... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
عسكر غويا

د.طاهر علوان

تاريخ النشر       26/08/2007 06:00 AM


- لم يكن ذلك الرسام القصير الا نافذة صغيرة علي حياة تصطخب فيها تحولات السياسة والتاريخ ومطامح العسكر.. لم يكن يطمح الى اكثر من ان يدرك كينونة الحياة فيحبها وتحبه فيجسدها في اللوحة لتسطع تفاصيلها، لم يكن ينقطع عن عالمه الأثير، كنا نراه في ركن ما في الوزيرية ببغداد في حديقة لا يرتادها كثيرون منقطعا الي عالمه الأثير، يلوح لنا من بعيد لينصرف بعد حين متأبطا حصيلة يومه من تخطيطات وتهويمات ورؤى، كنا شبابا عراقيين وعربا من جنسيات متعددة في اكاديمية الفنون ببغداد نغادر قاعات النظريات لنبحث عن بقايا النظريات علي ارض واقع عربي معجون بالإخفاقات وتخبطات النظام القطري..واهازيج الوطن القومي ..
كنت اراه ساهم النظرة وهو يري (الجحافل) وهي مدججة بالحديد في كل ركن من فضاءات المكان فتزدحم لوحته بنداءات العسكر وتكشيرة الجستابو ويد هتلر وهي تلوح للجماهير، مابين عسكر غويا وهم يعدمون باسكيا او كائنا خلاسيا او عربدة الوحوش في جرنيكا بيكاسو كان يقف راصدا جذوة الروح في (جندي) جواد سليم في نصب الحرية وهو يندفع بقوتين عاصفتين حيث تجاوره ام تتكور علي حلم وليد.
وكانت صلته بهذه التواريخ والأزمنة قلق آخر يستبد به..
ــ وطن....تسوره الجماجم والدم...
ــ لنا وطن.. نحميه وبالأرواح نفديه...
ــ بالروح .... بالدم...
ــ للحرية الحمراء باب....
ــ ياموطني افدي حماك بالدم..

ولم يكن ثم معادل موضوعي للوطن من حوله غير الجماجم والدم.... هكذا تجلت الصورة وسط سيرورة حافلة بالصراعات الدامية.
بحث في عقله عن صور الوطن البريء.. صورة من الجنائن المعلقة ورخاء بغداد القرون الوسطي ثم صورة ما بعد الحداثة لبغداد اخري ببيوت آمنة ومجتمع مسالم و ليس هنالك مايخيف الناس لا من بين ايديهم ولا من خلفهم ولما لم يجد لتلك الأمنيات المعذبة مكانا في فصول نظريات الثوار وبيانات الحروب اقلع بعيدا وتواري عن انظارنا زمنا حتي رأيته في يوم ماطر وفي شارع مقفر وهو يسير مع فتاة قصيرة في مثل طوله ويتأبط كراسة الرسم الكبيرة ويعتمر قبعته ولم اكن اشك انهما كان ينسجان احلاما جديدة!
وما رأيته بعدها لأن الدنيا كانت قد باعدت بيننا.. تركته هناك وقد تفاقم الضجيج وقدم غويا من حولنا مشهدا كارثيا لأعدام فصل جديد من فصول الحياة هو (اعدام مكسمليان) الذي ارق جيشا من المبدعين وجعل من جذوة الشقاء الإنساني سببا لينئى ذلك الرسام الصغير بنفسه واغترب انا مثله.
بعد عقد او اكثر.. اري الرسام الصغير في المخيلة.. ثم عبر رسالة مرتبكة السطور مبعثرة الكلمات.. يقول انه شاهد راغما عسكر (غويا)وهم يسقون فتاته الصغيرة رشفة من (اليورانيوم المنضب) الذي بدأ يفتك بجسدها النحيل..
كانت هي آخر ملاذاته بعد انفضاض اصحاب الوزيرية في مدن شتى.. ملاذ لسلام خالص وامان مجرد..
فيالكأس (يورانيوم) الأمجاد الثورية والنظريات العولمية التي حولت تلك الفتاة الصغيرة وجيش آخر من الأبرياء الي صرخة من صرخات الحرية الجريحة.ثم عاد وكتب : انها مجرد طفلة يافعة عندي ، لكنها اليوم بلا بيت ولا وطن ولاأخ ، الوطن الجريح ، البيت المنهوب ، والشقيق المرمي بلا هوادة على قارعة الطريق ، دمه قربان للبربرية والوحشية والدونية التي لم تجرؤ عليها البرابرة ذاتها .
ويا ايها الرسام الصغير.. يا نافذة علي وطن الأحلام الموؤدة.. ادري انك الآن ترسم عسكر (غويا) وهم يعدمون فتاة (مكسمليان).. حبيبتك..اعدموها بوطن مرتهن واعدموها ببيت سليب منهوب واعدموها بشقيق ادرج ضمن قائمة مجهولي الهوية واعدموها يوم شردوك حاملا معك الى الأبد تخطيطات الجندي المصلوب على نصب الحرية – ايقونة جواد سليم الأزلية
اتراني سأجدك يوما.. هناك كما كنا نمر صاخبين فتلوح مبتسما؟
(كن من فضلك.. زهرة.. او ظلا في بلادي )........كما كان (رفائيل البرتي) يتمني ...!


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.طاهر علوان


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni