... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
الظل الذي سقط

عالية طالب

تاريخ النشر       09/09/2007 06:00 AM


تنفست عبارتها بكثير من الخيلاء، وبعض من إحساس الرضى بدأ ينمو بين الشهقات، لكنها حين التفتت لتحصي ما جمع منها، أصاب عينيها الانكسار، فلم يكن هناك احد، بل بضع خطوات طبعت بعجالة على ظل خارطة جسد خيل إليها أنه يشبه جسدها ، وجمت فيما اختنق إحساسها بأنه لابد هناك من يسأل عنها، منـزوياً تحت ضحكة ميتة، لا تشبه القهقهة ولا هي هروب ما، بل كانت اقرب إلى صوت يحادث شخصاً لم يعد موجوداً:

ـ أخبرتك أن لا تسرف، وها أنت رقم يضاف إلى أرقام ازدحمت بها بصماتي.

تلاشى شيء يشبه وجهاً كانت تمد له لوحة لم تكتمل خطوطها داخل أكوام، أقلام صماء، ألا تعاني لوحاتها ألماً ما؟ مراراً تساءلت والعنكبوت الغاضب ينسج وينسج بشراهة أكواخاً لا يكاد يجد وقتاً ليسكنها.

كم من رجال تعرف، ثلاثون، خمسون، مائة، ربما أكثر كلهم ناموا داخل أقلامها أسابيع ثم غادروها مع خيط عنكبوت هلامي يولد في كل مرة. و لا يبقى منهم غير أشباح لا تعرفها تغازل جسدها، عينيها، وتعبث مع خصلات شعرها، ثم تغفو وراء ذاكرتها صباحا.

إنها لا تحب الرجال. من قالها؟ ومن صدقها؟ أتراه الزوج الذي اختفى أم تراها تلك الوجوه في اللوحات غير المكتملة، وأين تهرب من نزف مشاعرها التي فندت كل الأقاويل وهي تخط وجها خلقته بنفسها، وجها عشقته حد الهوس، وخافت الإلحاد معه. أتعبد ما تصنع يداها، وقبل أن تتملكها الفكرة تماما، كان الوجه الذي سجدت له قد اكتمل شخصا موجودا فعلا أمامها ـ لكنه بعيد، بعيد جدا عنها، رأته مصادفة، وكادت تصرخ أمامه: أنا التي خلقتك، ولي وحدي حق الركوع أمامك، ويبقى السؤال هل صرخت فعلا وقتها أم عجلت بالهرب منه خوف فضيحة لا تعرف لماذا كان لابد لها أن تأتي.

أحبته بكل الأعمار، وأجازت لنفسها التعايش مع كل الأوهام..فإن قالوا هو حب مراهق. أكدت بالفم نعم، فهي لم تكن قد رأته يوما. وإن ضحكوا.. إنه حب طفولة، فألف أخرى ستؤكدها هي لم تستظل قط بصدر حنون ترمي فوقه شجونها، لكنها.. أجل، إنها حين تتفحص أنوثتها تعرف إن داخلها أمرآة تجاوزت النضج منذ سنوات طوال، ولن تعشق سراباً وكيف يكون ذلك وهي تقسم: سأميز حتى رائحته لو أغمضت عيني وتأخذها اللوعة أمام وجه أكتمل وجوده وفي لهفتها لاكتشافه نسيت أن له مفاهيم جسدية لا تعرف الفصل بين الواقع والخيال، وتهمس حين تصدم:

- قلت لك لا تسرف، فما أنا إلا امرأة تعرف أن تعطي حباً لا جسداً لكنها تشظت، وبقي أن تنتظر متى يحين موعد جمعها فجأة توقفت الفكرة أمام صوت جاء في رأسها:

- توقفت داخل حدقتي فلا تريحيني وتتلاشى ولا هي تسقط وأشارت إلى عينيها كان فيهما أثر دمعتين ماتتا منذ زمن .. أتراها فعلاً لجأت إلى من يعينها أم أنها كانت بحاجة لتسمع صوت أفكارها وهي تحاورها بصوت عالي ربما حينها تجد جواباً أوفى مما تجده داخلها وتحيط به في كل مرة.

استمرت تتحدث، ولم تكن تسمع غير صوتها والوجه أمامها يحدق داخل عينيها ويعود ليصغي، أو هكذا بدأ لها، تكتشف كل قليل أن الحوار لا يدور إلا بين الأجزاء الظاهرة من جسدها.

صوتها يتمادى في تصاعده ويعود ليهبط مسترخياً فتنبعث موجات من أنوثة تغازل وجوهاً كانت تعرف خطوطها التي رسمتها يوماً وعشقتها أياما وغذتها بأصابعها طوفاناً لا يستكين.

ترى ما هذا الوجه الذي يتفحصها، لا يقاطعها، ولا يحاورها، وفي الوقت ذاته لا يكف عن تفحص مقاطع جسدها ذلك الجسد ألذي بدأت تكرهه وتمقت كل مفاتنه التي تبعث الغواية حتى فيها كيف لها أن تتخلص منه لتخلص دمعتها من كل ذلك التحجر الذي يخزها. لكن كل ما لديها الآن هو صمت مزعج ونظرات نهمة.. وجو ثقيل يطبق على مساماتها ويجعلها تنضح رغبات بوهيمية كأنها الأفاعي، أتعبتها كثرة الأسئلة وأوشكت أن تصرخ في آخرها قبل أن ينبعث صوت من مكان ما ربما من الوجه أمامها، وربما من الجدران التي تحاصرها بل لعلها تحمل ثقل ذلك الضوء الذي ينسكب فوق حدقتها المحمرتين، وتزامن خيط من عنكبوت قديم معه تعرفه جيداً واعتادت غيبته منذ أن أوقفت وهمها على رجل عشقته وبدأ الضعف يكتسحها والوهم يملأ جسدها وبح صوتها ليقول :

-هل ستختفي دمعتي. أم ستبقى معلقة لم تسمع صوته لكنها متأكدة أن هناك ظل ابتسامة أو ربما هي تشبه استهانة لكل الكلمات التي أهدرتها منذ أن تمددت أمامه وهو متفرغ لمحاورة جسدها، أتكون واهمة ليهزأ منها، أمن الممكن أن لا دمعة تحجرت في عينيها. كيف وهي تراها في مرآتها، وتلمسها بيديها وتشعر بها بكل أحاسيسها ويزداد كبر دمعتها وهي تتذكر كل الوجوه التي رسمت، ترى لماذا لا يجيب عن أسئلتها؟ ولماذا يتفحصها بتلك الطريقة البلهاء المفضوحة التي تعرف مغزاها. تفرست بملامحه جيداً لا تتذكر إن قلمها قد، استولد يوماً وجها يشبه هذا آلاف من الخطوط تفصل بين الفحم والألوان، إنه جزء مشوه من الوان غريبة وتفصيلات بشرية تافهة تستفز فيها نقاط ضعفها وبعضاً من لوعتها وتعرف متى تقفز من فوق كل معاناتها لتقدم سيلاً مقرفا ًمن خطوط متعرجة لن توصلها إلا إلى متاهة من.. من ماذا لم تعد ذاكرتها تساعدها، فسقوط نظراته فوقها بدأ يثير غثيانها، ويحزنها بحدة، وعلا صوته كالدبق المزعج فوق سطوح ملساء، توقف عن فحصها مطفئا ذلك الضوء الساخن..

لملمت ثوبها، وآخر ما تقطع من خيوط عنكبوتها وهي تحاول أن تستوعب بوضوح أكبر آخر عبارة سمعتها منه قبل أن تهم بصفعه..

-إنه شعور بالذنب ليس أكثر، وإن أردت التخلص من دمعتك فعليك أن تؤمني ببذل كثير من الأشياء الأخرى والقليل من الحب..

((روعة الاكتشاف تقتل بالاحتراف))

ما الذي اكتشفته، وما الذي أضاعته، وماذا عليها أن تحترف ومتى توقف إحساس المهانة.

آخر أقلامها توقف عن الولادة منذ خافت التمادي في التشظي، أم ترى إن له زمنا آخر تهرب من مواجهة نفسها به، وبعض أوراقها سكنها العنكبوت ملتهما أجزاءها ومثقلا إياها بغبار أسقطه عن جدرانها.

وثمة أجزاء من جسدها ضاعت وسط صخبها، فلم يعد يهمها لو ارتفع ذيل ثوبها أو غطى بعض عريها، ولم تدر إن كانت أطرافها ملكها، أم هي لتوديع الآخرين حين يرحلون، وضحكتها أهي باقية، أم تراها لتسوية حساب مع أحزان اعشوشبت داخل أشنات ملوثة.

وبعض.. بعض من جنونها النظيف الذي كانت تحترمه كثيرا بدا يتشذب بعيون رسمتها أكف لا تعرف غير الخربشات المؤذية.

وهناك داخل كل هذا التشظي شيء يسألها.

- هل أخبرته يوما، أن لا يجمع أجزاءها خوفا عليه، أم رغبة بالبقاء عليها أتكون هي شظايا من جراح جمعتها من آخرين، وليس لها كيان خاص تفرح بجمعه وتحزن لتشتته، أهي بعض مكتسبات أفرزتها رغبات أناس لا تعرفهم، حاولت التكلم فخرج صوتها قبيحا ضخما تشعر به لا ينتمي إليها، غير متوازن معها بالمرة ربما هو قد فارقها منذ بدأت تصغي لنمو أعشابها الغريبة دون أن تدري.

وحين أحست باندحار كامل، بحثت عن قلم أخير لم يسقط، فلم تجد شيء، فأوهمت كفها إن فيه قلما وبدأت ترسم خطوطا بيضا، وقتها وجدت رجلا يمسك أصابعها، وبغرز مخالبه فوق سبابتها فزعت، نفضت كفها، لكنه تعلق بقوة بحثت عن خلاص ما وهي تستعجل التفكير بطرق بدأت تتبدد بعقمها لتحاول إغراقه بكأسها. هو كائن صغير سرعان ما يطفو ورغم ذلك فشلت فقد شعر بكفها رطبة وبدأ يتسلق ذراعها معاودا الإنغراز بقوة أكبر.

استدارت تبحث عن فكرة أخرى.. وحين فكرت بإحراق ذراعها دخل باطن ذراعها ولم تستطيع تحديد مكانه جيدا، شعرت بالعجز والألم يمتلكها، لابد أن تفعل شيئا.. أي شيء لتقطع ذراعها فربما تتخلص منه وقتها أمسكت مقصا كبيرا وبدأت الأشنات المقرفة تنمو بغرابة فوق كتفها الذي امتص ذراعها متلذذا، أطبق المقص فوق مساماتها، وبدأ الغبار يثقل جدرانها المتفحمة بلوحات لم تكتمل. وقبل أن تمسح بقعا لوثت جسدها.

وجدت كلمة سقطت مع ظل رجل كان ينمو داخل أصابعها

"حين نحترف الحياة فسنقتل الحب وأشياء كثيرة أخرى".


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عالية طالب


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni