... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
إبراهيم الوائلي وعريان السيد خلف أبناء قلعة سكر الحالمة

ابراهيم الوائلي

تاريخ النشر       10/09/2007 06:00 AM


عودة للماضي البعيد و وقفة طفولة حالمة واغتراف ماء الحياة من ذلك النهر المتدفق عطاء ( نهر الغراف ) وقهقهات صبية الحي وتناثر إرهاصات الرمان القلعاوي ونطنطت كرات القدم المطاطية التي تخترق الأزقة والدرابين الضيقة وثياب امهاتننا المخمرات بسواد الليل كل ذلك يعيدنا إلى ستينات القرن الماضي .

أشجار الصفصاف والغرب - بفتح الغين -ورائحة المكبس ونذور سيد داود ومراجيح بنات الهوى والجنائب النهرية القادمة من البصرة ولفائف الدخان المتصاعد من أفران الخبز وشريعة الأكراد ومشاحيف ال بشكون المنسابة من الجبايش والخريط والسمك اليابس وموائد الإفطار الرمضانية في الفلوات وعلى الشرايع ومطحنة الكواظمة واسماك الشبوط والبني والكطان تعيدنا هذه الذاكرة إلى تلك الأيام والاماسي والحواضر والتخوم المعطرة بأريج حب الحسين ونحن نردد أشعار الأمهات ونجوب الشوارع ونرفع الريات السوداء ونطلق الدارمي والبوذية ونبكي بنات الحي والجيران وظفائرهن المعفرة بحناء عبد الياسين ومزهر علي رحم ...

والله يازمن !! .

مدرستنا الجليلة قلعة سكر التي رأت النور 1922 ميلادي إنها رئة المدينة التعليمية ومآبها الحرفي بنايتها على الطراز الإسلامي مسقفة تشبه أسواقنا القديمة شهدت عروضا مسرحية في الأربعينات وظهرت فيها حركة الكشافة العراقية تقترب من البساتين من ثلاث جهات وحين تدلف وتدخل إليها تواجهك حديقة غناء اكتسبت حلة وردية لكثرة أوراد ألجوري الجميلة مديرها المرحوم حميد تويج الرجل الحضري العريق يحتضنك لفيف من المعلمين الأخيار من أبناء المدينة والوافدين من حواضر العراق يطالعك المعلم كاظم حسين جاسم وصادق الناشي ونجم السعدي وضياء حمداني وحمزه الخالدي ونعيم فرحان وحسين علي الغريباوي وجاسم ماشه ومحمود البصري ورزاق البصري الذي جلب للمدينة لعبة كرة القدم وعلي الحائري الكر بلائي وعدنان الكر بلائي ويونان المسيحي الموصلي وخلف زهرون الصابئ ورحمين اليهودي المعلم الفنان البارع والقائمة تثرى اللهم العن الطائفية المقيته !!!. ؟

صديق طفولتي الشاعر عريان السيد خلف السيد نعمة السيد مسافر ألغالبي واسمه الحقيقي السيد محمد لكنه غلب عليه الاسم الأول فذاع به عشت وإياه طفولة معذبة ولكنها مغمسه بالود والحب وكان لشضف العيش ومرارة العسر ظهور البصمات الشعرية في مقبلات عمره كانت المدرسة الشي المهم في حياتنا وليوم الخميس طقوسه الخاصة فطالما تقدم السيد عريان الصفوف ليلقي قصيدة يوم الخميس ( العلم ) ويلهبنا حماسا بصوته الشجي وحركاته الدرامية والتمثيلية وكم مرة أبكانا حيث يقراء قصيدة الأرملة المرضعة انه شجن جنوبي نابع من مدينة معطاء و وطنينة حقة .

سألني وتسال الصحفي والأديب الكاتب (( ماجد ألكعبي )) وقال التقيت الشاعر عريان في عدة مهرجانات ومؤتمرات وكان أخرها مهرجان ألحبوبي الثالث في الناصرية حيث أقمنا سوية في فندق الجنوب وفي حديثنا الطويل والمتشعب أكدت له إنني حاليا في قلعة سكر مدينة طفولتك إلا أن الشاعر عريان مر عليها مر الكرام ولم يزدني معلومة أو اهتماما عن مدينة طفولته وذكرت له كثير من الأسماء التي هي ألان قريبة مني فلم يعر اهتمام لها وكأني أتحدث له عن مدينة في جزر لازور .

سألني الصحفي والكاتب ماجد ألكعبي مستغربا هذا التغيب والتعويم والتنكر لمدينة طفولته وناسها وأصدقاء طفولته وأسرارها وأزقتها مما حدى بي لكتابة هذه المقالة جوابا على تسال ألكعبي وآخرين وضعوا نفس الاستفهام والاستغراب لهذا التنكر المتعمد ؟؟؟ .

أقول .... إن عريان ابن مدينتي وصديق طفولتي وجليس دراستي ابن قلعة سكر الولودة التي أنجبت الفنان الكبير شاكر حسن ال سعيد والدبلوماسي المخضرم مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة إبان الحكم الملكي عبد المجيد الحيدري والشهيد عبد الحسين مشهدي الذي أعدمه صدام والشاعر الملمع ورائده عبد الأمير الحيدري والموسوعة الإنكليزية باقر تويج والصحفي العالمي الذي يسكن عاصمة الضباب لندن ( كاظم علي العالم ) وحميد عبد الله السعيد لقد مر مله عبود الكرخي بالمدينة وحلا ضيفا على شعرائها ( حمود الدخيل ومحمد شكر وسيد حمد ) وعاش ليالي حسان وكتب عنها الشاعر سعدي يوسف قصيدة عصماء حين زارها ومكث فيها الشاعر الشهير زاير دويج واستحسن أهلها وهوائها أنها مدينة الرمان ولياليها أعراس سومرية دائمة الأضواء إنها مدينة ثورة العشرين انزل ثوارها العلم البريطاني ورفعوا العلم العراقي لاول مرة هكذا يقول عنها البريطانيون في مذكراتهم . نشا شاعرنا وسط هذا الحشد الوطني والشعري والثقافي وكان والده السيد خلف قد نظم الاوبوذية والدار مي والزهيري وأمضى جل وقته في وسط عائلة ذات شان علمي واجتماعي ( عائلة ال جنديل ) وتخذوه صديقا وابنا بارا لهم وكانت أمه قد حفظت القران من زوج أختها الملة عبد وقرأت القصائد الحسينية في رمضان وعاشوراء وتميزت بذلك تعلم شاعرنا الذكر الحسني والشعر من وسطه العائلي وكان صوته شجي وشخصيته وديعة وخجولة كنا نطلب منه بعد ان نلعب كرة القدم أن يقرا لنا المأتم الحسيني فيعتلي المنبر ويذكر سيد الشهداء وتسقط دموعنا من الأجفان كتساقط قطرات الندى عاشت أسرته الكفاف وامتهن والده الوزانة وزن الحنطة والشعير بالطريقة البدائية وميزان خوص النخيل الشهير هجر المدينة إلى بغداد ( مدينة الثورة ) واستغل عاملا في معمل مشروبات ألشابي وكنا نلتقي في فترات متباعدة التقيته في الناصرية عام 1965 في فندق العراق جاء ليؤدي الخدمة العسكرية إبان استيزار العقيلي وزيرا للدفاع وسكن معي في غرفتي وبث لي شكواه وشكى لي عسر حاله وزواجه وابنته إيمان وكان متعبا ومنهكا تواصلت معه عن طريق أخيه طه الذي جاء للقلعة ومكث فيها مدة عند خالته ولعبنا وإياه كرة القدم وكان وسيما وشجاعا إلا أن حرب القادسية اختطفته ذكر لي مرة ان الشاعر عريان تعرض إلى المضايقة والضرب عدة مرات وعندما نسأله يتهرب عن ذلك قررت متابعة ذلك و وقفت على عصابة تعترضه وتكثر به ضربا فما كان مني إلا اندفعت نحوهم ونهلت عليم بالضرب ( وذلك لأنني شاب ورياضي ) واسقطت الكثير منهم أرضا وكانت نهاية هذه الرزية . تكررت زيارات الشاعر عريان لمدينته بعد ذياع صيته واتساع شهرته وكان ذلك إبان البعث والجبهة الوطنية وشهدت المدينة جلسات شعرية له إلا أن البعث شدد على تلك الجلسات وانشرخ البعثيون بين مؤيد ومعارض وانحسرت الجلسات وضيق عليها ولم يحالفني الحظ لرؤيته كل هذا الوقت .

بعد سقوط الصنم والتغير جاء للقلعة لممارسة هواية الصيد والكسلات في منطقة عكيل وجزيرة سيد احمد الرفاعي وكذلك لم أراه .. عتبي الشديد على صديق الطفولة هو إهمال المدينة عند المقابلات التلفازية ويمر مر الكرام عليها ولم يخلدها في قصيدة عصماء تتداولها الالسن وتارشفها الكتب فهل من سبب ؟ وكذلك لم يذكر اسم مدرسته قلعة سكر بالاسم ولم يتطرق لإبائه المعلمين وذكر سيرتهم الجليلة أقول ... لماذا هذا الجفاء ياعريان ؟؟ سفرك الحياتي بدا من القلعة ! ونظمك الشعري من هذه المدينة الجنوبية الوطنية العريقة وذيوع شهرتك من شعرائها

( حمود الدخيل والسيد خلف نعمه ومحمد شكر وسيد حمد وعبد الأمير الحيدري وأبو ثابت محسن الخطاب ) إن الإنسان بدون تاريخ وجذور لا قيمة له أرجوك أن تعيد النظر بهذه القطيعة لمدينتك وهذا لايعني انها تزهو وتفخر بك وانما الزهو والافتخار لك بها إن حسبت عليها وذلك لانها مدينة خالدة مخلدة عبر التاريخ وسنسمع عن قريب إنشاء الله قصيدة

( القلعة المعطاء )

وبهذا تعيد لحمتك وسحنتك الجنوبية الرائعة مع تقدير صديق الطفولة إبراهيم الوائلي .


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ابراهيم الوائلي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni