... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
الصورة الاستعارية في شعر ريم قيس كبة

دجلة احمد السماوي

تاريخ النشر       06/09/2007 06:00 AM


ريم قيس كبة شاعرة لم تلهها الدنيا بمباهجها واحزانها عن هم القصيدة ! فهي قصيدة تتنفس وقصيدتها انسانة انفعالية ! والمتتبع لتجربتها الشعرية سيجدها في نمو متوازن ! لم تتعكز على الاعلام لكي تسطع من خلاله ولم تستثمر صداقاتها مع النقاد والاكاديميين لكي تكون نجمة لاتنافسها نجمة في عمرها ! تكتب الشعر بعبارات أليفة وصور مشحونة دون ان تهبط بكل ذلك ولن يكون قولي من باب الاعجاب مع انني احب شعرها ولكن علمتني الحياة ان الصدق هو الوسيلة الحقيقية الى قلب الحقيقة ! ومن تتهيأ لتحليل الشعر مثلي عليها ان تنسى حبها ان احبت وتكبت كراهيتها ان كرهت وهكذا سادخل على عالم ريم الشعري من خلال نص احلله ونص اجعله مرجعية !

الصباحـات

الصباحات

تركض كالخيل

لكننى

قد أفوز بكبوة .

وليل امرىء القيس

شدد أمراسه

بيد أنى

قد أبتليه

بتروة .

وسدت دروب

وعم خراب

وحرم خمر المشاعر

لكننى

سوف أسكر

حتى بقهوة .

لم يعد الاقتران قائما بين الشعرية والشعر ! كما كان الحال في تراثنا النقدي ! فقبل انجازات النقد الوصفي الحديث كانت الشعرية تعني الشاعرية وتعني الشعر ! لكن النقد عَـبَرَ هذا الاقتران الى اقتران آخر وهو بؤرة الجمال في الشيء ! وبؤرة الجمال تنفع مع الشعر وغير الشعر على حد سواء , فالصورة الشعرية وفق سي . دي. لويس : وصف معادل بين المجاز والواقع بما يؤسس فكرة الرسم بالكلمات , ويهمني التركيز على التعادلية بين صورتي المجاز والواقع ! لأنهما تحديداً ما سأشتغل عليه في هذه العجالة ! فالصورة ليست حكرا على الواقع والبيان ليس حكرا على المجاز ولايمكن التسليم بقول ابو الفتح عثمان بن جني الموصلي بأن اكثر اللغة مجاز لاحقيقة له ! فمثل هذا القول يبلبل المشتغلين على علوم المعنى ! وعليه فالصورة البيانية ثلاث : تشبيهية واستعارية وكنائية! والصورة الواقعية صورتان واقعية تقليدية وواقعية سحرية ! ولايمكننا القول بان الشعر العربي خال من الصور الواقعية ! وبين يدي امثلة من عصور الشعر القديمة استعملت الصورة الواقعية الصريحة ! فزهير بن ابي سلمى ( جاهلي ) اورد صوراً واقعية (مبرأة من المجاز ) في معلقته و هذا البيت للمثال فقط :

بها العين والآرام يمشين خلفةً واطلاؤها ينهضن من كل مجثم

وكنت اتابع تجربة ريم كبه * في الشعر الحديث منذ اول ظهور لها في العراق وكنت أحدد من خلال وجهة نظري مواطن الشعرية في نصوصها ولم أجد ريم كبة قد غيرت وسائلها في تعزيز شعرية النص ولكني وجدتها قد طورتها واظهرت نموا طبيعيا في تجربتها فكانت امام طول معاناتها مع الغربة والتجربة والعمر والمعرفة تسعى نحو استكمال ادواتها الفنية ( الاسلوبية ) , وتبين لي ان مقداراً مهما من شعريتها متجل في عذوبة استعمالها للصورة البيانية مرتقية بها مراقي التحديث البلاغي فالصورة الاستعارية : معلوم ان الاستعارة تشبيه فقد احد طرفيه وهما المشبه أوالمشبه به ! والأركان الأربعة هي المشبه والمشبه به و وجه الشبه وأداة التشبيه ! وثمة استعارتان هما الاستعارة المكنية وتؤسس على حضور المشبه وغياب المشبه به بينما تؤسس الاستعارة التصريحية حضور المشبه به وغياب المشبه ! وثمة صور جزئية متوسطة تتمحور حول التجسيم والانسنة والتراسل .. الخ ! ولنقترب من عينة اولى اقتبسناها من مجموعتها الشعرية متى ستصدق أني فراشة؟!! وعنوانها

( أتحداكم ) فالعنوان يحيلنا ابتداء الى مشكلة دلالية تكمن في محمول ضمير الجمع المخاطب ( كم ) فمن هم اولئك الذين يتحداهم النص ؟ وما المانع ان يكون المخاطب هو نحن القراء ؟ هذان سؤالان جديران بعنوان ملتبس مثل اتحداكم !

ومدخل النص انسياب غير منساب فالنص يرسم صباحات ملتبسة ايضا ! فليس ثمة محمولات للصباحات على مستوى الشكل ولا موجهات للتلقي على مستوى المضمون ! الصباحات تركض استعارة مكنية غاية في التأنق لكن النص يحبط هذا التانق حين ينقل التلقي من مفردات الاستعارة المكنية وهي حضور ( المشبه - الصباحات ) وغياب (المشبه به - الخيول ) ولكن كيف تم الإحباط ومتى ولماذا ؟؟؟ بدا الاحباط حين وضع النص اداة التشبيه المتميزة ( كــ ) ومعلوم ان الاستعارة أدخل في الشعرية من التشبيه التقليدي الصباحات كالخيل ! فلماذا الغى النص ( تركض ) وجعله مكفوفا عن الفعلية ؟ كل ما استطيع قوله ان النص افلح تماما في تصعيد شعريته حين ابتدأ باستعارة وهمية استدرجتنا بتقدم الفعل تركض على أداة التشبيه والمشبه به ! فكان هذا الاستدراج عملا ابداعيا مبتكرا ! ولم تكتفي ريم قيس كبه بوصفها مرسلة النص ومنتجته بهذا الاستدراج الفني لذائقتنا من المغيب ( المشبه به ) الى المتجلي ( حضور ركني التشبيه ) فقد انتقلت بلباقة اسلوبية من موطن جمالي الى آخر حين نقلتنا الى فضاءات الاستعارة التصريحية ( حضور المشبه به : الفائز وغياب المشبه : الراكض ) فإذا كانت الكبوة شيئا من عيوب الفرس والفارس الاصيلين ) فإن ريم تعكس الآية بمفارقة حاذقة فيكون الوقوع في سقوط الفرس رغبة جميلة للفارس بالفوز ! مع وجود تناص غريب وبعيدا جد ا فحين تكون الخسارة ربحا يكون التناص محيلا ولو بمسافة بعيدة جدا الى آي في القرآن الكريم ! ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) سورة البقرة 216 فما يكرهه الآخر يحبه ضمير المتكلم الغائب وجوبا ( افوز ) ! وثمة رغبة غريبة محببة سوى الفوز بكبوة فرس الملك الضليل الى الرغبة بفوز آخر اشد عجائبية وهو الفوز بليل امريء القيس ! وهي تحديدا معادل موضوعي ورمزي معا بين اليوم خمر وغدا امر فكما جيء لامريء القيس بخبر موجع هو اغتيال ابيه فقد جيء للضمير المتكلم في نص ريم كبة بخبر موجع هو اغتيال العراق ! ليل امريء القيس كان ساعات انتظار تاريخية للصبح وهو ذات الانتظار الذي يمارسه المبدع العراقي ! ليل امريء القيس كان بطيئا طويلا كليل الموجوعين :

فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل

كأن الثريا علقت في مصامها بأمراس كتان الى صم جندل

وبين يدي رغبة أخرى في نص ريم قيس كبه تنصب على استحلاب حالة السكر من القهوة ! القهوة المنبهة تحيلها ريم الى مشروب مخدر ولا ادري ان كانت الشاعرة ريم على علم بأن القهوة عند العرب الصرحاء تعني الخمرة وهذا بيت من معلقة الاعشى الكبير يشير الى القهوة الخمرة :

نازعتهم قضب الريحان متكئا او قهوة مزة راووقها خضل

ان تغيير وظائف الدلالة ملمح كبير من ملامح المجاز فهو بالحصيلة ملمح كبير للصورة الاستعارية المكنية ! واستعمال ريم للخمرة بدلالة القهوة يدخل في صميم الاستعارة المكنية فقهوة مشبه حاضر وقهوة مشبه به غائب في جمالية عالية تسمي الاسماء وتعني غيرها ! وبقيت صورة مبهجة لاستعارة صعبة لانها خفية اذا خرجت من حذري في اطلاق ضمير النص المتكلم الى اطلاق ضمير الشاعرة المتكلم ! هذه خطوة اولى نحو معرفة الاستعارة المكنية الخفية اما الخطوة الثانية فهي ظهور ريم كبة على متخيل القصيدة بصفتها مشبها حاضرا وغياب المشبه به وهو صورة ريم وهي تتخلى عن انثوية رؤيتها باتجاه ذكورية الفارس الخشن الذي يبدو صارما ولو انه فارسة مختبئة بملابس الفارس من اجل ان تصنع شيئا للواقع المعاش يجعله ارق واندى ! هي شاعرية الشاعرة اللؤلؤة ريم قيس كبة التي منحتني شعورا بالفوز من خلال متخيل مفتون بالصور الشعرية البيانية المدهشة ! وحين اشتغلت على الصورة الكنائية الاستعارية وحدها في هذه القصيدة فانما تركت فرصة اخرى لي أو لزملائي النقاد لتناول الصورة الاستعارية الصريحة عند هذه الشاعرة اللؤلؤة .

غيمـــة

مثلما غيمةٌ

تستقرُّ على كتف الانتظار

تبشِّر بالمطر المتأنّي

أرى مقلتيْكَ

تضمَّان روحي

...

وكانَ على الرمل قلبٌ

يضجٌّ اشتياقاً

لقطرةِ ضوء

...

ومرتْ سويعة صمتٍ ثريٍّ

فأمطرتَ

وجْداً

وأمطرتُ

صحوا نديَّاً

..

وأدركتُ

ـ من صدقِ صحوي ـ

بأنيَ

كنتُ لديَّ

وأنكَ

كنتَ لديكَ

..

...

وأني حلمتُ

بأنكَ غيمة

وأني ترابٌ

تندَّى

على راحتيكْ .

ريم قيس كبة شاعرة عراقية مغتربة عددا من دواوينها انوه ببعضها :

نوارس تقترف التحليق

احتفاء بالوقت الضائع

أغمض أجنحتى وأسترق الكتابة

متى ستصدق أني فراشة؟!!

وهي الى هذا تكتب المقالة والخاطرة وتجيد كتابتهما .


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  دجلة احمد السماوي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni