته رائحة حذاءه العتيق ،كانت عفنة ثقيلة وقد تفاقمت في لهيب الصيف وكأنها تحمل رائحة طريقه الطويل كله!


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ابراهيم احمد


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni